الحرب ضد سوريا: بين ضربة محدودة ورمزية أو ضربة تقود الى حرب كارثية تغير الشرق الأوسط/د.حسين مجدوبي

سفن روسية في طريقها الى المياه السورية

يراقب العالم باهتمام كبير تطورات استعمال السلاح الكيماوي في الأزمة السورية بسقوط أكثر من ألف قتيل الأسبوع الماضي. وهذا الحادث الذي ندد به العالم ويتفق على ضرورة معاقبته الجناة يقسّم هذا العالم بشأن أي عملية عسكرية. ويسود تصوران، الأول ويتمثل في عملية دقيقة ومحدودة ضد قوات الأسد إنقاذا لوجه ماء الغرب، والثاني يسير نحو احتمال حرب تقترب من مفهوم حرب شاملة في الشرق الأوسط وذات أبعاد كارثية بحكم تصارع القوى الكبرى ونوعية الأسلحة التي سيتم استعمالها في المواجهة.

وشهدت الحرب الأهلية السورية حتى الآن سقوط أكثر من مائة ألف بين مدنيين عزل وقوات عسكرية وأمنية، لكن سقوط 1300في الغوطة بالقرب من دمشق بسلاح كيماوي يثير جدلا عالميا. ويبقى الفارق أن المائة ألف سقطوا على مدار سنتين ونصف بسلاح كلاسيكي أما 1300 فقد سقطوا دفعة واحدة في ظرف دقائق معدودة. وإذا جرى التغاضي عن استعمال السلاح الكيماوي الذي يتوفر عليه نظام بشار الأسد وكذلك الجيش الحر وأساسا الجماعات الدينية المتطرفة وقتها لن تتحدث الأخبار عن سقوط العشرات أو قرابة المائة بل الآلاف يوميا.

ويوجد إجماع عالمي على ضرورة معاقبة الجناة الذين استعملوا السلاح الكيماوي لأنه يشكل خطا أحمرا في النزاعات، ويصرح الرئيس السابق لمنظمة أطباء بلا حدود، روني برومان لجريدة لوموند يوم 29 غشت أن “السلاح الكيماوي خط أحمر ويجب ضرب أهداف معينة في سوريا كرد على استعماله”. وتصريح رئيس منظمة مثل أطباء بلا حدود بالحث على الحرب المحدودة يعود أساسا الى وعيه بخطورة هذا السلاح.  ويوجد إشكال حقيقي في نوعية العقاب وتجاه من لاسيما وأن مآسي التدخل الأمريكي-البريطاني في العراق مازالت حاضرة بقوة في أذهان الرأي العام.

ويحمّل الغرب ومن يدور في فلكه بما في ذلك المغربفي بين صادر عن وزارة الخارجية الاثنين من الأسبوع الجاري النظام السوري مسؤولية استعمال السلاح الكيماوي في الغوطة ضد المدنيين، بينما تطالب دول كبرى مثل روسيا والصين والبرازيل انتظار نتائج تحقيق مفتشي، ويتم التذكير باستعمال المعارضة للسلاح الكيماوي بشكل محدود في مايو الماضي.

وما بين السبت الماضي والثلاثاء من الأسبوع الجاري كان الجميع يعتقد أن الضربة العسكرية الأمريكية-البريطانية الفرنسية وشيكة الوقوع ومسألة ساعات، لكن ابتداء من اليوم الأربعاء بدأ التريث يفرض نفسه. ومن الأسباب الرئيسية لهذا التريث الحاصل فجأة نجد:

-موقف الرأي العام العالمي الذي يرفض تكرار سيناريو العراق سنة 2003 عندما جرى الحديث عن أسلحة دمار شامل وترتب عنها حرب كارثية، تبين ولاحقا لم تكن هناك أسلحة من هذا النوع في حوزة نظام صدم حسين. إذ يطالب الرأي العام العالمي بانتظار نتائج التحقيق الأممي. وهذا المطلب هو الذي دفع الإدارة الأمريكية والبريطانية الى الانتظار بل القول أنه لم يتم بعد الحسم في العمل العسكري بل انتظار نتائج التحقيق الأممي كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه ورئيس الحكومة البريطانية دفيد كاميرون.

-الشرخ الحاصل في الغرب بين بريطانيا والولايات المتحدة كطرف وباقي الشركاء مثل المانيا واسبانيا وكندا وفرنسا وهي الدول التي تنادي بانتظار نتائج التحقيق وترفض الدخول في مغامرة عسكرية قد تزيد من الصعوبات الاقتصادية للبعض منها. ويتم الإصرار على الأدلة لأن الدليل الوحيد المتوفر حتى الآن هو تسجيل صوتي  عبر الهاتف لمجموعة من الضباط السوريين يتحدثون عن استعمال السلاح الكيماوي تؤكد المخابرات الأمريكية أنها قامت بالتقاطه. والمفارقة أن حزب العمال البريطاني رفض اي مغاكرة عسكرية حنى انتظار نتائج الأمم المتحدة، كما أن البرلمان البريطاني رفض هذه المغامرة العسكرية في تصويت له الخميس من الأسبوع الجاري.

-تخوف بريطانيا والولايات المتحدة من انفلات الأمور من السيطرة في ظل تحذيرات روسية  جدية لاسيما بعدما قررت موسكو إرسال سفن حربية متطورة الى المياه المقابلة لسورية. وتعتبر سوريا الحليفالوحيد لروسيا في الشرق الأوسط وتوفر لها القاعدة الوحيدة التي لها في المنطقة، قاعدة طرطوس.

ورغم كل هذا، تبقى الضربة العسكرية واردة ومرجحة لأن الغرب يريد إنقاذ ماء وجهه ووضع حد لاستعمال السلاح الكيماوي. ويجري الحديث عن تصورين، ضربة محدودة أو ضربة شاملة قد تقود المنطقة الى حرب كارثية قد تكون الأخطر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية.

وحول الضربة الأولى، تبقى ضربة مركزة على المراكز والمواقع التي تأوي الأسلحة الكيماوية واردة للغاية، بل ويجري الحديث عن اتفاق ما حاصل بين القوى الكبرى أن تكون الضربة رمزية كعقاب على خرق النظام السوري الخط الأحمر دون أن تؤدي الى تغيير موازين القوى في الحرب السورية أو انهيار النظام.

وحول الحرب الشاملة، وهو السيناريو الذي يتخوف منه الجميع من أن يسفر ضرب نظام بشار الأسد على رد من القوات السورية بصواريخ تجاه العربية السعودية والأردن وإسرائيل إذا أحس أن التدخل العسكري قد يؤدي الى انهياره التام. ومما سيساعد النظام السوري، توفره على أسلحة روسية وإيرانية متطورة، وفي الوقت ذاته على قاعدة شعبية تتجلى في الطائفة العلوية التي لن تتخلى عنه. وغذا وقع هجوم على إسرائيل وردت، وقتها سيتدخل حزب الله وإيران ونكون أمام سيناريو سيعيد ترتيب المنطقة تاريخيا.

ويمكن اعتبار  الحرب الشاملة التي ستندلع شبيهة بالحرب العالمية الثانية في خطورتها لأنها سشتمل عددا من دول المنطقة وسيتم فيها استعمال آخر أنواع الأسلحة الأمريكية والروسية والإيرانية والبريطانية والفرنسية خاصة الصواريخ، وهو ما سيجعلها مفتوحة على كل الاحتمالات ومن نتائجها المباشرة تغيير الخريطة جيوسياسية في الشرق الأوسط.

ويبقى السيناريو الوارد هو الأول، ضربات رمزية وربما قد لا تكون. لكن يبقى التساؤل، ماذا لو تبين أن مصدر الأسلحة الكيماوية هو الجماعات المتطرفة؟

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password