مقال للمحامي أحمد الدغرني على هامش الأزمة بين فرنسا والمغرب
أصدر وزير العدل المغربي بلاغا يوم 26 فبراير 2014 يعلن فيه استدعاء قاضية الاتصال التابعة لسفارة المغرب بفرنسا، كما يعلن أيضا “تعليق تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين”. اللافت أن هذا الخبر مر عبر وسائل الإعلام وكأنه إجراء صحيح ومقبول من طرف المهنيين في مجال القانون المغربي من قضاة ومحامين وخبراء وأساتذة القانون… ولذلك يعن لنا طرح السؤال التالي: هل يصح من الناحية القانونية توقيف تنفيذ اتفاقيات ثنائية بين دولتين بمجرد بلاغ Communiqué،علما بان البلاغ ليس قرارا وزاريا ولا مرسوما، ويصنف من الناحية القانونية بكونه مجرد إخبار، علما بأن الاتفاقات الثنائية conventions bilatérales المعنية صدرت في أعداد الجريدة الرسمية المغربية بمقتضى ظهائر تعني في العرف المغربي”قوانين”؟ وهل اتخاذ إجراء استدعاء قاضية الاتصال التي تحمل صفة “قاضية” يمكن قانونيا اتخاذ هذا النوع من التدبير ضدها وتوزيعه على وسائل الإعلام دون مراعاة كونها تخضع لضمانات المهنة القضائية المستقلة عن أوامر وزير العدل؟ وما هو رأي جمعيات القضاة في مصطلح “قاضية الاتصال” الذي لا يوجد في نصوص النظام القضائي المغربي؟. وتبعا لذلك ماذا تعني “اتفاقيات التعاون القضائي”؟.
لاشك أن غير المختصين في مجال القانون لا يعرفون ماذا تقصد وزارة العدل بهذا النوع من الاتفاقيات، كما أنهم قد لا يتصورون خطورة بلاغ وزارة العدل، ومن باب التوضيح فإن الأمر يتعلق بعدة اتفاقيات تنظم التعاون القضائي مرفقة ببروتوكولاتLes protocoles تطبيقها أبرمت بين المغرب وفرنسا ابتداء من سنة 1957 الى سنة 2013.
ولتمكين القراء من دراسة نماذج من بعض أنواع هذه الاتفاقيات نبدأها باتفاقية التعاون القضائي في الميدان الجنائي التي نشرت بظهير 2 غشت2011 ووقعت يوم 18 أبريل 2008 (جريدة رسمية عدد 6003يوم12/12/2011) من قراءة هذه الاتفاقية يتضح أنها لا تسمح لوزير العدل باستعمال ما سماه “تعليق تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون القضائي” والذي تسمح له به صراحة هو “رفض التعاون” وهناك فرق بين “رفض التعاون” وتعليق تنفيذ جميع الاتفاقياتIl été décidé de suspendre l’exécution de toutes les conventions de coopération judiciaire،لأن رفض التعاون يتعلق بجواب بالرفض أو القبول عن طلب التعاون القضائي في قضية محددة تخوله الاتفاقية لأحد طرفيها بناء على طلب يقدم إليها من طرف الدولة الأخرى، وبالتالي فليس لدى وزير العدل حسب علمي المتواضع أي طلب فرنسي لتطبيق التعاون القضائي في قضية الحموشي مثلا، ناهيك على أن هناك مصطلح آخر تنص عليه الاتفاقية وهو “إلغاء الاتفاقية” وهو حق لكل دولة من الدولتين فرنسا والمغرب، وهنا يحق لنا أن نتساءل كرة أخرى: ما هو السبب الذي جعل وزير العدل يتجنب إلغاء الاتفاقيات الثنائية للتعاون القضائي ولم يستعمل رفض التعاون، هل لأنه لا يستطيع قانونيا إلغاء اتفاقية ثنائية بين فرنسا والمغرب صدر بشأن نشرها في الجريدة الرسمية المغربية ظهير ملكي؟ واستعمل تعليق التنفيذ الذي لا يوجد له نص قانوني يسمح به، أم أن إلغاء الاتفاقية الثنائية يدخل ضمن اختصاص الملك أو رئيس الحكومة أو البرلمان؟.
وحسب ما أتذكره، شخصيا، فان المغرب عرف سابقة واحدة في تاريخه الحديث هي إلغاء الاتفاقية الثنائية بين المغرب وليبيا والمتعلقة بإنشاء ماكان يعرف بـ”الاتحاد العربي الإفريقي” والموقعة يوم 13غشت 1984 بوجدة (كانت موضوع بحث الحصول على الإجازة في الحقوق أعدها ولي العهد محمد السادس الملك الآن وصديقه محمد رشيد الشرايبي وطبعتها المطبعة الملكية) والذي ألغاها هو الملك الحسن الثاني بسبب تدهور علاقاته مع الكدافي، ولم يسبق لوزير مغربي أن أمر بتوقيف تنفيذ اتفاقية ثنائية مع أية دولة أجنبية في العالم حسب علمي المتواضع ،ومن ناحية تطبيق الاتفاقية من الجانب الفرنسي فقد خرقت فرنسا نصوص الاتفاقية التي توجب توجيه الاستدعاء الى الشخص المغربي عن طريق وزير العدل بصفته سلطة مركزية داخل المغرب وليس عن طريق السفارة المغربية (الفصل23من الاتفاقية)،إن لم يكن الأمر قد فهم من طرف قاضي التحقيق الفرنسي بأنه لايحتاج الى استعمال طلب التعاون القضائي مادام المعني بالأمر يتواجد على التراب الفرنسي وهي حالة لاتنص عليها الاتفاقية المذكورة،كما أنه كان بصدد البحث في دعاوى تتعلق بتطبيق الاتفاقية الدولية حول التعذيب وليس بصدد تطبيق القوانين الداخلية للدولة الفرنسية….
والنموذج الثاني للاتفاقيات الثنائية بين المغرب وفرنسا وهي أخطر وأهم اتفاقية ثنائية بين فرنسا والمغرب بالنسبة للجمهور الواسع من الشعب ،وهي المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة والتعاون القضائي بشأنها،والموقعة يوم 10غشت 1981 (جريدة رسميةعدد3910يوم7/10/1987) وهي التي تنظم وتعالج مشاكل الزواج والطلاق والنفقة والحضانة للأطفال، وهذه الاتفاقية مشمولة بصيغة جميع اتفاقيات التعاون القضائي التي وردت في بلاغ وزارة العدل، وهي في هذا الميدان المتعلق بشؤن المغاربة المتزوجين ولهم أولاد وقضايا تروج في المحاكم ولدى قضاة الأسرة، فهل سيطبق القضاة المغاربة والفرنسيون ماسماه وزير العدل المغربي تعليق تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون القضائي؟ وإذا طبقوه سوف يقع تعليق تنفيذ الأحكام القضائية، وسيسمح للمثليين بعقود الزواج، وستطبق فرنسا على المغاربة المقيمين لديها قانونها الداخلي …وفرنسا تختلط قوانينها الداخلية مع قوانين الاتحاد الأوربي مما سيجعل تجميد تنفيذ الاتفاقيات مع فرنسا يمس أيضا التعاون القضائي مع بقية الدول الأوربية..
والنموذج الثالث هو الاتفاقية القضائية المتعلقة بالمهن القضائية الحرة المؤرخة 16 يونيه 1971(جريدة رسمية عدد 3060يوم23يونيه1971) وتعني بهم الاتفاقية المحامين المغاربة والفرنسيين، ومهن الخبراء والمستشارين القانونيين، ويكون بذلك بلاغ تعليق تنفيذ اتفاقيات التعاون القضائي حول المهن القضائية الحرة يمس بممارسة مهنة المحاماة خاصة حيث يترافع المحامون الفرنسيون داخل المغرب ويترافع مثلهم المحامون المغاربة بفرنسا طبقا لنصوص هذه الاتفاقية، ويتطلب ذلك تحرك جمعيات المحامين ونقاباتهم في البلدين لضمان ممارسة المهن القضائية الحرة، فهل سيقع تعليق تنفيذ هذه الاتفاقية وتحمل ماسينتج من ذلك من طرف وزير العدل؟ ولذلك فان البلاغ الذي اتخذته وزارة العدل حول تعليق تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون القضائي، يستوجب الانتباه الى اللغة المستعملة في نص البلاغ وتجنب الخطأ الشائع لدى الصحافة وهو مايسمونه “تجميد الاتفاقيات” فهو تعليق للتنفيذ وليس تجميدا ولا إلغاء للاتفاقيات، وأيضا الانتباه الى كون البلاغ الذي أصدره وزير العدل لا يستند الى أي نص قانوني بالمغرب يسمح لوزير العدل بإصدار بلاغ بتعليق تنفيذ اتفاقيات التعاون القضائي مع فرنسا ولا غيرها من الدول…
خلاصة الكلام، نقول كل ذلك من أجل تجنب الأخطاء السياسية والقانونية التي يؤدي الشعب ثمنها. وعلى المتملقين لأسيادهم أن يفهمو أن المقال يستهدف حماية دولة الحق والقانون وليس إلحاق الضرر بأي شخص كيفما كان.