النُخب الاسبانية وإسكيسوفرينيا العلاقة مع المغرب/ مدريد- عبدالحميد البجوقي

عبد الحميد البجوقي/حقوقي وخبير في العلاقات المغربية-الإسبانية

قبل أيام من زيارة الملك خوان كارلوس للمغرب، كتب قيدوم الصحافيين الاسبان اليميني لويس ماريا أنصون Luis Maria Anson في عموده بجريدة الموندو  الإسبانية عدد 11 يوليو الجاري مقالا عن سبتة ومليلية وما يتهددهما حسب تقديره من ردات ربيع عربي وتهديدات اختراقهما من طرف حركات اسلامية مسلحة.

المُثير فيما كتبه صحافي مُؤثر من حجم لويس ماريا أنصون والمعروف بقربه من الملك خوان كارلوس أنه اعتمد في تحليله بالعودة إلى ما قبل استيلاء الاسبان على المدينتين، مُعزيا وضع المدينتين اليوم لقرار الملكة ايزابيلا الكاثوليكية باختيارها لأمريكا اللاتينية هدفا للتوسع ونشر المسيحية بدل اختيار التوسع على حدودها من سبتة ومليلية نحو إفريقيا كما كان يشير به عليها بعض رجال الدين والجيش آنذاك.

والمعروف أن الصحافي المذكور كان الوحيد من بين زملائه الاسبان في الصحافة المكتوبة الذي حظي بمقابلة مع الملك الحسن الثاني في نهاية الثمانينات ونشرها آنذاك في جريدة أبسي ABC اليمينية التي كان مديرا لها، ومن جملة ما يذكره من هذه المقابلة التي لم يأذن الحسن الثاني بنشرها كاملة، كلام الملك عن ثقة المغرب في الزمن وفي التحولات الديموغرافية والدينية لاسترجاع المدينتين، كما يشرح الصحافي الاسباني والعهدة عليه، أن الملك الحسن الثاني الذي استقبله برفقة ولي العهد آنذاك والملك حاليا كان يُضمر استراتيجية بعيدة المدى، تقوم على تشجيع شراء العقار في المدينتين من طرف المسلمين، وعلى نشر الاسلام عبر متسللين من الدعاة وغيرهم، وجزء مهم من هؤلاء حسب نفس الصحافي دائما انحاز اليوم للأصولية المتطرفة وحتى للحركات الجهادية ولن يتأخر اندلاع عمليات عنف على شاكلة ماحدث بالجزائر الفرنسية التي انتهت باستقلالها. مثل هذه المقارنة بين الجزائر الفرنسية والمدينتين الاسبانيتين تسلط الضوء على العمق الذي ينطلق منه الاسبان في تفدير شرعية وجودهم في المدينتين. هو اللاوعي الذي يمتد إلى التاريخ الاستعماري في المنطقة من يؤسس للموقف لالاسباني كما أسس للفرنسي في الجزائر، وهي القاعدة إذا التي تؤكد الاستثناء في الموقف المغربي كموقف يحمل كل الشرعية.

الصحافي الاسباني ينقل لنا بوضوح ما يجب على نخبنا المغربية أن تفهمه وعلى ساستنا أن تستحضره في علاقاتها مع اسبانيا، وهنا أترككم مع  أهم الفقرات التي تشرح عمق العلاقة الموشومة بالريبة وعدم الثقة في “المورو المسلم” :    “صحيح أن المغرب يتصرف كحليف لإسبانيا ضد أي هجوم إرهابي مُحتمل، لكن سيكون من جهلنا بالعرب  الاعتقاد أنهم صادقين. أكيد أن الحكم في المغرب سيحارب معنا ضد الارهاب، لكنه وكعادة المغاربة سيستغلها لتغيير وضع المدينتين وفتح ملفهما، لقد اقتربنا كثيرا من وضع اليد على النار..”

يواصل قيدوم الصحافة الاسبانية تفسيره بشكل يشرح عمق الصدام بين الدولتين وهو العمق الذي ميّز هذه العلاقة خلال قرون والتي أصبح اليوم لزاما على الدولتين وضعها في سكة التعاون والتحالف بداية بتفكيك أسباب هذا التوتر والمكاشفة الواضحة والفهم المتبادل لحمولات الطرفين ضد بعضهما البعض.

لويس ماريا أنصون بما هو من صحافي مؤثر، وعضو الأكاديمية الاسبانية، ومثقف يتصدر النخب الاسبانية، ينقل لنا بما كتبه رؤية  الإسبان الحقيقية للمغرب والمغاربة ، وهذه الرؤية التي علينا أن نفهمها بهدوء، وأن نفهم أسبابها وأن نتفاعل معها بهدف تغييرها، أو على الأقل تلطيفها.  بالمقابل على الاسبان أن يروا أنفسهم في المرآة، وأن يحاولوا فهم المغاربة وتفكيك أسباب عدم  تبادل الثقة معهم، وأسباب الصدام الذي مهما خَفِتَ لا يفتأ يعود بقوة وعنف.

لكي تكتمل لنا الصورة لا بأس أن نعود لما أنهى به الصحافي الاسباني عموده مخاطبا حكومته بمايلي: ” في قصر المونكلوا،  الحكومة تواصل سلوكها المعتاد القائم على عدم الاكتراث وعدم الرد أو الاهتمام، لكن السياسة الجدية والمسؤولة تتطلب المواجهة المفتوحة مع هذه الوضعية، وتتطلب تهييئ مخطط متوسط وبعيد المدى يُؤمّن استقرار سبتة ومليلية. ما ينقص رئيس حكومتنا ماريانو راخوي أن تنفجر في يديه هذه القنبلة الموقوتة، وأن تجدنا أمام سلسلة من العمليات الارهابية في المدينتين، وأمام إرهابيين خارج السيطرة.. المسؤولية السياسية تفرض على حكومتنا القدرة على التوقع لسيناريو نقترب منه بسرعة، وأن تتصرف بحزم قبل أن تجدنا بدون حل سوى قطع الجزء المريض وإيقاف النزيف تلافيا لما هو أسوأ..”

بمعنى أن الصحافي المرموق يحتمل أن تتأثر المدينتين بالربيع العربي، وأن تتسلل الخلايا المسلحة التي مهما حاربها المغرب سيستعملها حسب تقديره للضغط على إسبانيا، ويشير من بعيد إلى الخلايا الجهادية التي تم تفكيكها مؤخرا في سبتة بالتعاون بين البلدين.

مثل هذه التحليلات تكاد تملئ فضاء الرأي في الاعلام الاسباني، والتي ندرجها في هذا المقال هي الأكثر اعتدالا بالمقارنة مع أخرى صدامية ومتطرفة، وفقط يحتفظ الخطاب الديبلوماسي والسياسي  ببعض الرزانة  واللياقة دون أن يكون لهما دور في صناعة رأي عام مرافق للرغبة في تحسين العلاقات وتطويرها.

هي إسكيسوفرينيا تعيشها النخب الاسبانية في علاقتها مع المغرب ،وفي فهمها للمغرب والمغاربة، والتي بدون تجاوزها والانفتاح على رؤية منفتحة وانخراط النخب في صنع رأي عام إيجابي لن تستقيم العلاقة بين البلدين، ولن تكفى فقط الارادة السياسية التى تبدو عازمة في البلدين على مواجهة هذا التحدي.

Sign In

Reset Your Password