في ظل التطورات التي يعيشها العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط، لم يحظى سقوط جزء كبير من اليمن بما فيه العاصمة صنعاء في يد الحركة الحوثية بالاهتمام الاعلامي والسياسي اللازم، لكن الحدث يكشف عن احتمال مقدمة نظام إقليمي آخذ في التبلور وستكون إيران ركيزته بمصادقة من القوى الكبرى ومنها واشنطن التي أنهكتها التدخلات العسكرية والسياسية في المنطقة.
وسرقت داعش الأضواء من مختلف النزاعات في العالم العربي لاسيما اهتمام واشنطن بمواجهة هذه الحركة التي أعلنت الخلافة، وتسعى واشنطن الى جمع أكبر عدد من دول العالم لمواجهة ما تعتبر أكبر خطر يهدد استقرار الشرق الأوسط وحلفاء البيت الأبيض في المنطقة. ورغم أنه يشكل منعطفا في الأحداث التي سجلها الخليج العربي خلال الثلاثة عقد الأخيرة وقد يقترب من حيث الأهمية من غزو العراق للكويت وسقوط نظام صدام حسين، فانتصار الحركة الحوثية وما تشكل من بعد استراتيجي في الخليج العربي لم تجلب الاهتمام الكافي، ربما في وسائل الاعلام العالمية فقط وليس في قاعات صنع القرار الدولي في واشنطن وباريس ولندن وموسكو التي تتعامل بصمت وحذر مع الحدث.
واستراتيجيا، يعتبر دخول حركة الحوثيين الى صنعاء والسيطرة على أجزاء كبيرة من اليمن هزيمة للعربية السعودية التي أيدت الدولة اليمنية وآل الأحمر وانتصارا بينا لإيران التي دعمت الحوثيين. وفي الوقت ذاته، يمكن قراءته من زاوية دينية من تقدم الشيعة وتقهقر السنة، فتشعب مشاكل الشرق الأوسط وتركيبته المعقدة على جميع المستويات تسمح بمختلف القراءات.
وبقيت ردود فعل المنتظم الدولي وخاصة القوى الكبرى محتشمة ولم تتعدى الشجب النسبي. والتساؤل العريض على ضوء هذا الموقف: هل صمت القوى الكبرى على ما يجري في اليمن هو بدء قبول إيران كقوة إقليمية تحتاجها المنطقة من أجل إرساء السلام والقيام بدور أقرب الى الدركي السياسي وليس الأمني فقط؟
عالم القرن الواحد والعشرين يتميز بنهاية القطب الواحد الذي يهمين خلال العقدين الأخيرين وبداية الانتقال الى “مرحلة انتقالية” نحو تعدد الأقطاب عالميا وظهور قوى إقليمية في مناطق من هذا العالم. والقوى الاقليمية هي مكملة لتعدد الأقطاب عالميا. ويشهد العالم ظهور قوتين إقليميتين لهما دور كبير في التحكم في محيطهما هما البرازيل في أمريكا الجنوبية ودولة جنوب إفريقيا في نصف القارة السمراء.
وبشكل محتشم، يدور في الغرب الحديث عن ضرورة اعتبار إيران قوة إقليمية قادرة على ضبط الأمن، وهو التصور الذي انتهت إليه روسيا منذ سنة 2007 عندما صرح الرئيس الروسي فلادمير بوتين وقتها بأن إيران قوة إقليمية ويجب التعامل معها على هذا الأساس. فهاجس الغرب حاليا هو مواجهة واحتواء التطرف الإسلامي السني الممثل في القاعدة وداعش، والحركات الوحيدة التي حالت دون انتشاره في لبنان هي حزب الله وفي فلسطين هي حركة حماس وفي اليمن هي الحركة الحوثية، وكلها حركات مرتبطة بإيران بينما دعمت الدول السنية في الخليج التطرف الإسلامي.
الخيار الصعب أمام الغرب هو كيفية إيقاف تقدم المتطرفين مثل داعش أو حركات متطرفة قد تظهر مستقبلا بدون مزيد من التورط في مستنقع الشرق الأوسط بعدما أبانت الأحداث أنه المستنقع السياسي الذي سقط فيه الغرب خلال العقود الأخيرة. التساؤل يتعاظم في ظل تغيرات رئيسية تتجلى في بدء تخلي بعض الدول الغربية عن النفط الخليجي مثل الولايات المتحدة التي تراهن على مصادرها والنفط الإفريقي لكن يهمها أمن الشرق الأوسط، ثم في رسم إيران صورة لنفسها تتمثل في الدولة التي تتوفر على القدرة العسكرية والبشرية القادرة على التحكم في التطورات ولا تنافسها سوى تركيا في هذا المجال، لكن الأخيرة موقعها الجغرافي لا يساعدها عكس إيران المطلة على الشام والخليج العربي في آن واحد.
ومسيرة إيران نحو تحولها الى قوة إقليمية تصطدم بالمشروع النووي الذي تعارضه الدول الغربية، وقد يتم إيجاد حل له بعدما ارتفعت أصوات أمريكية من لمحافظين أنفسهم بإمكانية التعايش مع إيران نووية. والعالم الثاني هو الديني، فمذهبها الشيعي يجعل من الصعب قبولها من طرف دول مثل العربية السعودية.
لكن دور إيران في تطورات المنطقة مثل دعم حزب الله في لبنان والحيلولة دون سقوط البلاد في يد القاعدة وداعش، ودعم حماس في مواجهة إسرائيل مما جعلها تحقق انتصارا معنويا في الحرب الأخيرة بفضل صمودها وضرب العمق الإسرائيلي، ثم الحيلولة دون سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في مواجهة داعش وهيمنة الحوثيين في اليمن، كلها معطيات تؤكد انتقال إيران الى دولة إقليمية تنتظر الاعتراف الرسمي. ويجري كل هذا في ظل التراجع التاريخي للسنة في المنطقة.
مقال ذو صلة: هل تتحمل السعودية الهزيمة التاريخية للعالم العربي السني؟