الحكومة الإسبانية المقبلة: ائتلاف بقيادة يمينية أم يسارية؟ أحمد بنصالح الصالحي

زعماء الأحزاب الإسبانية

Salhi1 أياما قليلة على اقتراب موعد انعقاد جلسة كسب الثقة بالنسبة لرئيس الحكومة الإسبانية المقبلة، المزمع إجراؤها مطلع شهر مارس 2016، يبدو على الأرجح، وفقا لتطورات الأمور، أن مهمة بيدرو سانشيز، زعيم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني المكلف من طرف ملك اسبانيا فليب السادس بتشكيل الحكومة، ليست أبدا باليسيرة. فبعدما تعذر الأمر على سابقه في ذلك ماريانو راخوي، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، بسبب عدم توفره على النصاب الكاف من الأصوات لتزكيته و بذلك تنصيبه رئيسا لذات الحكومة لولاية حكومية ثانية، تأكدت بالأمر الواقع، صعوبة الموقف، بالنظر إلى تعقيدات الأمر الكثيرة و اكراهاته و تشعباته.

فبتعذر ماريانو راخوي، صاحب أكبر عدد من المقاعد بالانتخابات التشريعية ليومه 20 من دجنبر (122 مقعد من مجموع 350) و اعتذاره عن المسؤولية و تعثر بيدرو سانشيز، صاحب ثاني أكبر عدد من ذات المقاعد (90 مقعد) يبدو أن نسبة المقاعد ليست مفتاح المسألة، و إنما القدرة على استقطاب الأحزاب ذات التمثيلية البرلمانية الأكبر. فالقادر على تقديم برنامج تجد فيه الغالبية نفسها و القادر على تدبير العملية التفاوضية بنجاح مع مخاطبيه و التحكم بمجرياتها و التأقلم مع تفاعلاتها و القادر على تهدئة الوضع عند احتدام الأمور و المستعد لتقديم تنازلات و له قابلية الانصات و القدرة على الإقناع هو من سيكسب حقا ثقة مخاطبيه.

أمَّا بالعودة إلى لب الموضوع، تكليف بيدرو سانشيز بإعداد الحكومة، فالأمر يبدو عمليا صعبا عليه، بقدر ما يعد صعبا على غيره مثلما صعُب على سابقه. لذلك، يرتقب بالنظر إلى واقع الأمور، استحالة حصوله على الأغلبية المطلقة (أكثر من 175 صوت) بالمرحلة الأولية للتصويت مثلما قد يصعب عليه انتزاع الأغلبية العددية بالمرحلة الثانية. فبالرغم من اتفاقه مع حزب “مواطنون” (40 مقعد) على تنصيبه رئيسا للحكومة، فالأمر لم يحسم بعد، حيث أن مجموع الأصوات سيصبح فقط (130) و هو بعيد عن ضمان التنصيب، و لو بالأغلبية العددية، خاصة إذا استحضرنا أنه بهذا الاتفاق مع اليمين-الوسط، فقد بيدرو سانشيز اليسار.

فباتفاق ‘الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني’ ذو التوجهات اليسارية-الاشتراكية مع حزب ‘مواطنون’ ذو التوجهات اليمينية-الليبرالية، فقد بقية الأحزاب اليسارية. أساسا حزب ‘نستطيع’ (60 مقعد) و الأحزاب القومية و الانفصالية، نظرا لمقاطعهم لحزب ‘مواطنون’ لمعارضته استفتاء تقرير المصير بإقليم كاتالونيا. لذلك، فالصعوبة بالنسبة لبيدرو سانشيز تتجلى في امكانية نجاحه في توزينه ما بين مصلحة اسبانيا العليا و المطالب قومية و التحديات انفصالية، و ذلك بإجرائه تعديلات دستورية و إصلاحات سياسية و ترابية، مستعملا في ذلك التسويات و التفاهمات و الترضيات و الإغراءات و الامتيازات، لتجاوز التعقيدات و الصعوبات و العقبات.

إنها مهمة صعبة للغاية و صعوبتها تكمن في أن تشعباتها و متاهاتها أضاعت و ما زالت تُضيع على بيدرو سانشيز الكثير من الوقت. لذلك، قد يكون على الأرجح مصير بيدرو سانشيز، إذا استحضرنا امكانياته المحدودة و المُقيدة و اكراهاته الكثيرة و الصعبة، الاستسلام للأمر الواقع. أمَّا الامكانية الوحيدة القادرة على إنقاذ بيدرو سانشيز من موقفه الصعب، الغير المحسود عليه، فليست غير امتناع حزب “نستطيع” بمقاعده 90، إلا أنها بدورها امكانية صعبة. فحتى و إن تحققت هذه الأرجحية، فإنها لن تدفع إلا بحكومة هشة. لذلك يُنتظر، إذا تعثرت هذه الامكانية الوحيدة، فالخيار الأخير هو إجراء انتخابات الإعادة صيف السنة الجارية.

المُستفيد الكبير من وضع بيدرو سانشيز هو الحزب الشعبي (اليمين-المحافظ) حيث يتفرج عليه و هو يَنزِف و يُستنزف. فالحزب الشعبي سيزيد من تصعيب المهمة على بيدرو سانشيز، حيث أنه لن يؤيد أية حكومة لن يرأسها و ذلك بالتصويت عليها بلا أو الامتناع عن التصويت عليها، نظرا لتشبثه برئاستها باعتبارها الحزب الأكثر تصويتا بالانتخابات. فباعتذار ماريانو راخويو للملك فليب السادس عن تعذر تشكيل الحكومة، يكون الأخير (ماريانو) تعمَّد على الأرجح القيام بذلك بعدما عاين نتائج الانتخابات و طالع على تقارير حزبه الداخلية و أوراقه الضاغطة، و تبيَّن له الخيط الرفيع، و قرر استنزاف بيدرو سانشيز، بتوريطه في متاهة كسب الثقة.

فماريانو راخويو و حزبه و الملك و المؤسسات الإسبانية يعرفون تمام المعرفة بأن مهمة بيدرو سانشيز شبه مستحيلة، مثلما يعرفون كذلك بأن اسبانيا غير مستعدة للمقامرة بحكومة مشكلة عدة أطياف سياسية على الشاكلة الايطالية أو تكرار الحالة البرتغالية حيث يتزعم اليسار حكومة ائتلافية رغم حلوله ثانيا بانتخابات تصدرها اليمين من حيث التصويت. فالحزب الشعبي يدرك بأنه يحكم سيطرته على الغرفة السفلى بالبرلمان و بوسعه نظرا لتوفره لوحده على الأغلبية عرقلة أية تعديلات أو اصلاحية قد تعصف باستقرار اسبانيا، إذا قدَّر، انطلاقا من منظوره للمصلحة الاسبانية، بأنها ليست في صالح اسبانيا، وذلك بحسب تصوره للإصلاح.

أمَّا عمليا، فإكراهات الحزب الشعبي نفسه بدوره كثيرة، حيث أن الحزب تقريبا شبه وحيد بالبرلمان بسبب معاناته من العديد من الفضائح الأخلاقية بسبب قضايا فساد تهم اختلاسات مالية وتحويلات غير قانونية و كذا معاناته من سخط قواعده الشعبية و ضغوطات الإعلام و الأوساط الاقتصادية، ما يصعب عليه رئاسته للحكومة بسهولة. و بناء على ذلك، فمن قام مُسبقا، بالإسراع بالتقدير بأن ماريانو راخويو، يعد عبيطا سياسيا، بعدما اعتذر للملك، فقد تناسوا أو تجاهلوا أو أغفلوا، عنوة أو غفلة، امكانية تصرفه مسبقا باستراتيجية بحسابات دقيقة، للفوز بقيادة الحكومة الاسبانية من جديد، بعد استنزاف بيدرو سانشيز أو بانتخابات الإعادة.

إلا أن الأرجح، بشبه تكافؤ الأحزاب من حيث المقاعد و تقارب الكتلة اليمينية من الجبهة اليسارية و تمسك جميع الأطراف بأحقيتها و واجبها، بنرجسية و تعصب، إجراء انتخابات الإعادة بالصيف، لعلَّها تفرز امتيازا تفضيليا عدديا لطرف بعينه على حساب الآخر، ليقوم بأريحية، بإعداد تشكيلة تتوفر فيها الحدود الدنيا من الحكومة القوية القادرة على التغيير و الإصلاح. فإصلاح الدستور مثلا، للتنفيس على البلاد، بحاجة إلى ثلثي أصوات البرلمان (233-210). أمَّا اسبانيا اليوم فبحاجة لعملية انتقالية ثانية تخرجها من الركود و تدخلها للدينامية، نظرا لتواجدها بمفترق طرق و يبدو أنها تفقد البوصلة السياسية المحددة لتوجهاتها المستقبلية.

أمَّا الأسوأ فهو أن اسبانيا اليوم منقسمة. فهناك قسم من الساسة يدعو إلى احترام الدستور و وحدة البلاد و مصلحة اسبانيا و قسم يدعو، بالجهة المقابلة، صراحة و علانية إلى إجراء تعديلات دستورية أكثر ديموقراطية و استقلالية أكثر انفتاحا للحكومات الذاتية في إطار الفيدرالية، بهدف احتواء استفتاء تقرير مصير إقليم كاتالونيا. أمَّا إحداث جبهة شعبية، للحفاظ على استقرار اسبانيا و حمايتها من النزعات الانفصالية فحظوظها قليلة، نظرا لتقاطع المصالح و اختلالات موازين القوة بإسبانيا، حيث سترسخ التفرقة بإسبانيا و ستؤجج فتنة الأقليات من جديد و تقوم، إذا تحققت، بتقوية حزب “نستطيع”، إذا تموقع رغما عنه بالمعارضة.

فإذا وجد حزب “نستطيع” ذو التوجهات اليسارية الراديكالية نفسه بالمعارضة، مرغما على ذلك، فالمسألة ستخدم مصالحه مستقبلا، حيث سيظهر على أنه مستهدف من الأحزاب التقليدية و ضحية مؤامرة للحيلولة دون وصوله للسلطة، تحت ذريعة تهديد مصالح اسبانيا، بينما الأخير يُعد نتاجا للسياسة الإسبانية و ينشط بالسياسة بإسبانيا وفقا للقوانين و التشريعات الإسبانية. فإذا تموقع حزب “نستطيع” بالمعارضة، فبدون تأكيد، سيكسب الكثير، حيث سيشتد عوده أكثر تنظيميا و سيتطرف أكثر ايديولوجيا و سيربح سياسيا و سينجح انتخابيا، و حينها ستصبح اسبانيا مهددة فعلا و ستنقسم أكثر مما عليه و ستتسع بها الفجوة أكثر فأكثر.

أحمد بنصالح الصالحي: مهتم و متتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية و المغربية-الأمريكية اللاتينية

Sign In

Reset Your Password