تراجع الضغط الإرهابي على المغرب بسبب ما ستحمله الانتخابات الرئاسية في مالي من استقرار سياسي وأمني في هذا البلد الإفريقي نتيجة تراجع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ومعه المخاطر التي تهدد المغرب وكان يتخوف اساسا نم انعكاساتها على الصحراء.
وبعد قرابة سنتين من التوتر السياسي والانقلاب العسكري في مالي السنة الماضية الذي قاد الى انهيار الدولة ونتج عنه سقوط شمال البلاد في يد تنظيم القاعدة الإسلامي التي كانت تزحف نحو العاصمة ووسط البلاد ومهددة منطقة الساحل بالكامل، تشهد مالي منعطفا جديدا في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت في أجواء لسمية وهادئة وكأن البلاد لم تكن منهارة من قبل.
وكان الفراغ السياسي والأمني الذي عاتن منه مالي وبدأ ينعكس سلبا على مجموع دول الساحل، قد دفع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة الى التدخل عسكريا. وخلف التدخل الفرنسي الذي بدأ في يناير الماضي شارك فيه قرابة أربعة آلاف جندي اعتقال وهروب أفراد تنظيم القاعدة من منظقة مالي التي كانوا قد حولوها الى معقل رئيسي لعملياتهم وانتشارهم في الصحراء الكبرى التي تضم مالي والنيجر وموريتانيا وجنوب الجزائر وحتى ليبيا.
وتأتي الانتخابات الرئاسية التي فاز في جولتها الثانية إبراهيم أبو بكر كيتا في منتصف شهر غشت لتضفي استقرارا سياسيا على البلاد. وابرزت الجريدة المالية إيسور أنه ستبدأ عملية بناء مؤسسات الدولة وخاصة الأمنية والعسكرية منها لضمان الاستقرار والأمن ومنع عودة أعضاء القاعدة للتواجد في البلاد. وبدورها، كتب جريدة مالي أكتياليتي في افتتاحية لها يوم 20 غشت 2013 أن البلاد في حاجة لتكثيف المساعي لمنع عودة المتطرفين. وعمليا، تساهم الدول الغربية واساسا فرنسا واسبانيا والولايات المتحدة في تكوين مؤسسات أمنية وعسكرية متينة في البلاد قادرة على موادهة المتطرفين.
وتساهم هذه التطورات السياسية والأمنية في مالي في ارتياح حقيقي في الدوائر الأمنية المغربية، إذ يشكل هذا نهاية كابوس القاعدة وتهيداته للمغرب وجنوب البلاد أساسا بسبب القرب الجغرافي، لاسيما وأن القاعدة دائما ترغب في ضرب المغرب بسبب سياسته التي تعتبرها موالية للغرب.
ومن عناصر التهديد الحقيقي للمغرب أن بعض المتطرفين المغاربة كانوا يقصدون مالي للتدريب والتكوين بغية العودة الى المغرب لتنفيذ عمليات إرهابية. وعليه، يحمل الاستقرار في مالي نهاية معقل القاعدة الذي يتدرب فيها المغاربة.
وكان شمال مالي معقلا حقيقيا يتدرب فيه المغاربة، فبعد تراجع أفغانستان حلت هذه المنطقة الإفريقية محلها، بينما في سوريا، فالمغاربة الذين يقصدونها لا يعودون بل يفضلون الانتخار ضد قوات بشار الأسد. ولكن المتدربين في مالي ينوون العودة الى المغرب لتنفيذ عمليات إرهابية.
وفي الوقت ذاته، يشكل المنعطف الذي تشمله مالي نهاية التهديد لدول جنوب أوروبا وباقي دول المغرب العربي ومنها الجوائر التي عانت إبان التدخل الفرنسي من قيام كوماندو تابع للقاعدة من ضرب المنشأة التفطية عين أمناس.
وتساهم هذه التطورات السياسية والأمنية في مالي في ارتياح حقيقي في دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تعتبر نفسها المنطقة الأكثر تهديدا من تواجد القاعدة علاوة على منطقة المغرب العربي وخاصة الجزائر التي تعرضت في بداية التدخل الفرنسي الى هجوم لتنظيم القاعدة على منشأة عين أمناس جنوب البلاد.
ومن ضمن الدول الأوروبية التي ارتاحت لنهاية القاعدة اسبانيا وفرنسا. فإسبانيا عانت من اختطاف مواطنيها من طرف تنظيم القاعدة في موريتانيا ومالي واضطرت الى تأدية فدية بملايين اليورو للحصول على حريتهم. كما أنها كانت تتخوف من انعكاسات خطيرة على جزر الكناري المقابلة للشواطئ الجنوبية المغربية والموريتانية، حيث ساد تخوف من تسلسل مقاتلين للقاعدة الى هذه الجزر عبر قوارب الهجرة لتنفيذ عمليات مسلحة سواء ضد منشآت سياحية، وهي المصدر الرئيسي لهذه الجزر أم ضد الملاحة الدولية التي تمر من الجزر.
كما يسود الارتياح أساسا دولة فرنسا، كما عكست الصحافة الفرنسية بعد نجاح الانتخابات بل وكذلك المؤسسات الأمنية. ويبقى ارتياح فرنسا عائد الى أن تراجع وغياب القاعدة في منطقة مالي هو غياب التهديد الذي كان يخيم على مصالحها في المغرب العربي ومنطقة الصحراء الكبرى التي تعتبر منطقة نفوذ تاريخي لها بامتياز. وكان هناك تخوف فرنسي حقيقي على تسرب أعضاء القاعدة الى دولة النيجر وضرب مصانع إنتاج اليورانيوم لشركة أريفا التي تعتبر المصدر الرئيسي للمحطات النووية الفرنسية وكذلك المحركات التي تبيعها للخارج. وتراهن فرنسا على الريادة في بيع المحركات النووية السلمية لدول كبرى منها الصين والهند والإمارات العربية ودول المغرب العربي، ولهذا فالقضاء على تنظيم القاعدة في مالي كان عملا استراتيجيا.