كشف تقرير رسمي أن زواج الأقارب داخل المجتمع المغربي شهد تناقصاً ملموساً خلال السنوات الأخيرة، حيث تراجعت نسبة هذا الصنف من الزواج الذي يجري بين أبناء العم أو أبناء الخال، وذلك من 33% سنة 1987 إلى 21% خلال السنة المنصرمة بالمغرب.
وأبرز التقرير الأخير، الذي صدر عن المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة حكومية، أن معدل زواج الأقارب من آباء متباعدين سجّل بدوره انخفاضاً في المجتمع المغربي من 13٪ إلى 5,1٪، مؤشراً على تغير في أنماط السلوكيات الاجتماعية عند المغاربة.
الهروب من زواج الأقارب
زكية بدالي، في بداية عقدها الثالث، قالت في تصريحات لـ”العربية نت” إن زواج المرأة برجل قريب لها، من أبناء العم أو الخال وغيرهم من الأقارب، بقدر ما هو إيجابي في بعض النواحي، من قبيل الحفاظ على لُحمة العائلة، بقدر ما يتضمن مخاطر تهدد سلامة واستمرار هذا الزواج.
وتابعت زكية أنها ترفض زواج الأقارب رغم إلحاح أسرتها عليها، خاصة والدتها التي تطالبها بالزواج من ابن خالتها المهاجر في إيطاليا، مبررة ذلك بأن مشاكل هذا الصنف من الزواج أكبر من مزاياه، بالنظر إلى أن أي خصومة بين الزوجين قد تنتقل إلى خلافات بين العائلتين التي تجمعهما أواصر المصاهرة والدم أيضاً.
وبالنسبة للسيد عمر الفار فيرى في تصريحات لـ”العربية نت” أن تراجع المغاربة في الارتباط بأقاربهم يعود إلى تطور الوعي الاجتماعي والصحي لديهم، حيث إنهم صاروا أكثر إدراكاً للمشاكل الصحية التي قد تنشأ لدى الأولاد في زواج الأقارب، كما أنه زواج لا ينفتح على المجتمع مثل باقي الزيجات.
وفي المقابل لا تزال الكثير من الأسر، خاصة التي تعيش في البوادي والأرياف، تفضل زواج الأقارب، حيث تتزوج الفتاة بابن عمها أو ابن خالها أو خالتها، باعتباره زواجاً يحترم تقاليد المجتمع المغربي ويحافظ على تماسك الأسرة وتوطيد علاقات الدم بالمصاهرة، علاوة على حماية ثروتها من أيادٍ خارج العائلة.
تغير العلاقات الاجتماعية
وتعليقاً على هذه التحولات التي سجلتها المندوبية السامية للتخطيط بخصوص تراجع زواج الأقارب بالمغرب، أبرزت الدكتورة ابتسام العوفير، أخصائية علم الاجتماع، في تصريحات لـ”العربية نت”، أن التراجع في نسبة زواج الأقارب أمر طبيعي بالنظر إلى صيرورة التغيرات القيمية التي طرأت على مجتمع مغربي يتحول بشكل سريع.
واستطردت العوفير قائلة إن زواج الأقارب قد يكون محافظاً على نسبة انتشاره في عدد من القرى التي تجد في هذه الصيغة من الزواج نوعاً من “الحماية” الاجتماعية والنفسية، حيث إن البنت التي تتزوج من ابن عمها تظل مشاكلهما وخصوصياتهما كيفما كانت داخل حدود الأسرة”.
وأردفت الباحثة أن المدن والحواضر هيمنت عليها ثقافة الفردانية أكثر، فلم يعد الزواج متعلقاً بالأسرة الواحدة، بل بأسر كثيرة تتواصل فيما بينها، حيث يمكن للشاب الذي ينتمي إلى شمال البلاد أن يتزوج بفتاة تنتسب إلى جنوبه، وذلك بحكم علاقات العمل والزمالة في الجامعة، وغيرها من العوامل.
ومن جهته، عزا تقرير المندوبية السامية للتخطيط تراجع نسبة زواج الأقارب في المجتمع المغربي إلى ما سمّته “تحولات عميقة طرأت على منظومة القيم والسلوكيات الاجتماعية”، في إشارة إلى تفتح العلاقات الاجتماعية للشباب التي تجعلهم يدخلون في مشاريع زواج بعيداً عن زواج الأقارب.