شكل خطاب أجدير الذي ألقاه العاهل المغربي الملك محمد السادس في تشرين الأول/أكتوبر2001 أحد معاقل الأمازيغية في المغرب، محطة مفصلية حاسمة في تاريخ الثقافة والهوية الأمازيغية في المغرب. فالخطاب كان بمثابة الحجر الأساسي للشروع رسميا في النهوض بالثقافة الأمازيغية واعتبارها مسؤولية جماعية لكل المغاربة، وورقة الطريق الأولى لأجل تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كأول مؤسسة مغربية أنيطت بها رسميا مهام العناية بالثقافة واللغة الأمازيغية، كما اعتبر المعهد لبنة أساسية لثورة من المكتسبات تحققت لاحقا أهمها على الإطلاق دستور 2011 الذي أقر رسميا الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد إلى جانب العربية.
وراء هذه المنجزات وقفت حركة أمازيغية مدنية ورجال فكر ومناضلون ارتبطت اسماءهم بخدمة القضية الأمازيغية، من ضمن هذه الأسماء أحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي التقته «القدس العربي» في هذا الحوار:
○ 15 سنة مرت على تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية و4 سنوات على إقرار الأمازيغية رسميا في الدستور كهوية مغربية ورسمية إلى جانب العربية، ما الحصيلة عمليا وممارسة؟
• حصيلة المعهد نعتبرها إيجابية جدا مقارنة مع الأوضاع التي كانت تعيشها الثقافة واللغة الأمازيغية في مجالات عدة كالتعليم والإعلام. وعلى المستوى المجتمعي يمكننا القول قبل2001 كانت الأمازيغية شبه تابو في المغرب. والحديث عنها كان صعبا بل ويؤدي أحيانا إلى ما لا تحمد عقباه كالاعتقال مثلا، لكن إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة منوط بها رسميا النهوض بالثقافة الأمازيغية كان إقرارا بوجود اللغة الأمازيغية وبشرعية الثقافة الأمازيعية وهذا مكسب مهم جدا، على مستوى البحث العلمي مثلا لم نكن نتوفر على مؤسسات خاصة تعنى بمجالات الإبداع أو التاريخ أو السوسيولوجيا وغير ذلك. الآن صار كل هذا متوفرا، على مستوى التعليم صارت الأمازيغية تدرس رسميا منذ 2003 في مستويات التعليم الابتدائي، نعتقد أنه تحققت أشياء كثيرة لم نكن لنعثر عليها في السابق كأن يكون هناك مثلا كتاب لتعلم اللغة الأمازيغية. قبل إحداث المعهد كانت هناك فقط كراسات قام بإعدادها بعض الضباط الفرنسيين الذين كانوا يدرسون اللغة الأمازيغية لفائدة أطر الإدارة الفرنسية زمن الاستعمار. اليوم هناك دليل للمدرس وكتاب التلميذ لكل مراحل التعليم الابتدائي بل وهناك مجموعة مراجع أساسية كالمعاجم والقواميس وهذه أدوات هامة لعملية التدريس. وإعلاميا قبل إحداث المعهد كانت هناك إذاعة جهوية بصيت محدود جدا وظروف اشتغال صحافييها ومذيعيها قاسية جدا ومعروف أنهم كانوا يشتغلون في الطابق تحت الأرضي، انتظرنا حتى سنة 1994 حين ظهرت نشرة إخبارية أمازيغية من 5 دقائق بعد خطاب الملك الراحل الحسن الثاني ، لكن بعد إحداث المعهد واتفاقيات الشراكة مع وزارة الاتصال والإعلام دخلت الأمازيغية للقنوات الأولى والثانية ولباقي القنوات وفي 2010 أحدثت قناة خاصة بالأمازيغية وكانت هذه ثورة حقيقية في مجال الإعلام الأمازيغي. وفي إطار الحصيلة أيضا هناك مستوى آخر أعتبره أساسيا وهو الاعتزاز بالهوية الأمازيغية وهذا مكسب أساسي ومحدد لكل ما سبق . كان الكثير من المغاربة يتحاشون التصريح بأنهم أمازيغ أو يتحدثون باللغة الأمازيغية، الآن كل من تحدثه يخبرك على الأقل بوجود فرع أو أصل أمازيغي في عائلته، صار هناك إفتخار واعتزاز بالهوية الأمازيغية.
○ ورد في دستور 2011 إنشاء المجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية كمؤسسة جديدة ستوكل لها مهام العناية باللغات والثقافة، هل من تداخل في الصلاحيات بينه وبين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؟
• هذه المؤسسة وللتذكير فقط هي لم تحدث بعد، ما زال النقاش قائما حول النص التنظيمي المتعلق بإحداثها، ومهمتها الأولى ستكون حماية اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية. وأركز جدا على كلمة حماية لأنها أمر ضروري وهام إذا كانت الدولة من ستضمنها فهو مكسب مهم. أما مهمة المجلس الثانية فهي تنمية اللغات. العربية تحتاج إلى تنمية لأنها تعاني أيضا فمعجمها فقير فيما يتعلق بمجال التكنولوجيا الحديثة. ولا تستعمل في القطاعات الحديثة مثل المرافق العمومية والمجالات الاقتصادية كالبنوك. ففي أي مؤسسة كيفما كان حجمها تجد أن لغة الاستعمال اليومي هي الفرنسية التي هي أيضا لغة مقابلات العمل في مجالات القطاع الخاص وهذا أمر غير قانوني لأن لغة البلاد الرسمية هي العربية. والآن انضافت دستوريا اللغة الأمازيغية. أما هل هناك تضارب أو تداخل في صلاحياته مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية فهذا أمر غير صحيح لأن المجلس الوطني للغات والثقافة ستكون مهمته التنسيق بين المؤسسات التي سيضمها هذا المجلس وهي أكاديمية محمد السادس للغة العربية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وقد تنضاف مؤسسات أخرى لاحقا. بمعنى أن أكاديمية اللغة العربية ستكلف بتنميط اللغة العربية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سيستمر في مهامه المتجلية في النهوض بالأمازيغية وتأهيلها والقيام بأبحاث في التعابير اللغوية المختلفة في كل المجالات وإنجاز قواميس ومعاجم متخصصة وما إلى ذلك من التخصصات. لهذا سيحفتظ المعهد بكافة صلاحياته على أن تصير للمجلس صلاحيات التنسيق بين المؤسسات في إطار من التكامل والتعاون. ولكل مؤسسة استقلالية إدارية ومالية.
○ أربع سنوات على إقرار الأمازيغية رسميا في الدستور ولا تزال القوانين التنظيمية المفسرة للتنصيص الدستوري تراوح مكانها. هناك من جهة حديث عن تأخر ومن جهة أخرى حديث حول الحاجة إلى وقت كاف بالنظر لإعتماد مقاربة تشاركية مع الجهات المعنية؟
• بالفعل الفصل الخامس من الدستور يتحدث عن قانونين تنظيميين، الأول يخص تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بمعنى تحديد مجالات استعمالها والآخر يتعلق بإحداث المجلس الوطني للغات وللثقافة المغربية. بالعودة لبرنامج حكومة عبد الإله بن كيران لعام 2012 نجد فقرة تهم هذين القانونين التنظيميين تشير إلى المؤسسة التي ستتكلف بصياغة المشروعين وتقول أنه ستتم استشارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أثناء إعداد القوانين. إلا أنه إلى الآن لم تر هذه القوانين النور بعد، لكن تم تعيين لجنة ملكية لأجل قانون مجلس اللغات وهي منكبة الآن على إعداد المشروع الأولي لهذا القانون. لكن بخصوص قانون تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ليس هناك بعد إطار يجمع كل هذه المقترحات وينظر فيها ويصوغ مشروعا كي يكون على السلطة التنفيذية وغرفتي البرلمان إتمام الأمر كي نحصل على إطار قانوني متكامل. وهذا ضروري جدا لأنه مع نهاية 2016 يجب صدور هذين القانونين.
○ على ضوء هذا التأخر كيف تقيم تعامل حكومة بن كيران في التعامل مع المسألة الأمازيغية. خصوصا أن هناك حديثا وشكاوى عن تراجعات حصلت في التعاطي مع القضية الأمازيغية في ظل حكومة العدالة والتنمية؟
• في بلد ديمقراطي مؤسس على دستور تبناه الشعب وحكومة جاءت بتصويت نزيه وعلى أساس دستوري محض إذن هذه الحكومة ملزمة بتطبيق الدستور قانونيا ودستوريا وديمقراطيا وأخلاقيا بالضرورة، لكن طبعا ليست كل الأحزاب ولا الحكومة ولا المعارضة هي متقبلة للأمازيغية، وليست كلها قبل دسترة الأمازيغية كانت متفقة على أن تكون الأمازيغية لغة رسمية، نحن نعرف أن حزب العدالة والتنمية لم يكن موافقا على أن تكون الأمازيغية لغة رسمية وأيضا اأحزاب لاستقلال والإتحاد الاشتراكي ومجموعة أخرى من التنظيمات والأحزاب يمينا ووسطا ويسارا. لكن الآن رئيس الحكومة مجبر قانونيا ودستوريا على تفعيل الفصل الخامس من الدستور وهذه هي الديمقراطية.
○ لا تزال بعض الإنتقادات تتعلق بقضايا مثل منع تسمية المواليد الجدد ببعض الأسماء الأمازيغية وتعثر عملية تدريس اللغة الأمازيغية وعدم الاستجابة لمطلب جعل رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية في المغرب، هل مثل هذه القرارات تحتاج انتظار تنزيل نصوص الدستور التنظيمية؟
• لا تحتاج ذلك فهذه من البديهيات، فأن تختار عائلة تسمية مولودها باسم أمازيغي هو من أبسط الحقوق الإنسانية، صحيح كان هذا الأمر يمنع في وقت ما لكن حاليا حسب تصريحات وزارة الداخلية واللجنة الوطنية للحالة المدنية لم تسجل حالات منع في هذا الاتجاه منذ مدة، كانت هناك لائحة أسماء ممنوعة أيام وزير الداخلية السابق إدريس البصري رحمه الله لكنها ألغيت، كانت تعطى تعليمات للمسؤولين عن مكاتب الحالة المدنية برفض بعض الأسماء لكن الأمر لم يعد واردا الآن. والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حضر إحدى جلسات عمل اللجنة الوطنية للحالة المدنية وقدم ترافعا من أجل الإسم الأمازيغي وأعطى كراسة تضم أسماء أمازيغية وهي تعتمد حاليا. قد تكون هناك حالات استثنائية لكن إجمالا لم يعد المنع واردا، أما فيما يخص تدريس الأمازيغية فنحن نعتبره مكسبا لكن هذا لا يعني أن هناك تعميما في تدريس هذه اللغة، رسميا هناك حوالي 500 ألف تلميذ يدرسون الأمازيغية وحوالي 4000 مدرس في هذه اللغة وهناك عدد قليل حوالي 20 مراقبا تربويا، صحيح أن هذه أعداد قليلة مقارنة بمرور 15 سنة على تأسيس المعهد وهذه تعثرات حقيقية لا ننكرها، المعيق الأول هو المورد البشري وقلة الأساتذة وأطر التدريس وهذا راجع كون وزارة التربية الوطنية لا تمنح ما يكفي من موارد مالية تمكننا من توظيف معلمين جدد وهذه معضلتنا الرئيسية في مجال تدريس اللغة الأمازيغية.
○ ماذا عن اعتماد حرف «تيفيناغ» هل ساعد في تدريس اللغة خصوصا وأن خبراء في اللغة قالوا أنه ربما لو استعمل الحرف العربي أو اللاتيني في كتابة الأمازيغية لساعد على تدريسها على نطاق أوسع؟
• تدرس الأمازيغية بهذا الحرف الذي تمت الموافقة عليه من الملك حيث قام آنذاك باستدعاء ممثلين عن الأحزاب السياسية وعن أهم التنظيمات النقابية ولم يعارض أحد الأمر، وهذا الحرف ليس عشوائيا بل معتمد دوليا. والقول بأن اعتماد الحرف العربي أو اللاتيني كان أفضل هو رأي نحترمه لكن ينبغي توضيح أمور مهمة جدا في هذا الإطار، نحن نتوفر في المعهد على خبراء وأكاديميين في اللغة الأمازيغية وأيضا أخصائيين في مجال اللسانيات، وقبل أن نعتمد «تيفيناغ» قمنا بدراسة تقنية علمية أكاديمية ورأينا مدى ملاءمة الحرف العربي واللاتيني لكتابة الأمازيغية وقارنا ذلك بحروف «تيفيناغ» وخلصنا إلى أن استعمال الحرف العربي لكتابة الأمازيغية سيطرح مشاكل عويصة منها مثلا «الحركات» ضمة وكسرة وفتحة مثلا وهذا لن يستقيم مع خصوصية الأمازيغية، بل حتى العربية نفسها لديها مشكل في قضية الحركات لأنك عربيا تحتاج أن تفهم الجملة قبل أن تنطقها، «كتب» مثلا عليك أن تحدد فهمك لها هل هي «كَتَبَ» أم «كُتُبٌ» أم «كُتبَ» فالفهم يسبق تحديد طريقة النقط. لكن «تيفيناغ» لا تطرح هذا المشكل في اللغة الأمازيغية وهي بالتالي ستسهل الفهم والنطق والتدريس أكثر. ثم إن الكتابة العربية نفسها تحتاج إلى إصلاح وعناية فالكثير مثلا لديه مشكل مع «الهمزة». أما الحرف اللاتيني فهو أيضا يطرح مشاكل كبيرة جدا في اللغة الأمازيغية فمثلا الأخ يقال له أمازيغيا «أوغما» أو «أوما» يصعب جدا لاتينيا كتابة «أوغ» بطريقة نطقها الأمازيغية «المفخمة» ليس هناك حرف لاتيني يعبر عنها بشكل صحيح، مثال آخر في كلمة «أزاليم» وتعني «البصل» والزاء هنا مفخمة جدا فلن تجد ما يشبهها في الحرف اللاتيني، وهنا حسب خبراء اللغة واللسانيات صرت في حاجة إلى إضافة رمز جديد. إذن الدراسة المعمقة التي قمنا بها أفضت في النهاية إلى أن «تيفيناغ» أفضل وأنسب طريقة على الإطلاق لتدوين الأمازيغية وهي أساسا حروفية اللغة الأصلية، ومن ينتقد حروف «تيفيناغ» هم في الأغلب كبار السن وراشدون مستأنسون في الأصل بالحرف العربي أو اللاتيني لهذا يطلبون كتابة الأمازيغية به، لكن الأطفال في المدارس لا يجدون إشكالا في «تيفيناغ» بل يجدونها سهلة جدا ومناسبة وهناك دراسات توضح أن الوقت الذي يستغرقه التلميذ في التمكن من حرف «تيفيناغ» أقل بكثير من التمكن من الحرف اللاتيني أو العربي لتعلم العربية أو الفرنسية، لهذا أعتبر أن خلفية نقد «تيفيناغ» إيديولوجية صرفة، أؤكد أن تعلم حروف تيفيناغ لا يتطلب الكثير من الوقت ربما 15 دقيقة يوميا لمدة أسبوع فقط قد يتعلم المرء الحروف وتوجد الآن بوفرة كتب وكراسات وأقراص تساعد على التعلم.
○ في إطار الحديث عن القضية اللغوية في المغرب، هناك نقاش يطرح باستمرار حول الشد والجذب بين دعاة الفرانكفونية والتعريب و»تدريج» من «الدارجة المغربية» للإعلام والإعلانات والتعليم ما هو موقفكم وأين الأمازيغية من هذا النقاش؟
• نحن واعون جدا بضرورة التمكن من اللغة الأم التي بها اكتشف المرء العالم، ثم من لغة المحيط التي هي «العربية» في المغرب وهي لغة الدين ولغة ثقافة وحضارة عميقة وقوية، والتمكن منها ضرورة لأجل التفاعل مع المحيط ولكن التمكن من اللغة الأم ومن الفصحى هو أيضا لا يكفي لأننا صرنا في قرية كونية. في رأيي فأن أي باحث أو طالب يحتاج إلى الانفتاح على مراجع وكتب الكثير منها لم تتم ترجمتها إلى العربية وإلى الأمازيغية، لذا فأن عدم التمكن من الفرنسية والانكليزية يجعل المرء طالبا بسيطا وباحثا من الدرجة الثانية، ما قد ينتجه من أفكار هو متجاوز وسطحي في الفلسفة أو الرياضيات أو العلوم السياسية وغير ذلك، إذن لابد من استحضار هذه الحقائق وتجنب الخطاب الايديولوجي الذي يتحدث سلبا عن الفرنسية ويتهمها بالاستلاب وأنها ليست في صالح البلد، لأن الكثير ممن يقول هذا الكلام يسعى بكل الطرق إلى تلقين أولاده اللغة الفرنسية في مدارس خاصة، ومن تسمح أوضاعه المادية ينقل أبنائه إلى الخارج لاكتساب اللغة ولتكوين بيداغوجي ملائم يستجيب لحاجيات سوق الشغل، هذا إكراه أما المعالجة السياسية الايديولوجية فهي لا تغني ولا تسمن من جوع بل تنطوي على تمويه وبصراحة على «شعبوية» من وجهة نظري.
○ لكن البعض يقول أن دعاوي»التدريج» هي تمهيد لخنق العربية لأجل فرض أكثر للفرنسية، أين هي الأمازيغية التي لا تزال في أول خطوات فرض ذاتها من صراع العربية والفرنسية والدارجة في المغرب؟
• الأمازيغية الآن أضحت مكانتها واضحة في السوق اللغوية وعلى مستوى مؤسسات التربية والتكوين ومعترف بها رسميا، بل صارت لها مكانة مرموقة إلى حد ما في الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين موجودة في الإعلام وهناك كم لا بأس به من الإصدارات في مجالات الأدب والفنون إذن فلا مشاكل تواجهها، يبقى أنه ينبغي توفير الشروط الملائمة لتعميم تدريسها. أما «الدارجة المغربية» فهي تتفرع عن العربية بل هي فروع وأغصان. هناك دارجة الرباط والبيضاء وفاس ومدن شمال المغرب ثم الحسانية في الصحراء لذا لا يمكن أن نقول عنها كلاما من قبيل أنها تخلق الفوضى في السوق اللغوية في المغرب فهذا تبخيس للكثير من الناس الذين تعتبر الدارجة لغتهم الأولى ولها حقوق ينبغي أن تحترم.
○ هناك تيار يقول أن المطلب الأمازيغي في المغرب كان دائما ثقافيا ولم يتحول إلى مطلب سياسي نظرا للانصهار المطلق بين المكونين العربي والأمازيغي؟
• لا أعتقد بذلك، فمطالب المجتمع المدني والحركات الأمازيغية كانت حقوقية لغوية وثقافية لكن حين لا تتم الاستجابة لهكذا مطالب فالأمر يأخذ أبعادا أخرى من ضمنها البعد السياسي، فترسيم الأمازيغة الآن هو مطلب سياسي، لكن هل هو مطلب ينطوي على قذف ما في الوحدة الوطنية أو الترابية، أبدا ليس ذلك، الأمر لا يمس مطلقا التلاحم الوطني .
○ ما رأيكم في الجدل الذي أثارته نتيجة إحصاء السكان الأخيرة حول عدد الناطقين بالأمازيغية في حوالي 26 في المئة، ما أشعل غضب ناشطين أمازيغ كون الرقم قليل جدا؟
• هناك ملاحظات حول الجانب المنهجي في صياغة استمارة الإحصاء وفي تدبير معطيات النتيجة المستخرجة من الاستمارات، لأن هذه الأرقام والإحصائيات والنسب تم استخراجها على أساس عينة 2 في المئة، والأخصائيون يقولون أن عينة 2 في المئة من إجمالي السكان التي منها يتم استخراج خلاصات وأرقام ونسب هي عينة غير كافية، ثم الملاحظة الثانية تتعلق بشكل الاستمارة التي تم فيها تداول واقع الأمازيغية بصيغة غير ملائمة، لأنه في الاستمارات الدولية المتعلقة باللغة تبدأ بسؤال بسيط حول ما هي لغتك الأولى؟ أو ما هي اللغة الأم لديك؟ لكن استمارة المندوبية السامية للإحصاء لم تكن بهذا الشكل بل طرحت سؤالا هل تكتب الأمازيغية؟ وبأي حرف تكتبها؟ وغير ذلك من التفاصيل والجزئيات المحلية والجهوية، إذن بناء على هاتين الملاحظتين بعض الملاحظين استنتجوا أن النسبة التي تم التصريح بها تبتعد إلى حد ما عن الواقع.
○ داخل الأمازيغية توجد «أمازيغيات» ولهجات تختلف عن بعضها البعض «تريفيت» مثلا أو «تشلحيت» كان هناك حديث في وقت ما عن تقريب هذه اللهجات تسهيلا لتلقين وتدريس اللغة؟
• اللهجات داخل اللغة الأمازيغية في المغرب والجزائر مثلا تمت دراستها بشكل مستوفي على يد أخصائيين في مجال اللغويات، فلهجات الشمال «تريفيت» قام بدراستها أخصائيون إسبان وفي الأطلس المتوسط هناك عدد كبير من كتب النحو وبعض المعاجم والكثير من النصوص والأدب الشفهي كل هذا تم تدوينه، الشيء نفسه حدث لـ «تشلحيت» في منطقة سوس، فهناك ما يكفي من الدراسات حول اللهجات المختلفة كي نقول أن هناك اهتماما كبيرا بهذا الموضوع، وابتداء من سبعينيات القرن الماضي برزت نخبة من الباحثين في المغرب والجزائر تخصصوا في لغويات الأمازيغية، وأعدوا طروحات في لهجات مختلف المناطق في المغرب، وهذا الأمر يشبه «الدارجات» داخل اللغة العربية، فلهجة أهل فاس ووجدة والرباط مثلا أعدت حولها دراسات وأبحاث. في الأمرغنى ثقافي وهناك غزارة إنتاج في هذا الجانب.
○ إقليميا بما أنكم تفضلون مصطلح «المغرب الكبير» بدل «المغرب العربي» هل تراقبون تطورات واقع الأمازيغية في البلدان المجاورة؟
• بالطبع نفعل ذلك والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لديه علاقات طيبة مع الأساتذة والباحثين في الجزائر والجامعات التي تتوفر على شعب للدراسات اللغوية والأدبية والفنية المتعلقة بلهجات الجزائر ولدينا أيضا علاقات مع باحثين في جامعات أوروبية وهذه العلاقات تمكننا من معرفة أوضاع البحث في مجال اللغة الأمازيغية، وهناك تقاسم وتبادل للنتائج التي نتوصل بها مع تلك التي يتوصل إليها إخواننا في الجزائر وهذا يمكننا من تجاوز عراقيل معينة عبر الاستفادة من تجارب بعضنا. في ليبيا أيضا بعد فترة القذافي برزت نخبة تهتم بالموضوع ومنهم من يزور المعهد ويطلع على تجاربنا في التعليم والتدريس وتقعيد اللغة وتنميطها ومراحل إعداد الكتاب المدرسي، فصارت هناك شبكة مهمة من الباحثين المشتغلين في حقل الأمازيغية.
○ أقدمت الجزائر منذ فترة قريبة على دسترة الأمازيغية أيضا، هل لأي تطور في وضع الأمازيغية في البلدان المجاورة وقع على المغرب والعكس أيضا؟
• نعم، لأنه بالنسبة لنا هذه البلاد الشاسعة تعتبر تاريخيا لغتها الأولى هي الأمازيغية ونسميها بلاد «تامزغا» طبعا هناك اختلافات على مستوى النطق «تاقبايليت» مثلا في الجزائر أو «تريفيت» في شمال المغرب لكنها اختلافات تمس فقط البنيات الفوقية والسطحية للغة، أما البنيات العميقة فهي مشتركة وموحدة. لهذا أي مكسب يتحقق في بلد من بلدان «تامزغا» هو مكسب للأمازيغية كلغة وكثقافة.
○ يتم دائما الربط بين الأمازيغية والتطبيع مع إسرائيل. وكثيرا ما يشار للنشطاء الأمازيغ بعدم التعاطف مع القضية الفلسطينية مقابل التعاطف مع الأكراد مثلا. وهناك أسماء تصرح وتفخر بالسفر إلى إسرائيل بل وتتحدث عن حق الكيان المحتل في التواجد؟ لماذا؟
• هذا الأمر يخص أقلية محدودة جدا من النشطاء الأمازيغ، أما عامة الأمازيغ فهم بالتأكيد مع شرعية القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يعيش محنة وحقوقه مهضومة ومن ضمن هذه الحقوق هناك حقوق لغوية وثقافية إلى جانب ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي، فنحن نقتسم الهم اللغوي والثقافي مع الفلسطينيين، لهذا أغلبية نشطاء الأمازيغية متضامنون مع فلسطين كليا فلا يجب التعميم. نحن نجد أشياء كهذه على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أساسه نعمم عنوانا مثل أن الأمازيغ ضد الشعب الفلسطيني، هذا بالنسبة لي أمر خطير جدا وينبني على مغالطات، يزورنا كثيرا فلسطينيون مكلفون بالشأن الثقافي في فلسطين بل أن شعراء فلسطين يعتبرون نموذجا للشعراء الأمازيغ على المستوى الإبداع الفني والأدبي، نحن نعتقد أن هذه فقط طريقة يستعملها بين الفينة والأخرى بعض الرافضين للقضية الأمازيغية لأجل سحب التعاطف معها عبر محاولات ربطها بالعداء للقضية الفلسطينية. وهذا غير صحيح بالمرة.