بين الهاجس الأمني والجهد العلمي.. أين وصل تقصي البشرية عن حياة أخرى خارج الأرض؟

صورة لجسم فضائي غريب رصده ربابنة أمريكيون

أحيا نشر وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) يوم 27 أبريل/نيسان الماضي لأول مرة فيديوهات عن أجسام طائرة مجهولة، النقاش القديم الجديد عن حقيقة هذه الأجسام، وربط البعض لها بوجود مخلوقات فضائية، إلا أن ثمة مسارا آخرا تقوم عليه مؤسسات علمية، ويسعى عبر طرق وأدوات مختلفة للتقصي عن آثار حياة أخرى خارج كوكب الأرض.

فقد رفع البنتاغون السرية عن ثلاثة مقاطع فيديو التقطها طيارون تابعون لسلاح البحرية تظهر أجساما مستديرة مجهولة تطير في السماء بلا أجنحة، وتطير بسرعات فائقة غير اعتيادية. وأكد بيان وزارة الدفاع أن المقاطع التي تم تداولها لسنوات في وسائل إعلام مختلفة، هي مشاهد حقيقية رصدتها القوات البحرية الأميركية.

وأثارت فيديوهات البنتاغون جدلا واسعا داخل الولايات المتحدة وخارجها، بين قائل إنها تثبت صحة ما كان ينشر في السنوات من فيديوهات مسربة عن وزارة الدفاع لأجسام طائرة غير معروفة، وبأن تلك الأجسام لا تنتمي إلى كوكب الأرض، بالنظر إلى شكلها ومواصفاتها مثل سرعتها الكبيرة، وطريقة تغيير مسارها وعدم توفرها على محرك نفاث.

وقد صرح الطيار السابق في البحرية الأميركية الرائد ديفد فرافور لقناة فوكس نيوزالأميركية بأنه يعتقد أن الأجسام التي شوهدت في فيديوهات البنتاغون لا تنتمي إلى كوكب الأرض، لأنها مختلفة تماما عن المواصفات الفنية للأجسام الطائرة المتعارف عليها في الولايات المتحدة وفي باقي دول العالم.

رأي العلماء
بالمقابل، قال علماء متخصصون في الفضاء إن ما نشرته وزارة الدفاع من فيديوهات لا يثبت أي شيء جديد، فهي تتحدث عن أجسام طائرة مجهولة، ولا تربطها بكائنات فضائية تقود تلك الأجسام.

ويقول كاليب شارف رائد الفضاء الأميركي السابق ومدير مركز كولومبيا لعلم الأحياء الفضائي ومقره في نيويورك– “من الصعب جدا بصفتي عالما أن أخرج بخلاصة عقب مشاهدة الفيديوهات.. نحن بحاجة إلى الكثير من المعلومات والوثائق لمعرفة ما يجري“.

ويضيف شارف لموقع بزنس إنسايدرالأميركي أن هناك الكثير من الظواهر الطبيعية غير المفهومة في الأرض ومنها في غلافها الجويالتي تحتاج للمزيد من البحث والتقصي، ولكن من الخطأ التسرع بالقول إن ما شوهد في فيديوهات وزارة الدفاع يتعلق بمركبات متطورة التكنولوجيا تخص مخلوقات فضائية.

وشدد المتحدث على أن القول سيكون ضربا من التخمين، وليس حقيقة مبنية على التقصي العلمي.

كما وجهت تساؤلات كثيرة بشأن سبب تكتم وزارة الدفاع الأميركية لسنوات طويلة قبل أن تقر بأن ما نشر من فيديوهات لأجسام طائرة غير معروفة، هي من التقاط كاميرات حرارية مثبتة في مقاتلات سلاح البحرية

ويرجع الفيزيائي الفلكي الجزائري والباحث السابق في وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) نضال قسوم تكتم البنتاغون إلى طبيعة السرية التي تحيط بعمل الوزارة، وذلك فيما يتعلق بالمهام والتجارب العسكرية التي تجريها، والتي لا تريد أن تكشف للدول الأخرى القدرات التي وصلت إليها التكنولوجيا العسكرية الأميركية، وغيرها من اعتبارات الأمن القومي.

وبعيدا عن الاعتبارات العسكرية والأمنية التي حكمت قرار البنتاغون بالإفراج عن فيديوهات الأجسام الطائرة المجهولة بعد طول تكتم، فإن ثمة مسارا بحثيا تقوده منذ سنوات طويلة مؤسسات علمية في أميركا وأوروبا لتقصي آثار وجود حياةٍ ما خارج كوكب الأرض.

الجهود العلمية
ثمة طريقتان علميتان للبحث عن آثار لحياة ما خارج كوكب الأرض، وهما برامج مراقبة الكواكب والنجوم عبر تلسكوبات تتنوع التكنولوجيا المستخدمة فيها ولكن هدفها واحد، وهو التقاط إشارة أو علامات في الفضاء الخارجي على وجود حياة أخرى. والطريقة الأخرى هي إرسال بعثات غير مأهولة إلى كواكب في النظام الشمسي للأرض مثل المريخ وزحل لاكتشاف علامات على حياة ما.

يقول عالم الفيزياء الفلكية في جامعة سوينبرن للتكنولوجيا بأستراليا داني برايس إن هناك مشاريع رئيسية للبحث عن حياة أخرى خارج كوكب الأرض، أبرزها مشروع يسمى “breakthrough listen”، وهو مبادرة بحثية أسسها رجل الأعمال الروسي جوري ميلنر، وتقوم على استخدام تلسكوب باركسالموجود في أستراليا، وتلسكوب غرين بانكفي الولايات المتحدة، من أجل التقاط الإشارات الآتية من الفضاء، والتي ربما قد ترسلها حضارات بعيدة عن كوكب الأرض.

المشروع بدأ منذ أربع سنوات تقريبا ويستمر لستٍّ أخرى، ورغم جهود العلماء العاملين في هذا المشروع فإنهم لم يعثروا على أي أثر على وجود حياة خارج كوكبنا.

كما ينفذ معهد سيتيالتابع لجامعة كاليفورنيا منذ أكثر من 50 سنة، برامج للتنصت على ما يُبث عبر الفضاء الفسيح عن طريق تلسكوبات راديوية، غير أنه لم يستطع التقاط أي بث قادم من خارج الأرض، وهي مهمة صعبة للغاية بالنظر إلى وجود ما بين 200 إلى 400 مليار نجم في مجرة درب التبانة وحدها.

غلاف الكواكب
ومن الجهود العلمية الساعية للتحري عن وجود آثار حياة خارج الأرض، مشاريع تلسكوبات بصرية بتكنولوجيا متقدمة من أجل دراسة الغلاف الجوي لكواكب خارج المجموعة الشمسية، وذلك لمعرفة الغازات الموجودة فيها وما قد تدل عليه من آثار حياة ما.

هذا البحث عن بصمات حيوية مثل الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها في الكواكب البعيدة، تنكب عليها مؤسسات علمية مرموقة في أميركا وأوروبا، فوكالة ناساأنشأت قبل أكثر من ثلاث سنوات شبكة تسمى نيكسوس لنظام علم الكواكب الخارجيةمن أجل تحديد قابلية العيش في الكواكب البعيدة عن الأرض.

كما لدى المرصد الأوروبي الجنوبي مشروع تلسكوب عملاق يسمى إي أل تييقام في إحدى صحاري تشيلي. ويتوفر التلسكوب على مواصفات تكنولوجية متقدمة لالتقاط صور كواكب صخرية ضمن النطاقات الصالحة للحياة حول بعض النجوم. ومن المتوقع بدء العمل بالتلسكوب عام 2024.

الجدير بالذكر أن التلسكوبات المخصصة لمهمة البحث عن آثار حياة خارج الأرض سواء تلك التي دخلت الخدمة أو التي ستدخلها في السنوات المقبلةتنقسم إلى نوعين: تلسكوبات أرضية مثل تلسكوب سوباروالذي بدأ العمل عام 2014، أو تلسكوب تي أل تي“. وأما النوع الثاني فيضم التلسكوبات المدارية، وهي أصغر حجما من الأولى، وتعمل خارج الغلاف الجوي للأرض، ومنها تلسكوب تي إي أس أسالتي انطلق العمل به قبل عامين، وتلسكوب جيمس ويبالفضائي الذي سيطلق عام 2021.

ولم يعد البحث عن آثار حياة خارج الأرض عن طريق التلسكوبات العملاقة احتكارا غربيا، ففي يناير/كانون الثاني الماضي افتتحت الصين أكبر تلسكوب لاسلكي في العالم، وسيوظف في أبحاث الفضاء والتحري عن حياة خارج كوكب الأرض. ويعادل حجم التلسكوب فاستمساحة 30 ملعبا لكرة القدم، وتفوق حساسيته بأكثر من مرتين ونصف حساسية ثاني أكبر تلسكوب في العالم.

البعثات الفضائية
وأما الطريقة الثانية للتحري عن آثار حياة خارج الأرض فهي إرسال مركبات فضائية غير مأهولة إلى الكواكب والأقمار في نظامنا الشمسي، ومنها المهمات التي أرسلتها وكالة ناساإلى كوكب المريخ، ومنها مسبار كيورويوستيالذي اكتشفت المستشعرات الموجودة على متنه في صيف العام 2019، آثارا لغاز الميثان في مناخ الكوكب الأحمر.

ولكن لا يعرف لحد الساعة إن كان هذا الغاز المكتشف ناتجا عن نشاط لكائنات حية، أم هو فقط تفاعل كيميائي لصخور الكوكب، ويتوقع العلماء أن يكون الغاز المكتشف ناتجا عن ميكروبات مدفونة تحت سطح المريخ.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت وكالة ناساأن باحثيها تمكنوا من تحديد موقع جليد الماء تحت سطح كوكب المريخ. كما تستعد الوكالة الأميركية لإرسال بعثة إلى كوكب زحل بحثا عن آثار حياة فيه.

Sign In

Reset Your Password