يمثل الصدع الذي شهدته العلاقات بين قطر وبعض جيرانها من دول الخليج العربية اختبارا محوريا للمجلس الذي وحد نظم الحكم الإقليمية في مواجهة العدو المشترك.
وتكافح الدول الست الاعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ سنوات لتحويل هذا التحالف من معاهدة أمنية بسيطة إلى اقتصاد متكامل. لكن خطط تكوين اتحاد جمركي وربط شبكات الكهرباء وتشكيل قيادة عسكرية مشتركة لم تخرج إلى حيز النور أو تكتمل حتى الان.
ويعزو منتقدو المجلس نقائصه إلى مشاعر الغيرة ونزاعات حدودية أو ما يرون أنه هيمنة السعودية أكبر الاعضاء على المجلس.
ويقول محللون إنه إذا لم يعد باستطاعة الحلفاء التوصل لاتفاق عام على كيفية التعامل مع المشاكل السياسية في المنطقة فإن الشكوك ستحيط بالغرض الاساسي من هذا التحالف.
وتمكن المجلس الذي يضم في عضويته إلى جانب السعودية وقطر كلا من الكويت والبحرين والامارات وعمان من البقاء موحدا في أوقات الخطر من الثورة الايرانية إلى اجتياح العراق.
تأسس المجلس عام 1981 لمواجهة الثورة التي أطاحت بشاه ايران قبل ذلك بعامين. ومع اندلاع الحرب العراقية الايرانية أصبح البقاء هو الشغل الشاغل للمجلس.
والآن تبدو الدول الاعضاء أكثر انقساما من أي وقت مضى حتى في الوقت الذي يزدهر فيه الاقتصاد في دول المجلس الذي يرى في نفسه صورة نادرة للاستقرار في منطقة مضطربة.
وكان العنوان الرئيسي لصحيفة الرأي الكويتية يوم الخميس “هل ينتحر الخليجي؟”
فلم يسبق أن شهدت المنطقة خلافا علنيا مثلما ظهر يوم الاربعاء من قرار السعودية والامارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة والاتهام شبه الصريح لقطر بأنها تتسبب في زعزعة الاستقرار الداخلي لهذه الدول.
“الإخوان”
وتشعر السعودية والامارات باستياء لدعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرانها عدوا سياسيا خطيرا. كما غضبت الدولتان من تأييد الدوحة للجماعات الاسلامية المتشددة في سوريا.
وفي فبراير شباط الماضي استدعت الامارات السفير القطري بعد أن ندد الداعية الإخواني يوسف القرضاوي بالامارات ووصفها بأنها تعارض الحكم الاسلامي وهو ما اعتبرته الإمارات إهانة.
ونقلت وسائل إعلام إماراتية عن وزير الخارجية القطري خالد العطية قوله إن تعليقات الشيخ القرضاوي لا تعكس وجهة النظر الرسمية لقطر. وقالت مصادر مقربة من القرضاوي إنه لن يتوقف عن التعبير عن آرائه.
وقال القرضاوي لرويترز إن السعودية تؤيد من ابتعدوا عن الله والاسلام في مصر مشيرا إلى السلطات الحاكمة بدعم من القوات المسلحة بعد الاطاحة بالرئيس الاسلامي المنتخب.
وتناصر السعودية وقطر جماعات متنافسة في صفوف المقاتلين المناهضين للحكومة السورية كما أنهما ودولا خليجية أخرى القوى الخارجية الرئيسية المؤيدة للاطراف الأساسية في كل من مصر واليمن.
وإذا اتحدت هذه الدول في العمل معا فبامكانها التأثير في التغيرات التي تشهدها المنطقة. أما انقسامها فيجازف بجر منطقة الخليج إلى مستنقع ما بعد الربيع العربي.
وقال دبلوماسي من إحدى دول الخليج العربية إن قرار استدعاء السفراء اتخذ بعد اجتماع لوزار خارجية مجلس التعاون الخليجي يوم الثلاثاء اتضح فيه أن قطر لن تغير نهجها.
وقال الدبلوماسي “بعد هذا الاجتماع قرر السعوديون والامارات والبحرين اتخاذ هذه الخطوة.”
وأضاف “هي خطوة سلبية للغاية في تجربتنا كمجموعة في هذه المنظمة.”
وقد سبق أن حدثت خلافات بين الأسر الحاكمة في الدول الست لكنها لم تصل إلى هذا الحد من العلانية أو ظهرت في مثل هذه الاوقات العصيبة.
وعلى النقيض مما كان يحدث في الماضي فليس بوسع دول الخليج أن تعول على حلفاء عرب أقوياء بجيوش كبيرة لدرء المخاطر الخارجية.
ويرى مواطنو دول الخليج في منطقتهم آخر حصن للأمن في العالم العربي في ضوء الصراعات التي يشهدها العراق وسوريا والفوضى في اليمن وليبيا وعدم الاستقرار في مصر وتأثر لبنان والاردن بما يجري في الدول المجاورة لهما.
“تنافس الأشقاء”
ويسخر منتقدو مجلس التعاون الخليجي من فشله في انجاز ما وعد به مثل إصدار عملة موحدة. ورغم مشتريات السلاح الضخمة يظل أعضاء المجلس معتمدين في الدفاع عن بلادهم على تحالفات مع القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ورغم قوة الأواصر التي تربط الدول الخليجية فقد شهدت خلافات تراوحت من ترسيم الحدود والسياسة الخارجية إلى انتقاد بعض الحكام في وسائل اعلام بدول أخرى.
وشهدت السعودية وقطر بصفة خاصة سلسلة من النزاعات وصلت إلى حد اشتباك حدودي عام 1992 أدى إلى سقوط عدد من القتلى بالاضافة إلى عدم وجود سفير سعودي في الدوحة لمدة خمس سنوات بدءا من 2002 بعد خلافات بسبب ما تبثه قناة الجزيرة.
ووقع خلاف أيضا بين قطر والامارات في التسعينات عندما منحت دبي حق الاقامة لأمير قطر الأسبق الذي أطيح به عام 1995 كما وقع اشتباك بين قطر والبحرين. وحدثت خلافات على نطاق أصغر من آن لاخر بين السعودية وسلطنة عمان والامارات.
وكثيرا ما أدت هذه الخلافات بالإضافة إلى بطء وتيرة المجلس في العمل على إنشاء اتحاد أقوى إلى خلل أساسي يتمثل في ضخامة عدد سكان المملكة العربية السعودية الذي يتجاوز سكان بقية الدول مجتمعة.
ويقول محللون سياسيون إن بعض الدول الأصغر ترى في المجلس أداة لدعم السياسات السعودية.
وقال مصدر وثيق الصلة بالحكومة القطرية “القيام بدور الوساطة في المنطقة أزعج حكومات كثيرة تعتقد أننا صغار جدا. لكننا هنا لنقول أننا لسنا صغارا. نحن نؤمن بدورنا وسنستمر.”
“إحباط سعودي”
وبالنسبة للسعودية بصفة خاصة فإن الفرقة مدعاة للشعور بالإحباط. فقد ضغطت الرياض منذ أواخر عام 2011 لكي يشكل مجلس التعاون اتحادا أقوى على أساس سياسة خارجية وأمنية مشتركة.
وكانت هذه المبادرة من بنات أفكار الملك عبدالله بن عبد العزيز عاهل السعودية وظهرت استجابة لتطورات الربيع العربي ومخاوف من تدخل ايراني كما أنها تمثل ركنا أساسيا في جهود السعودية لتقليل الاعتماد على الغرب.
إلا أن سلطنة عمان قالت صراحة في ديسمبر كانون الأول إنها لا تريد أن تكون طرفا في مثل هذا الاتحاد وذلك بعد أسابيع من إغضاب الرياض بتسهيل محادثات سرية بين الولايات المتحدة وايران يخشى السعوديون أن تؤدي إلى تخفيف الضغط الدولي على ايران.
وبقيت الكويت خارج الملعب هذا الأسبوع وتحدثت عن القيام بدور الوساطة عندما يعود أميرها من رحلة علاجية في الخارج لكنها أحجمت عن المشاركة في الضغط على قطر.
وقال سعود السرحان مدير الابحاث بمركز الملك فيصل للابحاث والدراسات الاسلامية في الرياض إن السعوديين متمسكون بقوة بوحدة الدول الخليجية ويريدون من الدول الأخرى أن تقوم بنصيبها من المسؤوليات تجاه شعوب الخليج.
وأضاف أن السعودية تتولى الزمام في الأمن الاقليمي والعربي وتعمل ببطء على وضع نهاية لعصر الاعتماد على الشركاء الأجانب في الأولويات الاستراتيجية.