بعد فضيحة غالفان، الخسائر الاستراتيجية للملك محمد السادس من زيارة الملك خوان كارلوس

الملك محمد السادس في مأدبة فطور رمضاني مع نظيره الإسباني خوان كارلوس، من الفائز ومن الخاسر في الزيارة!

ترتب عن زيارة ملك اسبانيا خوان كارلوس الى المغرب تداعيات سلبية أبرز عناوينها فضيحة البيدوفيلي دنييل غالفان الذي تسبب في أكبر هزة سياسية واجتماعية في المغرب. لكن هذه الزيارة حملت في الوقت نفسه ما يمكن اعتباره خسائر استراتيجية للمغرب والتي لم يتم الانتباه إليها وإن كانت قد تمت بقبول من المؤسسة الملكية ومحيطها.

وأبرز عناوين هذه الزيارة هو انفجار فضيحة دنييل غالفان، والمسؤولية مشتركة بين المغرب واسبانيا، إلا أن الحكومة الإسبانية، وكما تبرز جريدة الباييس في افتتاحيتها اليوم الأربعاء، تعاملت بنوع من التهرب من المسؤولية بعدما تسترت على أن السفارة الإسبانية في الرباط هي التي تقدمت باللائحتين، لائحة العفو ولائحة نقل سجناء اسبان الى السجون الإسبانية.

صمت دبلوماسية مدريد في وقت تعرض فيه ملك المغرب محمد السادس للمساءلة بشكل لم يسبق له مثيل منذ وصوله الى العرش، يطرح الكثير من التساؤلات حول مفهوم التضامن لدى الإسبان مع المؤسسة الملكية المغربية. كان الهم الرئيسي لحكومة ماريانو راخوي هو عدم تضرر صورة خوان كارلوس، لكنها لم تكشف عن الحقيقة وتركت صورة الملك محمد السادس تتضرر.

والى جانب فضيحة غالفان، تبقى الخسارة الحقيقة ذات البعد الاستراتيجي هو ملف الصحراء، إذ أن البيان الختامي المشترك للزيارة الملكية لم يشر نهائيا الى مقترح الحكم الذاتي. في هذا الصدد، رفضت اسبانيا إقحام مقترح الحكم الذاتي، كما أجبرت المغرب على قبول مصطلح الصحراء الغربية في هذا البيان.

وعليه، هل حصل المغرب الرسمي على مكاسب من اسبانيا في ملف الصحراء، معطيات الواقع تؤكد لا باستثناء معارضة مبهمة وغامضة من مدريد للمقترح الأمريكي، علما أن اسبانيا هي التي طرحت مطلب مقترح مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء منذ سنة 2005 ليصبح عنصرا هاما في نزاع الصحراء. ولا يتردد الحزب الشعبي الحاكم في دعم كل المبادرات الرامية في البرلمان الوطني والبرلمانات الجهوية الى دعم تقرير المصير.

وهنا يحضر التساؤل مجددا، النظام المغربي قدم الزيارة على أنها استراتيجيا تاريخية وتنعكس إيجابا على ملف الصحراء. والتساؤل، أين هو البعد الاستراتيجي في ملف الصحراء. ما حققته اسبانيا هو أنها ضمنت عدم دعم المغرب أي عملية انفصال في بلد الباسك وكاتالونيا خاصة الأخيرة المقبلة على استفتاء تقرير المصير السنة المقبلة. المغرب التزم لإسبانيا بالضغط على المغاربة المقيمين في كتالونيا والحاملين للجنسية الإسبانية بعدم التصويت بانفصال كتالونيا، وكانت البداية مع الصمت المريب للرباط إزاء طرد الزياني من كتالونيا بتهمة تشجيع الانفصال.

على مستوى آخر، التزم الملك الراحل باستحضار ملف سبتة ومليلية المحتلتين في كل المناسبات مهما كان تيرمومتر العلاقات الثنائية بين البلدين متوترا أو منفرجا. وجعل من طرحه في الجمعية العامة للأمم المتحدة كل شهر سبتمبر تقليدا. ماذا حدث اليوم؟ الملك محمد السادس أعلن ي خطاب أزمة جزيرة ثورة أنه حامي البلاد وسيطرح الملف في كل المنتديات الدولية. وعاد ملك المغرب في بيان له في نوفمبر 2007 بمناسبة زيارة خوان كارلوس الى سبتة ومليلية ليصفه وينعته بالإمبريالي ويتعهد بطرح الملف مجددا في المنتديات الدولية.

ولكن ماذا حصل؟ الملك المسؤول الرئيسي عن هذا الملف قرر تجميده نهائيا، لم يعد الملف يذكر في الأمم المتحدة، وأصيب المسؤولون المغاربة بالخجل في معالجته مع الإسبان، لم يعودوا ينبسون بأي كلمة حول المدينتين.  بل وسجلت السنة الجارية لحظة من اللحظات التاريخية السوداء في تاريخ الدبلوماسية المغربية. يتعلق الأمر بما حدث يوم 2 أبريل الماضي في لقاء مفتوح أمام الجمهور، قال وزير الخراجية الإسباني منويل مارغايو في لقاء نظمته وكالة أوروبا برس في مدريد مخاطبا الوزير المنتذب في الخارجية يوسف العمراني “العلاقات ستبقى إيجابية طالما لا تتحدثون أنتم المغاربة عن المدينتين الإسبانيتين، سبتة ومليلية”، وكان جواب العمراني الصمت، صمت يعبر عن قرار اتخذه النظام المغربي.

وهنا يحضر تساؤل عريض” أي فكر استراتيجي هذا يجعل الملك يركز  مرتين في عشر سنوات وبشكل راديكالي على سبتة وميلية وأنه سيعض خطة لاستعادتهما، ولاحقا يلتزم الصمت؟ قد يقول البعض المصالح الاستراتيجية، والجواب ربما، لكن لا يوجد فكر استراتيجي معقول يسمح بتقديم تفسير لهذه السياسة سوى الارتجال.

وتزداد الأسئلة حرجا في وقت تضغط اسبانيا على بريطانيا بشأ، تصفية الاتسعمار في صخرة جبل طارق.

البرغماتية قد تتطلب تهدئة نسبية ملف سبتة ومليلية بسبب الصحراء ولكن ليس التهديد به بين الحين والآخر ثم تغييبه نهائيا، على القل، الأمر يستوجب الإشارة إليه في المناسبات الدبلوماسية التقليدية.

واقتصاديا، يجر الحديث عن قفزة نوعية بعدما تحولت اسبانيا الى الشريك التجاري الأول بدل فرنسا، نعم يحدث ذلك في الصادرات الإسبانية للمغرب التي حققت نموا يقارب 250%  خلال السنوات الأخيرة بينما لم تتجاوز المغربية 5%.

الأمر لا يتعلق بالوطنية الشوفينية والمزايدة في الوطنية كما تفعل أقلام مقربة من محيط الملك وأساسا فؤاد علي الهمة في توزيع الاتهامات بل بتساؤلات حقيقية عن دور الرؤية الاستراتيجية للملك ومساعديه وأساسا فؤاد علي الهمة، والطيب الفاسي الفهري وياسين المنصوري في العلاقات الخارجية وخاصة مع اسبانيا وفي نزاع الصحراء.

هكذا، فزيارة ملك اسبانيا خوان كارلوس التي جرى تقديمها للرأي العام المغربي على أنها قفزة نوعية في العلاقات خلفت أكبر فضيحة للملك محمد السادس في ملف غالفان، كما كشفت ضعف الفكر الاستراتيجي للملك ومحيطه في ملفات حيوية مثل سبتة ومليلية وأساسا الصحراء.

يحدث هذا في وقت ضمنت فيه اسبانيا عدم تدخل المغرب في الملف الكتالاني  كرد على موقف اسبانيا من نزاع الصحراء وضمنت والصمت في ملف سبتة ومليلية خاصة إذا حدث انتقال للعرش في اسبانيا بمغادرة الملك خوان كارلوس قدوم ابنه الأمير فيلبي.

Sign In

Reset Your Password