تعيش مناطق جنوب المغرب كارثة حقيقية جراء استمرار تهاطل الأمطار الطوفانية منذ أكثر من أسبوع، وهي التي خلفت قتلى ومفقودين وانهيار بنيات تحتية مثل الطرق والقناطر والجسور وممتلكات الناس من منازل وحقول زراعية. وبعد تردد طيلة أيام، أعلنت الدولة المغربية كلميم منطقة منكوبة، وهذه من المرات القليلة جدا التي تقدم فيها على إعلان مثل هذا خاصة وأنه يتعلق بالأمطار وليس الزلازل. ولا تقل مناطق واقعة في الجنوب مثل سيدي إيفني وتزنيت تضررا من كلميم وإن كانت الأكثر تضررا هي القرى المعزولة.
وهذا الوضع المأساوي، سيؤثر على ساكنة المناطق المتضررة وخاصة في المجال القروي. فبنيات تطلب إنجازها مدة طويلة، وإن لم تكن في المستوى، تعرضت للتلف، قناطر وجسور ومدارس ومنشآت عمومية وخاصة أخرى.
وتنمويا، فقد حكمت الأمطار الطوفانية وما خلفته من أضرار على عودة سكان المنطقة سنوات الى الوراء وفاقمت من الوضع الاجتماعي الهش الذي تعرفه مسبقا وتحرج الخطاب التنموي للدولة.
واجتماعيا، سجلت هذه النكبة الطبيعية التي تعيشها كلميم ومناطق مجاورة تصرفات غير إنسانية، فقد استهجن المغاربة نقل جثث ضحايا في شاحنة لجمع الأزبال، واستنكر المغاربة كيف سارعت السلطات الى إنقاذ الأجانب على حساب المواطنين.
وسياسيا، وقف الرأي العام كيف أحجم الوزراء وعلى رأسهم رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران عن الانتقال الى المناطق المنكوبة ولو من باب التضامن حتى جاء الضوء الأخضر من القصر بأمر وزير الداخلية محمد حصاد بزيارة كلميم، وكأن قيام الحكومة بواجبها إزاء المواطنين ينتظر ضوء أخضرا من المؤسسة الملكية.
وتقنيا، تألم المغاربة وهم يرون كيف كان مواطنون يتشبثون بالحياة فوق سيارة طاكسي أو شاحنة وظلوا مدة طويلة ينتظرون تدخلا من أفراد الوقاية الذين لا يمتلكون ولو طائرة مروحية وكوماندو للإنقاذ في مثل هذه الحالات، حتى جرفتهم المياه وفارقوا الحياة. هناك حالة فتى بقي أربع ساعات متشبثا بغصن شجرة ولم تصل الطائرة المروحية.
ويمكن توجيه انتقادات قوية للدولة المغربية حول القناطر والجسور الحديث البناء التي انهارت، حيث يحضر النقاش حول الغش والكفاءة والمراقبة، لكن النقاش الجدي يجب أن ينصب حول وسائل الإنقاذ وكذلك لماذا لم يتم الترخيص للجيش بالتدخل بشكل واسع في عمليات الإنقاذ والمساعدة؟
وتتعرض الدول لكوارث طبيعية تتجاوز أحيانا قدرات الوقاية المدنية، ويحدث هذا في دول متقدمة، ووقتها يتم اللجوء الى الجيش. فقد لجأت لولايات المتحدة الى الجيش في إعصار كاترينا سنة 2005 الذي ضرب لويزيانا وكوارث أخرى. ويتكرر المشهد سنويا في الفيضانات في أوروبا حيث يتدخل الجيش في فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وتتوفر كل الدول الأوروبية على وحدات خاصة في الجيش مكلفة بالتدخل عندما تتعرض منطقة ما من البلاد لكارثة طبيعية، وهذا بسبب القدرات العالية للجيش وتوفره على الإمكانيات اللازمة.
وفي الجارة اسبانيا، أنشأت الحكومة سنة 2005 وحدات عسكرية وزعتها على مناطق متعددة في البلاد مستعدة للتدخل كلما حلت كارثة كبيرة من فيضانات أو حرائق. ووعيا منها بمأساوية الوضع في جنوب المغرب، فقد عرض وزير الدفاع الإسباني بيدرو مورينيس على المغرب المساعدة العسكرية بإرسال الوحدة الخاصة المتمركزة في جزر الكناري للمساهمة في عمليات الإنقاذ. ورفضت الدولة المغربية العرض رغم ما يقال عن العلاقات الممتازة والتعاون في جميع المجالات.
لكن الذي لا يفهم هو كيف لم تلجأ الدولة المغربية، أمام الوضع المأساوي والكارثي، الى الجيش المغربي للإعتماد عليه في عمليات الإنقاذ، وهو المؤسسة الوحيدة التي تمتلك الوسائل علاوة على قرب منطقة كلميم من الصحراء التي يتمركز فيها الجيش بكثافة، وهذا يعني سهولة التنقل.
يوم 25 أكتوبر الماضي، أعلنت الدولة المغربية الاعتماد على الجيش في مواجهة الإرهاب ضمن ما سمي برنامج “حدر”. وقبلها بشهر، نشر الجيش بطاريات مضادة للطيران خوفا من طائرات ليبية مدنية قد تضرب بعض منشآته الحوية. ونظرا لتعود الناس على حضور الجيش في الحياة اليومية خاصة بعد “حدر”، أصبح من اللازم على الدولة المغربية إنشاء وحدات خاصة للتدخل عندما تتعرض البلاد للكوارث الطبيعية، كما يحدث في الكثير من دول العالم ومنها اسبانيا. فحضور الجيش وبشكل واسع في عمليات إنقاذ منطقة كلميم كان ضروريا، لكن الدولة لم تفعل، وإن فعلت فبشكل محدود جدا.