دافع المفكر عبد الله العروي على ضرورة تبسيط اللغة العربية على مستوى النحو و الإملاء والاهتمام بتربية الطفل في مرحلة الروض ما بين ثلاث الى ست سنوات للنهوض بالتعليم في المغرب، بينما دافع الفاعل الجمعوي نور الدين عيوش على تنمية اللغة الدارجة وتحويلها الى لغة التعليم.
وخلال برنامج القناة الثانية ليلة الأربعاء الذي تناول الجدل القائم حول العربية والدارحة وأيهما أنفع للتدريس، استشهد عبد الله العروي بمحاولات لترسيم الدارجة قام بها الفرنسيون لكنهم تراجعوا عنها لأسباب بيداغوجية وكذلك سياسية، مبرزا أن الإشكال الكبير يكمن في كتابة الدارجة سواء بالحرف العربي الذي لا يناسبها أو اللاتيني الذي سيبعد عن النهوض العربي.
وشدد العروي على أن الدارجة هي لغة محدودة المفاهيم وستطرح تحديات كبرى في التعليم كلما تقدم التلميذ أو الطالب في الدراسة، لأن الدارجة يمكن أن تفيد في التعليم البسيط جدا، الرامي الى التكوين المهني للعمل كما يجري في بعض الدول الإفريقية. كما انتقد خبراء اليونيسكو الذين يحاولون تطبيق مفاهيم بعيدة عن الواقع المغربي.
ووجه العروي انتقادات قوية الى مبادرة مجموعة عيوش معتبرا أنها زائدة ولا تقدم أي شيء خاصة و أن التلقين في الروض أو الحضانة يكون بالدارجة. واعتبر أن هذه المجموعة لم تتوفر فيها الشروط لأنه يجب أن يشارك خبراء اللغة والتاريخ والاقتصاد والحضارات والصوتيات بل وكذلك المختصين في لغة الصم القائمة على الإشارات لوضع أسس اللغة.
ويؤكد صاحب “مجمل تاريخ المغرب” أن ترسيم الدارجة سيجعلها لغة جامدة وسيجعل الدارحة المستعملة في البيت والشارع تتطور، الأمر الذي سيطرح إشكالا جديدا في ظرف عشرين سنة المقبلة. واشتهد في هذا الصدد بمثال تركيا التي حيث قام أتاتورك بترسيم اللغة المحكية وقتها والآن الأـراك لا يفهمون خطب أتاتورك.
وحول تنوع الدارجة، طرح العروي إشكالية الدارجة التي يمكن استعمالها بسبب تنوع اللهجات في المغرب، واعتبر أن الحل سيكون في تكليفالجهات بملف التعليم على شاكلة الجهات في اسبانيا، ولكنه طالب بالأخذ بعين الاعتبار قلق أولئك الذين يتخوفون على الوحدة الوطنية من التشتت مستقبلا.
وانتهى العروي الى ضرورة تبسيط اللغة العربية على مستوى النحو والإملاء وتلقين الطالب لغة بسيطة سهلة تجعله يواكب العصر، وانتقد في هذا الصدد، معهد التعريب الذي كان عليه أن يقوم بهذه المهمة.
وانطلق نور الدين عيوش بنفي سياسي لوقوف المؤسسة الملكية وراء مبادرة توصيات التدريس باللغة الدارجة، ومؤكدا أن الأمر نابع باهتمامه من تجربته في العمل الجمعوي حيث وقف على العجز في التواصل خلال تجربة القروض الصغرى في عدد من مناطق المغرب، ومستشهدا أنه استوحى تجربته من تجارب لدول أخرى منها بنغلادش.
وبرر نور الدين عيوش هذه المبادرة التي شارك فيها عدد من الباحثين المغاربة المتخصصين في اللغة أنها تأتي لمواجهة العجز الحاصل في اكتساب المعرفة ولمواجهة الهدر المدرسي الذي يبرز أنه من أصل مائة تلميذ لا يصل الى مستوى الإجازة الجامعية سوى ست فقط، واربعة يعثرون على العمل في حين أن الباقي لا يتوفق في ذلك.
ووقع نوع من الاتفاق بين العروي وعيوش بالتركيز على لغة وسطى وإن اختلفا في تعريفها، وهي اللغة التي طالب بها المدرس الأول الذي جاء ذكره في الربورتاج بالتوفيق بين الدارجة والعربية.
وظهر الفارق الشاسع بين أطروحة العروي القائمة على نظرة ثاقبة لمستقبل المغرب في التعليم وبين نظرة نور الدين عيوش الذي لم تسعفه الأدلة والتجارب الوطنية والدولية التي استعان بها في الدفاع عن أطروحته.