العدالة والتنمية والاحرار يتشاوران خلف ظل قضية غالفان متفادين الأضواء

بن كيران ومزوار يغتنمان قضة غالفان ليتحاورا في حل من ضغظ الرأي العام المغربي

بعض الأحداث السلبية يكون لها أثر إيجابي. أقله أن قضية العفو الذي شمل الإسباني دانييل غالفان استغرقت جانباً كبيراً من الجدل السياسي والقانوني والأخلاقي، وأنست المغاربة في المسلسل المشوق لتشكيل الوزارة الثانية لرئيس الحكومة عبد الإله بن كيران. وصار في إمكان الأفرقاء المعنيين بالمشاورات، بخاصة «العدالة والتنمية» الإسلامي، و «تجمع الأحرار» وربما الاتحاد الدستوري أيضاً التداول في القضايا الأكثر تعقيداً، بعيداً من الأضواء.

ما حدث أن الاعتراض الذي كان يلوح به هذا الطرف أو ذاك، إلى درجة رسم خطوط حمراء حول إمكانات التحالف واللقاء في منتصف الطريق تبددت، تحت تأثير الإكراهات، فـ «الحزب الإسلامي» ليس أمامه أي خيار سوى قبول تقديم تنازلات لغريمه السابق. أو قلب الطاولة والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وقد فضل فعلاً أقل الأضرار السياسية وذهب يفاوض أعداء الأمس، أما «تجمع الأحرار» فقد وجه نفسه خارج دائرة التحالفات، بخاصة أن «الاستقلال» المنسحب من الحكومة و «الاتحاد الاشتراكي» الذي اختار المعارضة، في طريقهما إلى معاودة تشكيل تحالف جديد، يكون هذه المرة على صيغة «زواج كاثوليكي» فيما علاقة «الأحرار» بالحكومة، لا هي سيئة تماماً ولا هي جيدة. ما يدفعه إلى تجريب حظه في العودة إلى الحكومة. فقد عاين عن كثب انفراط عقد تحالف أقامه بمشاركة ثمانية أحزاب، ولم يفلح في انتزاع غالبية نيابية في الاستحقاقات الاشتراعية الأخيرة. وفي ضوء هذه المعطيات يصبح أي شيء ممكناً.

وتنبه «العدالة والتنمية» بقيادة رئيس الحكومة أن الظرف لا يسعفه في الانكفاء وإغلاق الباب. فقد شكل انسحاب وزراء «الاستقلال» صدمة لم يفق منها بعد. والحال أنه يرصد تطورات الأوضاع في بلدان ما يُعرف بالربيع العربي، ويضع اليد على القلب، يحدوه الأمل في أن تبقى العدوى بعيدة الانتقال. بخاصة أن بعض شعارات الدعوة إلى الرحيل لم تعد تستثنيه، بعدما كان منتشياً بوضعه الاعتباري، كأول حزب إسلامي يقود حكومة في المغرب ورفع بدوره شعار الحرب على الفساد والاستبداد. وإن استبدلها بـ «الإصلاح في ظل الاستقرار». وأكثر ما يؤرقه أن الشارع التونسي في طريقه لأن تنقلب بعض فعالياته على حركة «النهضة» الحاكمة.

بين الحالتين المصرية والتونسية، توجد التجربة المغربية بين منزلتين، ساعدها في ذلك أنها لا تواجه فراغاً دستورياً أو سياسياً خلال الفترة الانتقالية، وأن الإعداد الجيد في تكريس نوع من الاستشعار من بعد مكن المغاربة من معالجة تناقضاتهم وصراعاتهم تحت سقف الحوار. والثابت أن انحناء عبد الاله بن كيران أمام العاصفة اتسم بقدر أكبر من المرونة. إذ يوجه من خلال انفتاحه على فعاليات كان ينتقدها بعنف وشدة رسالة تفيد أنه لا يرغب الاستئثار بالسلطة، وأن حيازته الصدارة في الانتخابات الاشتراعية السابقة، لا تعني بالضرورة إلغاء مشاركة الآخرين، بينما «تجمع الأحرار» يرى الفرصة سانحة للاستقواء على خصمه اللدود الذي جاء بطرق باب بيته. لكنه بدوره لا يرغب في تكرار تجربة «الاستقلال»، أقربها أنه لا يفاوض من أجل حيازة مقاعد في الحكومة المرتقبة فقط، بل يريد دوراً سياسياً أكبر. وما كان له ليحلم بهذا الوضع لولا الثغرة الكبيرة التي فتحها انسحاب الحليف الاستقلالي.

بيد أن مشاكل حكومة بن كيران لا تتوقف عند تأمين غالبية نيابية فحسب بل في الوفاء بتعهدات آلى على نفسه تنفيذها عند استلام السلطة، وبعدما كان الرأي العام يعول على وفائه بأجندة كثيفة من الوعود التي تطاول رفع الحد الأدنى من الأجور وممارسة إصلاحات جوهرية في ادارة الشأن العام تفتح منافذ الأمل أمام أفواج الطلبة من حملة الشهادات العاطلين من العمل وتحسين مستويات المعيشة، صارت كل هموم الحزب منحصرة في ادارة اللحظة السياسية، ثم الانصراف إلى وضع اليد على الجمر مع الإصلاحات الهيكلية، وفي مقدمها نظام المقاصة الذي يضغط صندوق النقد الدولي لعدم التراجع عن رفع الدعم الذي تقدمه الدولة للمواد الاستهلاكية الأساسية، مثل الزيت والسكر والدقيق ومشتقات المواد النفطية.

و «الحزب الإسلامي»، إذ يميل إلى الإفادة من خبرة «تجمع الأحرار»، كون زعيمه صلاح الدين مزوار عمل وزيراً للمال والاقتصاد في الحكومة السابقة. إنما يرغب في ضرب عصفورين بحجر واحد. من جهة يدفع بعربة الحكومة إلى الإقلاع خارج مربع الأزمة الذي رست فيه بلا حراك، ومن جهة أخرى يغازل المؤسسات النقدية الدولية التي كانت تجد في تجارب الحكومات السابقة محاورين مقبولين ومتفهمين.

بيد أن الرسالة التي التقطها رئيس الحكومة وشركاؤه الحاليون والمحتملون ضمت إقرار العاهل المغربي الملك محمد السادس بأن الحكومات السابقة أنجزت برامج تقويمية قادت أوضاع اقتصاد البلاد نحو الأفضل. المشكل أن حليفه السابق حميد شباط ردد كثيراً أن الحكومة الحالية ذات طابع استمراري. ولم يكن أحد يعيره الاهتمام. لولا أن الأزمات تدفع إلى معاودة قراءة الرسائل من جديد. وليس مثل استمرارية مهذبة ومتوازنة وطموحة وقابلة لتغيير الكثير من السلبيات.

Sign In

Reset Your Password