تعتبر مقاطعة بعض المواد الاستهلاكية وهي الحليب والماء المعدني والوقود أول تظاهرة احتجاجية في تاريخ المغرب لم تسفر عن جرحى واعتقالات ولكن عن أضرار اقتصادية لبعض المستثمرين الذين ينعتون ب “الحيتان الكبيرة”. وتجد الدولة نفسها في حيرة أمام هذه الظاهرة الجديدة التي لم تألفها.
وأمام جشع بعض الشركات وطغيان “الثروة والحكم” وإحساس جزء كبير من المغاربة ب “القهرة” أمام ارتفاع المعيشة وما يترتب عن ذلك من مآسي اجتماعية حقيقية، أقدم ملايين المغاربة على خوض أكبر احتجاج انطلق من العالم الافتراضي من خلال مقاطعة شركات معينة وهي إفريقيا للوقود وسيدي علي وسنترال للحليب. وتتكبد هذه الشركات خسائر مالية حقيقية بعدما تراجعت أسهمها في بورصة الدار البيضاء.
وتعد عملية المقاطعة قفزة نوعية في وعي المغاربة سواء من خلال الموقف الموحد أو من خلال تفويت الفرصة على الدولة للاعتقال. في هذا الصدد، تبرز المقاطعة كيف استطاع المغاربة في وقت وجيز للغاية وبدون إشراف من هيئة سياسية أو نقابية تدشين أكبر عملية احتجاج في تاريخ المغرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تتجاوز عملية الاحتجاج ضد العفو الذي استفاد منه دانيال غالفان الذي اعتدى جنسيا على المغاربة.
وساعدت عوامل متعددة على نجاح الحملة حتى الآن، ويمكن إجدمالها في:
أولا، عدم وقوف أي هيئة سياسية أو نقابية وراء هذه الحملة، إذ أصبحت مشاركة الأحزاب مع استثناءات في أي عمل نضالي بمثابة مؤشر على فشل مسبق لأي احتجاج.
ثانيا، فرصة كان ينتظرها جزء هام من المغاربة وعلى رأسهم الطبقة المتوسطة التي تضررت كثيرا من سياسة الغلاء الفاحش وغير المبرر للكثير من المواد الاستهلاكية والخدمات.
ثالثا، تفضيل المغاربة التحرك على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما تبين أن التظاهر لم يعد يجدي كثيرا علاوة على تربص الدولة بالتظاهرات لتنفيذ الاعتقالات كما وقع مع الحراك الشعبي في كل من الريف وجرادة ومدن أخرى.
رابعا، رد فعل المغاربة ضد بعض تصريحات المدراء والوزراء الذين قاموا بتبخيس المقاطعة بل ونعت المقاكعين بالمداويخ وخونة الوطن.
وبهذا، تكون عملية المقاطعة التي تخوضها أغلب فئات الشعب المغربي أول تظاهرة في تاريخ المغرب لا تسفر عن اعتقالات ولا جرحى ولا تدمير للممتلكات، وهي بهذا تشكل قفزة نوعية في تاريخ النضال وتفتح آفاق هامة للاحتجاج مستقبلا.