تخصص وسائل الاعلام المغربية حيزا هاما لفضيحة مركب مولاي عبد الله الذي غرق ملعبه بالأمطار الغزيرة خلال مباراة أزول المكسيكي وأوكلاند سيتي الأسترالي، وأبدعت في التأويلات بشأن من يتحمل المسؤولية، والمفارقة أنه هذا يجري في وقت شهد جنوب المغرب مقتل أكثر من خمسين شخصا في فيضانات ويوجد عشرات الآلاف من التلاميذ بدون حجرة لمتابعة تعليمهم.
وانخرطت الصحافة بشتى تلاوينها في مسلسل البحث والتقصي بشأن ما يحاول البعض تحويله الى “فضيحة القرن في البلاد”، غرق ملعب مولاي عبد الله، واضطرار الفيفا الى نقل مباراة ريال مدريد الى مراكش. وتدريجيا بدأت تظهر معطيات حول الفساد في هذا الملف، وبنوع من قلة الذكاء، يصر وزير الرياضةمحمد أوزين عل نفي مسؤوليته وتحميلها للآخر، وهذا ليس بجديد بل من مكونات الفكر السياسي للطبقة التي ابتلى بها المغرب.
والأعراف والواقع يحتمان التركيز بقوة إعلاميا وسياسيا على ملف الفساد في ملعب مولاي عبد الله، لكن الأمر يدعو لتساؤل عريض الى مستوى الغرابة، وهو. لماذا لم تبدع معظم الصحف وبالحماس نفسه في التعاطي مع مقتل أكثر من خمسين شخصا في فيضانات جنوب المغرب وخاصة كلميم وتشريد الآلاف؟
جنوب المغرب عرف كارثة طبيعية مرعبة جراء الفيضانات وخلفت مآسي حقيقية ومنها مقتل 50 شخصا وانهيار آلاف المنازل والحكم على ساكنة المنطقة بالعيش في ظروف صعبة تنضاف الى المنطقة المعروفة بهشاشتها على مستوى البنيات، وهو ما سيزيد من الهوة بين مناطق المغرب. لم تصر الصحافة على من يتحمل المسؤولية، لم تحول الملف الى قضية رأي عام وطني، تخلق حالة استنفار لفتح تحقيق حول تأخر المساعدات وحول سقوط جسور يعود بناءها لسنوات أو شهور وتضرر معظم الطرق ومسؤولية الدولة بكل مؤسساتها من ملكية وجيش وحكومة بل ومجتمع.
وإذا كان جنوب المغرب قد خلف مقتل أكثر من خمسين شخصا أغلبهم غرقا في الوديان، ففضيحة ملعب مولاي عبد الله لم تخلف غرق أي شي، لأن سمعة المسؤولين المغاربة، مع استثناءات، غارقة مسبقا في الفضائح، ويكفي رؤية التقارير الدولية حول الفساد. وهذا يجرنا الى تساؤل آخر: هل عشب ملعب مولاي عبد الله أهم من حياة المواطنين الذين غرقوا جنوب البلاد؟ هل مشهد تجفيف عشب الملعب خلال مباراة أكثر مأساوية من أولئك المواطنين الذين بقوا عالقين وسط الوادي في كلميم ساعات حتى جرفتهم السيول دون تحرك وحدات التدخل من الجيش أو الدرك لإنقاذهم؟ هل صفقة الملعب أهم من صفقات بناء مئات المدارس التي تصررت في الجنوب وأصبح مائة ألف تلميذ بدون حجرة للدراسة، وفق وزارة التعليم نفسها؟
إن الاستثناء الإداري والسياسي للدولة المغربية ينتقل الآن للصحافة، والاختلاف في التعاطيالإعلامي ما بين ملعب مولاي عبد الله وغرقى جنوب البلاد النموذج الصارخ!