بعد منع البلاد من حرب أهلية بسبب فلويد ، الجيش الأمريكي يتدخل لتجنيب البلاد حربا مع الصين بسبب بيلوسي

صورة تجسد مواجهة أمريكية-صينية

وجه الجيش الأمريكي رسالة تحذير الى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بضرورة التراجع عن زيارة جزيرة تايوان في هذه الفترة الحرجة من العلاقات الدولية، وذلك في تنبيه للانعكاسات العسكرية التي قد تحملها الزيارة. وهذه المرة الثانية التي يتدخل فيها الجيش الأمريكي علانية خلال السنتين الأخيرتين في عمل المؤسسات الدستورية بعد تدخله الشهير ضد الرئيس السابق دونالد ترامب عندما أراد إنزال الجنود الى الشارع في تظاهرات مقتل جورج فلويد.

ومنذ إعلان رئيسة مجلس النواب زيارة جزيرة تايوان التي تطالب الصين بالسيادة عليها، والبيت الأبيض يحاول إقناعها بالتراجع. ولم يتردد الرئيس جو بايدن برفع ورقة المؤسسة العسكرية عندما صرح الأسبوع الماضي أن زيارة بيلوسي الى تايوان “ليست فكرة جيدة” في نظر الجيش الأمريكي.

ويعد تصريح بايدن ربما من أخطر التصريحات التي صدرت عنه منذ توليه الرئاسة، فهو لم يستعمل مصطلح “البنتاغون” بل استعمل الجيش الأمريكي، ذلك أن البنتاغون يرأسه وزير الدفاع الذي يحمل صفة سياسي وإن كان له ماض عسكري مثل وزير الدفاع الحالي لويد أوستن، بينما الحديث عن الجيش الأمريكي فيحيل مباشرة على القيادات العسكرية في الميدان بشعبها الست وخاصة الأربع القوية منها وهي سلاح الجو ثم القوات البرية والقوات البحرية علاوة على المارينز.

والحديث عن موقف للجيش يتجاوز التقدير السياسي لوزير الدفاع والبيت الأبيض الى التقدير العسكري الواقعي الميداني، حيث يرى الجيش الوضع بعيون مختلفة وينجز تقييمه استنادا الى: هل سيؤدي حدث ما، مثل زيارة بيلوسي الى تايوان الى رد صيني عسكري؟ ثم هل الولايات المتحدة التي رفعت شعار الدفاع عن تايوان طيلة عقود ضد أي تدخل عسكري لبكين قادرة على تنفيذ التزامها الحربي وخوض حرب جديدة ضد العملاق الصيني؟ ماذا سيحدث لنفوذ الولايات المتحدة إذا لم تستطع الدفاع عن تايوان؟

يأتي موقف الجيش العسكري بعد تقييم حقيقي للأوضاع تبين لها كيف ستضع الولايات المتحدة نفسها في وضع ضعف خطيرة. إذ تشير الدراسات العسكرية الأمريكية والدولية باستحالة دفاع الولايات المتحدة عن التايوان عسكريا، وتنسب هذا الى التقدم العسكري الكبير الذي حققته الصين خلال العشر سنوات الأخيرة سواء في سلاح البحرية أو الجو أو الصواريخ فرط صوتية التي تتفوق فيها على الولايات المتحدة بسنوات. ويضاف الى هذا إشكالية الدعم اللوجيستي، فالقرب الجغرافي لمنطقة النزاع بين الصين وتايوان يلعب لصالح بكين، في حين لن تقوى الولايات المتحدة على نقل كل قواتها الى شرق آسيا لاسيما في الظروف الحالية حيث تجري الحرب الروسية ضد أوكرانيا وهي مرشحة للانتقال الى أوروبا، وعلى البنتاغون الحفاظ على قوات عسكرية أمريكية كافية في القارة الأوروبية.

وكان البنتاغون قد تبنى ابتداء من 2011 ضرورة نقل الثقل العسكري الى شرق آسيا. ولم يجد البنتاغون حتى الآن الصيغة المناسبة لاحتواء الصين عسكريا ودبلوماسيا لاسيما وأنه بدأ الانتشار في شرق آسيا بشكل متأخر رغم القواعد العسكرية التي تعود الى عقود في اليابان وكوريا الجنوبية.

ويؤكد تدخل الجيش الأمريكي وإعرابه عن موقف مضاد لزيارة بيلوسي تخوفه من استغلال الصين هذه الجولة لتقوم بغزو جزيرة تايوان وتفرض أمر الواقع، مما قد يدخل العالم في منعطف غير مرتقب. في الوقت ذاته، يمكن للصين أن تفرض حظرا جويا على تايوان بكل ما قد يحمله من انعكاسات ومنها منع نزول طائرة بيلوسي.

وكشفت صحيفة “فاينانشيال تايمز” منذ أيام أن الصين حذرت الولايات المتحدة من أنها لا تستبعد اتخاذ إجراء عسكري ردا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، القادمة إلى تايوان. ومن جانبها، كتبت جريدة “غلوبال تايمز” الصينية التي تعد مرآة بكين الدولية أن “زيارة بيلوسي قد تسرع من مواجهة عسكرية أمريكية-صينية”.

خطورة الأوضاع هي التي دفعت بالجيش الأمريكي الى التدخل للتنبيه للعواقب التي قد تترتب عن زيارة بيلوسي ولن تصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. وهذه هي المرة الثانية في ظرف سنتين، يقوم الجيش الأمريكي بتنبيه البيت الأبيض والسياسيين. وكانت المرة الأولى عندما انتفض عدد من قادة الجيش وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي خلال يونيو 2020 عندما أراد الرئيس ترامب استعمال الجيش للقضاء على التظاهرات التي أعقبت مقتل جورج فلويد خلال مايو من السنة نفسها على يد الشرطة في مينيسوتا. وقتها اعتبر الجيش الرئيس خطرا على البلاد لأنه يسبب في التفرقة.، وطلب مارك ميلي من حكام الولايات عدم استدعاء الجيش وخاصة الحرس الوطني وعدم الامتثال لتعليمات الرئيس في هذا الشأن.

وتوجد سابقة أخرى مشابهة سنة 2006 ولكنها لم تخلف الكثير من الضجيج، عندما رفضت مختلف الهيئات الاستخباراتية ومنها العسكرية أساسا بدعم من باقي شعب الجيش الاعداد لحرب ضد إيران كما طالب الرئيس جورج بوش الابن ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد. وكان جون بولتون الذي كان سنة 2006 سفيرا لواشنطن في الأمم المتحدة قد كتب سنوات لاحقة في كتابه “الاستسلام ليس حلا” أن الجيش نفذ انقلابا ضد الرئيس بوش الإبن بعدما تلاعب بتقارير لكي يتجنب شن الحرب ضد إيران. وكان الجيش وقتها يعتقد في استحالة تحقيق فوز على إيران من طرف جيش خرج للتو من غزو العراق.

Sign In

Reset Your Password