الرئيس بايدن يحيي نظرية المؤامرة المتعمدة أو تسرب فيروس كورونا من مختبرات الصين

الرئيس الأمريكي جو بايدن

كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يشك في مصدر فيروس كورونا الذي تسبب في أكبر جائحة في العالم منذ جائحة أنفلونزا الإسبانية (1918-1920) ويتهم الصين بالوقوف وراءه. وكانت العديد من وسائل الإعلام تسخر منه وتتهمه بأنه ضحية فكر المؤامرة. وفجأة، أصبح الرئيس الجديد للولايات المتحدة الديمقراطي جو بايدن بدوره يلمح لمسؤولية الصين  بطريقة أو أخرى، وطالب يوم الأربعاء من الأسبوع الجاري الاستخبارات في بلاده بالتحقيق في مصدر الفيروس للتوصل إلى نتيجة نهائية. وهو بهذا يعكس قلق الباحثين الأمريكيين الذين يعتقدون في دور للإنسان في هذا الفيروس. ويعد قرار بايدن تأكيدا على تفاقم الحرب الباردة بين واشنطن وبكين.
ومنذ انتشار فيروس كورونا في العالم، انتعشت نظرية المؤامرة وانتعش فكر المؤامرة في التعاطي مع هذه الجائحة. ويعتبر علماء النفس ميل الناس إلى نظرية المؤامرة طبيعيا لسببين، فمن جهة، الضغط النفسي واليأس الذي تسببت فيه الجائحة، ومن جهة أخرى، رفض فكرة عجز البحث العلمي في مجال الطب عن إيجاد دواء سريع لمواجهة الفيروس.
وعمليا، انقسم الخبراء حول مصدر الفيروس إلى ثلاثة أقسام، طرف يستحضر تاريخ الأوبئة والجائحات في تاريخ الإنسانية، وطرف يستحضر المؤامرة، وطرف ثالث يتحدث عن «حادث مرور» أي تسرب الفيروس عن طريق الخطأ. وكل طرف يمتلك من الأدلة الكافية للإقناع، وهو ما يتجلى في الانقسام الحاصل ليس فقط وسط الخبراء وعلى مستوى الدول كما هو الشأن مع رئيس الولايات المتحدة بل على مستوى الرأي العام العالمي.

فيروس عادي

ويذهب جزء من الأبحاث إلى اعتبار ظهور فيروس يتسبب في جائحة ويحكم على العالم بالحجر الصحي وما يترتب عنه من توقف شبه تام للحياة الاقتصادية والاجتماعية في مختلف الدول أمرا طبيعيا في تاريخ البشرية. ويستحضر الخبراء أدلة، فقد ضربت الفيروسات البشرية في حقب مختلفة ومنذ بدء الإنسان العيش في تجمعات كبرى يسهل فيها انتقال المرض. ويمكن الحديث عن وباء الطاعون أو «الموت الأسود» الذي ضرب العالم في القرن الرابع عشر وأتى على قرابة ثلث سكان أوروبا وشمال أفريقيا وعدد مماثل في مناطق من آسيا. ثم جائحة الأنفلونزا الإسبانية خلال الربع الأول من القرن العشرين حيث خلفت قرابة 80 مليونا من الوفيات وأصابت ربع البشرية. ويقول هؤلاء الخبراء أن العالم قديما لم يكن يعرف التنظيمات الدولية التي يفترض أنها تتحكم في العالم وتسيره.
في الوقت ذاته، تذهب مختلف الدراسات إلى أن الخطر الحقيقي الذي يهدد البشرية ليس حربا نووية أو تعرض الكرة الأرضية إلى نيزك عملاق من الفضاء كما تفيد نظرية نهاية الديناصورات منذ 250 مليون سنة، بل الاحتمال القوي هو ظهور فيروس قاتل لا يمكن السيطرة عليه لسنوات طويلة. وسيجعل الجنس البشري ينقرض تدريجيا حتى تصبح هناك أقلية من البشر.

حادث المرور:

وحادث المرور ويعني وقوع حادثة تؤدي إلى تسرب شيء ما، وفي هذه الحالة تسرب الفيروس من مختبر مختص في دراسة الفيروسات. ومن أغرب الصدف في هذه الجائحة هو أن مكان ورصد وظهور الفيروس، أي سوق مدينة ووهان، لا يبعد سوى ببضع مئات من الأمتار عن مختبر ووهان للفيروسات الذي كان يجري أبحاثا على فيروسات عديدة ومنها فيروسات عائلة كورونا. القرب الجغرافي بين السوق الذي سجل أولى حالات الإصابات بفيروس كورونا والمختبر يعتبر حاسما وسط بعض الأوساط العلمية للتأكيد على مصدر الفيروس ونظرية «حادث المرور».
وهنا يتم استحضار نظرية الباحث الفرنسي الشهير المختص في فيروس السيدا لوك مونتيني الذي قال يوم 17 نيسان/أبريل من السنة الماضية «فيروس كورونا في نسخته SARS-CoV-2 قد يكون تسرب من المختبر، حيث كان يتم إجراء تجارب لمواجهة فيروس السيدا». ويشكك هذا الباحث في نوعية بنية الفيروس التي يراها مختلفة عن بنية الفيروس الطبيعي. تصريحات مونتيني أحدثت ضجة في العالم، فهذا الخبير هو باحث معروف حصل على نوبل في الطب سنة 2008 وأول من اكتشف فيروس السيدا. وفي الوقت ذاته، تجري تجارب عالمية حول الفيروسات بهدف إنتاج الدواء لبعض الأمراض التي تخلفها مثل فيروس السيدا، وسبق لفيروسات أن تسربت ولم تحدث ضجة لأنها لم تسبب في جائحة عالمية. لم تقنع نظرية مونتيني الكثير من الباحثين واعتبروها مبالغة علمية، في حين رحب بها آخرون، والآن تأخذ قوتها من جديد.
وتوجد سابقة تاريخية، إذ هناك شبه إجماع وسط العلماء بأن الجائحة المحدودة التي ضربت جزءا من العالم ما بين سنتي 1977-1979 وتعرف بـ «أنفلونزا 1977» هي نتيجة تسرب فيروس من الاتحاد السوفييتي أو الصين. وتسرب الفيروس لا يعني بالضرورة وجود مؤامرة بل فقط خطأ ترتبت عنه عملية التسرب. وبدأت المجلات العلمية الكبيرة مثل نايتر وساينس تنشر أبحاثا علمية تتحدث عن فرضية الترسب بعدما كانت ترفضها.

نظرية المؤامرة:

تفيد نظرية المؤامرة، وترتكز على معطيات قد تكون واقعية، أن جائحة فيروس كورونا هي نتاج عملية مخطط ومدبر لها وبالتالي هي أول حرب بيولوجية حقيقية تشنها دولة ما ضد مجموعة من الدول. وهذه النظرية تتهم الصين بالوقوف وراء فيروس كورونا لضرب الغرب في إطار الحرب الدائرة بين الطرفين من أجل زعامة العالم. وأول من روج لهذه النظرية هو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي اتهم الحزب الشيوعي الحاكم في الصين بالوقوف وراء هذه المؤامرة لضرب الغرب. وطالب بتحقيق دولي بل ومحاكمة هذا البلد ومطالبته بآلاف المليارات من الدولارات كتعويض. ويعتمد أصحاب هذه النظرية على ثلاثة عوامل، وهي:
في المقام الأول، مصدر الفيروس هو الصين، حيث أن النسبة المحدودة من الإصابات التي لم تتعد المئة ألف وبضع آلاف من القتلى رغم كثافة السكان البالغ مليار و400 مليون نسمة. وهذا يدفع أصحاب نظرية المؤامرة إلى القول باستعداد الصين مسبقا لمواجهة الجائحة من خلال الحجر الاستباقي للتحكم في خريطة انتشار الفيروس واحتواءه.
في المقام الثاني، تشديد الولايات المتحدة على وجود باحثين صينيين من مختبر ووهان ظهرت عليهم أعراض المرض خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2019 أي شهر قبل تاريخ إعلان الفيروس، ثم القرب الجغرافي بين المختبر والسوق الذي سجل رسميا أولى الحالات.
وفي المقام الثالث، الهدف من تسريب الفيروس هو ضرب اقتصاد الغرب حتى تنجح الصين في قطع أو اختصار المسابقة لزعامة العالم. وعمليا، بعد الجائحة، أصبحت مراكز التفكير الاستراتيجي تتحدث عن هذه الفرضية أي زعامة الصين للعالم في الثلاثينيات بدل انتظار نهاية الأربعينيات من القرن الجاري. وكان جزء من الاستخبارات الغربية ومنها الأمريكية يعتقد في فرضية المؤامرة. وبدورها، تعتقد عدد من الدول خاصة الغربية في فرضية المؤامرة، وإن كانت لا تعرب عن ذاك علانية، ولهذا تؤيد كل المبادرات وسط منظمة الصحة العالمية التي ترغب في إجراء تحقيق مستقل في الصين حول مصدر الفيروس وكيف انتشر. وتوجد معطيات مقلقة، وهو العثور على الفيروس في المياه العادمة في مدن أوروبية منها ميلان وبرشلونة تعود إلى شهر اذار/مارس ونيسان/أبريل 2019 أي شهور قبل الظهور الرسمي للفيروس.

اشتعال الحرب الباردة

يوجد إجماع وسط الباحثين المهتمين بمستقبل العلاقات الدولية ببدء مرحلة جديدة من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين. ومن القرارات التي تزيد من هذه الحرب الاتهامات المتبادلة بين بكين وواشنطن. وإذا كان بايدن قد طلب من استخبارات بلاده تحقيقا رسميا في مصدر الفيروس، فقد شككت الصين في المصدر واتهمت رياضيين أمريكيين بحمل الفيروس إلى ووهان خلال تشرين الأول/أكتوبر 2019 بمناسبة الألعاب العسكرية العالمية التي احتضنتها المدينة وقتها.
وكان رد بكين قويا على مبادرة الرئيس بايدن بإصدار بيان يقول «الجميع في العالم يعرف التاريخ الأسود للاستخبارات الأمريكية» وهو حكم مسبق على النتائج التي قد تتوصل لها هذه الاستخبارات، أي التلاعب والتغليط لتحميل الصين المسؤولية.
ومن الأحداث المرتبطة بقرار الرئيس الأمريكي هو قرار شركة فيسبوك التي كانت تمنع نشر الأخبار حول فرضية المؤامرة والتشكيك، أصبحت منذ الخميس الجاري تسمح بنشر مختلف النظريات حول مصدر الفيروس. وبهذا، ستصبح شبكات التواصل الاجتماعي مسرحا للمواجهة وبدأت باحتضان أولى جولات الحرب الباردة بين أنصار الفيروس الطبيعي وبين أنصار نظرية المؤامرة.

Sign In

Reset Your Password