اللاعب الثالث في نزاع الصحراء يقلق المغرب والبوليساريو على حد سواء

أمينانو حيدر رفقة الحقوقية الأمريكية كيري كيندي وهي من الصور التي تؤرخ لظهور اللاعب الثالث في نزاع الصحراء

تحول صحراويون يدافعون عن تقرير المصير ويقيمون في مدن الصحراء إلى مخاطبين لمؤسسات دولية وسفارات معتمدة في الرباط في قضايا سياسية وحقوقية مرتبطة بهذا الملف. ويزعجون المغرب وجبهة البوليساريو على حد سواء.

تجري كل هذه التطورات أمام دبلوماسية الرباط التي تقف مترددة في التعامل مع الظاهرة، لاسيما عندما تجد هؤلاء الصحراويين في مواجهتها في منتديات حقوقية دولية مثل جنيف. وهذه التطورات تمنح هؤلاء الصحراويين، في إطار البحث عن حل لهذا النزاع، صفة اللاعب الثالث، يميل وأحيانا بدون حماس كبير إلى البوليساريو ويناهض المغرب بدون استبعاد الحوار مستقبلا. وبين الحين والآخر، يجتمع ممثلو سفارات أجنبية وأساسا الولايات المتحدة وبريطانيا والسويد مع ممثلين عن جمعيات حقوقية صحراوية في مدينة العيون، وآخر هذه الاجتماعات جرت منذ أسبوعين في العيون بين المستشار السياسي للسفارة الأمريكية أنتوني بيرد وجمعية كوديسا، التي ترأسها أميناتو حيدر. وكانت الدولة المغربية ترفض مثل هذه الاجتماعات، ولكنها انتهت بقبولها بسبب قوة هذه الدول، خاصة في مجلس الأمن. وتمتد هذه الاجتماعات إلى المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس عند زيارته لمدينة العيون واسمارة، وعقد اجتماعات خلال السنوات الماضية مع أنصار تقرير المصير، ولم يكن المبعوثون السابقون يقدمون على عقد اجتماعات مماثلة لتفادي غضب المغرب.

في الوقت ذاته، لم يعد نشاط الصحراويين القاطنين في مدن اسمارة والعيون والداخلة، والموالين للبوليساريو يقتصر على المغرب، بل يمتد إلى المنتديات الدولية. وأصبحت الناشطة السياسية والحقوقية أميناتو حيدر تزور مؤسسات دولية في الولايات المتحدة وأوروبا، وينتقل ناشطون إلى جنيف للمشاركة في أشغال الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان، ويتبنون دور المعارض الشرس للطروحات المغربية في نزاع الصحراء. ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى اهتمام بعض المنتديات ووسائل الإعلام الدولية بصحراويي الداخل المؤيدين لتقرير المصير أكثر من زعماء البوليساريو. وهذا يحدث في حالة أميناتو حيدر، التي غطت على زعيم البوليساريو محمد عبد العزيز، حيث يتم استقبال الأولى باهتمام كبير، بينما الثاني لا يمكنه التحرك في الأغلب بدون دعم قوي من دبلوماسية الجزائر.
وهكذا، في الوقت الذي كان المغرب يحاول نزع الشرعية عن جبهة البوليساريو بوصفها حركة تعمل لصالح الجزائر ضد وحدة ترابه، يتفاجأ تدريجيا بظهور ناشطي تقرير المصير في الصحراء نفسها يواجهونه في الداخل والخارج. وعمليا، بدأ الصحراويون، من أنصار تقرير المصير، يسببون للمغرب قلقا دبلوماسيا يتجاوز أحيانا جبهة البوليساريو نفسها. ويقف صحراويو الداخل أكثر من البوليساريو نفسه وراء بلورة عناصر جديدة في الصراع ومنها ملف حقوق الإنسان وملف استغلال الثروات الطبيعية.

ويتجلى القلق في الزيارات التي تقوم بها الصحافة الدولية للصحراء، وتركز على أنصار تقرير المصير، خاصة الصحافة الأمريكية التي لم تكن تهتم بالموضوع وإذا به يسجل حضوره خلال الثلاث سنوات الأخيرة وفي كبريات الصحف، مثل «نيويورك تايمز» و»الواشنطن بوست» و»سي أن أن»، يضاف إلى هذا زيارات وفود سياسية ودبلوماسية غربية أساسا إلى العيون واسمارة، ويترتب عنها في بعض الأحيان توتر مع السلطة المحلية، التي تضطر إلى طرد بعض من أنصار هؤلاء.

ومن حلقات التوتر، ذلك الذي وقع في فبراير 2014 بين ولاية العيون والنائب البريطاني جيريمي كوربين، الذي أصبح يوم 12 سبتمبر 2015 أمينا عاما للحزب العمالي، وعمل على إحضار ملف الصحراء في البرلمان البريطاني بشكل لافت خلال السنة الأخيرة. ولا يقتصر القلق من تحركات صحراويي الداخل على دبلوماسية الرباط وحدها، بل يمتد إلى جبهة البوليساريو نفسها التي تجد نفسها في بعض الأحيان متجاوزة من طرف أنصار أميناتو حيدر. ورغم التنسيق بين الطرفين، إلا أن هناك صراعا خفيا، حيث تصدر انتقادات من صحراويي الداخل ضد قيادة البوليساريو متهمين إياها بالفشل سياسيا.

وشهدت الأسابيع الماضية توترا بين الطرفين بعدما جرى تداول خبر ترخيص المغرب لجمعية حقوقية صحراوية «الجمعية الصحراوية لضحايا خروقات حقوق الإنسان المرتبكة من طرف الدولة المغربية»، حيث تعرض أعضاء الجمعية لانتقادات من مقربين من جبهة البوليساريو، وهذه الانتقادات تبرز اختلاف الرؤى بين الطرفين في بعض الأحيان.
وفي الوقت الذي ظهر فيه لاعب ثالث في نزاع الصحراء، لم يكن هناك لاعب مواز بالقوة نفسها في مخيمات تندوف. وفي حوار مع الجريدة الرقمية المغربية «لكم»، صرح مؤخرا زعيم خط الشهيد، محجوب السالك، وهو مناهض للبوليساريو، «بأن أحوال المخيمات، ومنها القمع وعدم استقلالية القرار السياسي في جبهة البوليساريو عن الجزائر، لم يسمح بظهور حقيقي لهذا الاختيار الثالث»، أي الصحراويين الرافضين لتمثيلية البوليساريو.
وكما جرت العادة في الدول والحركات غير المتسامحة سياسيا، بل المغلقة أمام مختلف الطروحات، يتم تعليق يافطة «الخيانة» من طرف المغرب لصحراويي الداخل المنادين بتقرير المصير، ويافطة «العمالة» من طرف جبهة البوليساريو ضد الصحراويين المناهضين له. وجرت يوم الأحد 27 سبتمبر 2015 انتخابات تشريعية في إقليم كتالونيا شمال شرق إسبانيا بين المنادين بالاستقلال والمناهضين، ولم يردد أي أحد أسطوانة الخيانة والعمالة، بل احترام رأي الآخر.

ورغم أنه مازال يتبلور، فاللاعب الثالث في نزاع الصحراء أصبح واقعا في هذا الملف الشائك، الذي لم يشهد طريقه إلى الحل منذ اندلاعه أواخر الخمسينيات بين المغرب وإسبانيا، قبل أن يصبح بين الأول وجبهة البوليساريو بدعم من الجزائر. ولعل بروز اللاعب الثالث ومنحه الفرصة في المفاوضات قد يقود إلى حل وسط وقد يكون الفيدرالية أو الكونفدرالية التي تسعى وراءها الأمم المتحدة في صمت، بعد عدم نجاح كل من استفتاء تقرير المصير والحكم الذاتي.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password