قال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل خلال هذا الأسبوع إن روسيا قد تصبح أكثر خطورة بعد محاولة تمرد ميليشيات فاغنر. وعمليا بدأ هذا التوجه يتأكد بعدما قررت موسكو الرفع من إيقاع مواجهة الجيش الأوكراني ثم محاولة تغيير خريطة النفوذ العالمي بالتركيز على إصلاح مجلس الأمن الدولي وتقوية منظمة «البريكس».
وشكل تمرد قوات فاغنر تحديا حقيقيا للدولة الروسية لاسيما وتزامنه مع الحرب، الأمر الذي اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خيانة للوطن لا يمكن التسامح معها. وبعد تجاوز هذه المحنة التي دامت ساعات، غير أنها كانت قادرة على تغيير مجرى تاريخ روسيا إذا حصل ونجحت، وحرصا على صورتها كقوة كبرى، ستعمل روسيا على استعادة هيبتها من خلال استراتيجية دقيقة وسريعة وراديكالية.
ولعل الشق الأبرز هو رفع الجيش الروسي من إيقاع صد هجمات الجيش الأوكراني على دونباس، وقد يتطور الأمر إلى التقدم في الأراضي الأوكرانية مجددا بدل الاكتفاء بالدفاع عن الأراضي التي جرى ضمها إلى الدولة الروسية، أي مناطق دونباس وخيرسون وشبه جزيرة القرم سابقا.
ويبقى المنعطف السياسي الذي يؤشر على مواجهة دبلوماسية ستدوم سنوات هو مضمون الندوة الصحافية التي أجراها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الجمعة 30 حزيران/يونيو الماضي وطرح خلالها خريطة طريق ستعمل عليها موسكو بدينامية كبيرة ابتداء من الوقت الراهن. ويعتبر سيرجي لافروف من مهندسي برامج وتصورات روسيا بشأن المستقبل.
وخلال هذ الندوة، ركز كثيرا على الخلل القائم في العلاقات الدولية نتيجة هيمنة مؤسسات مرتبطة بالغرب على صنع القرار الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. وفي المقابل، طالب بتوسيع مجلس الأمن الدولي نحو أعضاء جدد من أفريقيا وأمريكا اللاتينية من أجل ما اعتبره «دمقرطة العلاقات الدولية». وتراهن موسكو على إصلاح منظمة الأمم المتحدة ولاسيما مجلس الأمن كرأس حربة في التضييق على الغرب. وتستغل النقاش الدائر حاليا في العلاقات الدولية حول هذا الموضوع. وتعتبر الظروف مناسبة لتجييش باقي العالم، وأبرزها ما يلي:
في المقام الأول، الخريطة الجيوسياسية وخاصة النفوذ الدولي بدأ يتغير بشكل كبير، فقد بدأ بشكل جلي مع جائحة كوفيد-19 ولكنه يتسارع مع الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وخلال هذه الحرب، لم يساير جزء من العالم الغرب في تنديده بروسيا. وكان الوزير الأول الفرنسي والذي شغل منصب وزير الخارجية في حرب العراق سنة 2003 دومنيك دو فيلبان واضحا عندما صرح منذ شهور «باقي العالم لم يصوت مع الغرب على إدانة روسيا لأن الغرب كذب في ملف أسلحة الدمار الشامل في حرب العراق سنة 2003». وعمليا، فقد الغرب التحكم في أفريقيا خلال هذه الحرب عندما عجز عن جرها لصفه في الأمم المتحدة.
في المقام الثاني، وارتباطا بالنقطة الأولى، ترى مجموعة من الدول أنها أصبحت قوى إقليمية وهي جديرة باكتساب تمثيل أكبر في الهيئات الدولية ومنها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهذه الدول هي تركيا والعربية السعودية وباكستان والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. وترى في التنسيق مع روسيا بالدرجة الأولى ثم الصين، الحل الأمثل للحد من هيمنة الغرب على المؤسسات الدولية.
وتماشيا مع هذا المسلسل، كانت روسيا دائما ترغب في تحويل تجمع «البريكس» المكون حاليا من خمس دول وهي روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل إلى تجمع ينافس مؤسسات الغرب ومنها مؤسسة «السبع الكبار» وكانت روسيا عضوا في هذه الهيئة الأخيرة ولكن جرى تجميد عضويتها بعدما ضمت شبه جزيرة القرم سنة 2014.
وتعتبر قمة البريكس في جنوب أفريقيا خلال الشهر المقبل مناسبة لموسكو لفتح أبواب هذه المؤسسة أمام الدول الراغبة في العضوية. وتعد علاقات تركيا مع البيت الأبيض متفجرة بسبب الاختلاف حول قضايا كثيرة، بينما ترى البرازيل تحت قيادة لولا دا سيلفا في الولايات المتحدة الدولة التي حاولت إضعاف البرازيل خلال العقد الأخير. وتوجد دول أخرى برمجت بوصلتها الجيوسياسية على روسيا والصين منذ عقود، وهي تسعى جاهدة للانضمام إلى البريكس مثل حالة الجزائر.
منذ اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لم يخف الرئيس بوتين أجندته بالتقليص من هيمنة الغرب على العالم. ولهذا، يجد في هذه الحرب المنعطف التاريخي الذي كانت تتطلع له عدد من الدول التي تعتقد أنها تمتلك صفة الدولة الإقليمية، وبالتالي تسعى إلى تمثيل أكبر في المنتديات الدولية ومنها الأمم المتحدة بسبب دورها في مختلف القضايا.