بين المغرب ومصر /محمد الأشهب عن جريدة الحياة

كاتب و محلل سياسي

لا علاقة مباشرة بين ما يحدث في مصر وتداعيات الأزمة الحكومية في المغرب. لكن السياسة التي لا تقفز على الحدود وتقيس النبض من أبعد مكان، لا يمكنها أن تحدث الأثر الاستباقي المطلوب لمواجهة ما هو قادم.

وصادف أن عزل الرئيس المصري محمد مرسي لفت مواطن الخلل في تجارب حكم الإسلاميين خلال الفترة الانتقالية لما بعد الربيع العربي. وعلى رغم أن أزمة الحكومة في المغرب سبقت انتفاضة جزء كبير من الشارع المصري، فإن حالات التململ حيال تجارب الإسلاميين في الحكم، كان لا بد أن تنتهي إلى حراك عاصف. وأقرب في الحالة المغربية أن الحكومة فقدت شرعية الغالبية، من دون أن تفقد زخم المعالجة في إطار سياسي يحتكم إلى دستور تموز (يوليو) 2011 .

وبينما يتشعب الجدل في الشارع المصري حول مفهوم الشرعية وطرائق تدبير ما بعد فقدان الثقة، انكفأ المغاربة على استخلاص اجتهاد قانوني وسياسي من رحم المرجعية الدستورية، واستقر الأمر على البحث في سبل تأمين الغالبية أو الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة.
لأن أكثر الاستقراءات تفيد بأن الخريطة الحزبية لن يطرأ عليها تغيير كبير، أقله وفق معطيات اقتراعات جزئية سابقة، يصبح الاتجاه نحو تدبير العلاقة بين مكونات الغالبية المحتمل تشكيلها بعد انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة خياراً لا بديل منه.

وإذ يعلن «العدالة والتنمية» الإسلامي الحاكم أنه لا يمانع في الانفتاح على أي شريك سياسي، بما في ذلك الخصوم الذين كان يبادلهم عداء مستحكماً ومتبادلاً، فإنه إنما يترجم أبجديات الدرس الأول، على طريق الإفادة من التجربة المصرية.
هكذا موقف لم يكن وارداً، لولا أن الحزب الإسلامي حشر في الزاوية ووجد نفسه أمام حتمية الاختيار بين السيء والأسوأ. غير أن القياس حين يتجاوز موقف الحزب إلى الرغبة في إنجاح التجربة برمتها، ينتفي الكثير من الحساسيات الحزبية، وليس أكثر من الأزمات المستعصية ما يدفع إلى معاودة التفكير وتغيير المواقف القابلة للتطور وعدم الإذعان لمنطق الجمود. ففي النهاية ليس مطلوباً من رئيس الحكومة المغربية أن يضمن غالبية نيابية بأي ثمن، ولكن مجرد الإيحاء بأنه لا يستثني أي فصيل حزبي من احتمالات الالتحاق بركب حكومته، متى توافرت الشروط الموضوعية لذلك، يعني أنه قطع شوطاً كبيراً في الانفتاح.
الربيع العربي أعاد لمفهوم الحزب أو الجماعة الإسلامية نوعاً من البريق، وكما أفاد «العدالة والتنمية» المغربي من ذلك الزخم الذي حمله إلى الواجهة، على رغم أنه لم ينزل إلى الشارع، وأبقى على مسافة حيال حركة 20 فبراير الاحتجاجية. فإنه قد يكون في طريقه إلى استيعاب مكامن الخلل في تجارب نظرائه من الأحزاب الإسلامية. بخاصة أن معطيات تحولات المشهد المغربي اتسمت بقدر أكبر من المرونة والإصغاء إلى إيقاع حركة الشارع الغاضبة. وبالتالي، فإن الصيغة التي كرست الاستثناء السابق، عبر تنفيذ إصلاحات في إطار استمرارية الدولة وتثبيت الاستقرار، في إمكانها أن تتكرر من خلال طبعة تجاوز الأزمة الحكومية في بدايتها.
يعرف «العدالة والتنمية» أن مغامرة بهذا المعنى، وإن كانت محسوبة بميزان البراغماتية، ستخدش جانباً من صورته، يوم كان يلوح بالخطوط الحمراء في كل اتجاه. ويعرف بعض خصومه المدعوين إلى إنقاذ الائتلاف الحكومي من الانهيار أن الأزمة وحدها دفعته إلى التسلح بثقافة النسيان، لكن نصف خسارة أفضل من انهيار البيت الحكومي على رؤوس الجميع.

ومن الآن لم يعد السؤال المطروح يطاول ماذا سيفعل الحزب الحاكم من أجل ضمان غالبية نيابية تساعده على إنهاء الولاية الاشتراعية. ولكن ماذا ستفعل المعارضة في مواجهة المشكل؟ ولعل أقرب جواب يكمن في مد جسور التفاهم بين الحزبين الرئيسين الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، إن على صعيد إبرام تحالف جديد أو إحياء خطوات التنسيق. ومن تداعيات الأزمة الحكومية أن نفخت الروح في تحالف المعارضة، وقد يصبح التموقع الوارد بين الانتساب إلى الحكومة أو المعارضة مفعولاً سحرياً في إقامة أقطاب سياسية ستفرض نفسها بقوة الأمر الواقع.

Sign In

Reset Your Password