السلبيات المرتقبة لقرار المحكمة الأوروبية إلغاء الاتفاقية الزراعية المغربية-الأوروبية على ملف الصحراء

المحكمة الأوروبية

قررت المحكمة الأوروبية في حكم لها يوم 8 ديسمبر 2015 إلغاء اتفاقية التبادل الزراعي والمنتوجات البحرية بين المغرب والاتحاد الأوروبي بسبب ما تعتبره تضمينها لمنتوجات الصحراء المغربية. والقرار يعتبر ضربة للدبلوماسية المغربية في هذا النزاع لتزامنه مع دخول الملف منعطفا حساسا في الأمم المتحدة. ويأتي القرار ليكشف عن غياب الحس الاستباقي لكل مكونات الدولة المغربية التي تتولى تسيير هذا الملف بل ارتكاب أخطاء قاتلة أدت الى مثل هذا القرار.

ويوجد حذر وسط الدولة المغربية بسبب هذا الحدث وما يمكن أن يترتب عنه، حذر شبيه بالذي ساد منذ سنتين حتى قال الملك محمد السادس في خطاب له في افتتاح البرلمان يوم 11 أكتوبر 2013 “وضع الصحراء صعب للغاية”. ومن خلال المقارنة، فوضع الصحراء حاليا بالنسبة للمغرب أصعب بكثير على المستوى الدولي من سنة 2013، ويأتي قرار المحكمة الأوروبية ليكون نكسة للدبلوماسية المغربية. كما يأتي لتتوالى الصعوبات التي يواجهها المغرب خلال السنتين الأخيرتين.

وعلاقة بهذه النقطة، فقد اتخذت الولايات المتحدة موقفا سلبيا برغبتها تكليف المينورسو مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء قبل تراجعها، ثم قرار الاتحاد الإفريقي بتبني سياسة غير ودية تجاه المغرب، وتلويح السويد الاعتراف بما يسمى جمهورية البوليساريو والتوتر بين المغرب والأمم المتحدة.

قرار خطير

وقرار المحكمة الأوروبية يعتبر منعطفا خطيرا في ملف الصحراء على المستوى الدولي وهو ما دفع بالدولة المغربية عبر وزير الاتصال مصطفى الخلفي القول بأن “القرار سياسي”. وفي الوقت ذاته، دفع بوزارة الخارجية الى إصدار بيان فيه تناقضات بين القول بعدم التشكيك في الاتفاقية وبين التهديد بإجراءات للرد. ومن ضمن والانعكاسات المقلقة في هذا الملف التي ستمس مصالح المغرب هي:

القرار يأتي كحلقة بارزة لصراع توظيف الموارد الطبيعية الذي خاضته جبهة البوليساريو خلال السنوات الأخيرة ضد المغرب، وينتهي بقرار لصالحها من طرف المحكمة الأوروبية.

يمكن تلخيص نص الحكم في عريض وهو “المحكمة الأوروبية لا تعتبر الصحراء أرضا مغربية” وتعتمد في ذلك على عدم اعتراف أي دول عضو من الاتحاد الأوروبي بمغربية الصحراء. ولو كانت دولة أوروبية واحدة قد اعترفت بمغربية الصحراء لكان الأمر مختلفا، ولما كانت المحكمة الأوروبية قد أصدرت قرارا من هذا النوع. وهنا يدخل حقيقة الدعم الفرنسي هل هو شكلي أم عميق، فرنسا لم تعترف بمغربية الصحراء بل تدعم فقط بعض مواقف المغرب. ولو اعترفت رسميا بمغربية الصحراء لما صدر هذا قرار المحكمة الأوروبية.

القرار يصدر من مؤسسة قضائية لأهم شريك سياسي واجتماعي واقتصادي للمغرب وهو الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فالقرار سيلزم الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في بعض بنود الاتفاقيات الزراعية والصيد البحري الموقعة مع المغرب. وسيحدث مثلما حدث سنة 2011 عندما ألغى البرلمان الأوروبي اتفاقية الصيد البحري وأعاد التفاوض بشأنها مع المغرب مع بنود خاصة بالصحراء تمس السيادة المغربية. وبهذا ينضاف رأي قضائي للمحكمة الأوروبية الى الرأي القضائي للاتحاد الإفريقي الذي يطالب بوقف تصدير منتوجات الصحراء على أنها مغربية والاحجام عن الاستثمار. وعمليا، القرار القضائي يجر الى مواقف سياسية تسند له وترتبط به.

o-MAROC-UE-facebook

القرار سيطبق كذلك على اتفاقية الصيد البحري، فقرار المحكمة يشمل القطاع الزراعي والمنتوجات البحرية القادمة من الصحراء مثل المعلبات والمصبرات، ولا يمس رخص الصيد البحري. وتوجد دعوى أخرى قدمها البوليساريو الى القضاء الأوروبي ضد اتفاقية الصيد البحري الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

القرار سيمتد الى أبعد من الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي وسيعمل على تشجيع دول أوروبية على اتخاذ قرارات منفردة اتجاه المنتوجات القادمة من الصحراء. وكان الرأي العام المغربي قد تابع باهتمام الأزمة بين السويد والمغرب على خلفية قرار السويد منع توزيع منتوجات قادمة من الصحراء وكذلك تشجيع دول أوروبية أخرى في هذا الشأن وأساسا الدول الاسكندنافية وبريطانيا وإيرلندا. ومنذ أسابيع، توجد محاولات من طرف عدد من النواب الذين يرغبون في فرض علامة خاصة عل المنتوجات القادمة من الصحراء مثلما فعلوا مع منتوجات إسرائيل اقادمة من مستوطنات الضفة الغربية.

وكان القضاء البريطاني يدرس منع استيراد المواد المغربية من الصحراء، ووجه يوم 19 أكتوبر الماضي طلبا استشاريا للمحكمة الأوروبية، والآن يصدر قرار المحكمة الأوروبية في دعوى البوليساريو، مما قد يدفع القضاء البريطاني الى اتخاذ قرار مماثل يرخص بمنع توزيع المنتوجات القادمة من الصحراء في الأسواق البريطانية.

استفادة البوليساريو من خطئ المغرب

حضر موضوع الموارد الطبيعية في التسعينات عندما كانت البوليساريو تطالب الاتحاد الأوروبي بعدم التوقيع على اتفاقيات الصيد مع المغرب. لكن الجبهة ستستفيد من خطئ تاريخي ارتكبه المغرب وستخوض حرب توظيف الموارد الطبيعية في الصراع الدولي مع المغرب الى جانب ملف حقوق الإنسان.

ويتجل هذا الخطئ في توقيع المغرب على اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة سنة 2004 وقبل باستثناء منطقة الصحراء من الاتفاقية. القرار كان بمثابة الذي يطلق الرصاص على رجله بدون أن يدرك.

في الوقت ذاته، قبل المغرب بتوقيع اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي وضمت بنودا تميز بين الصحراء وباقي مناطق المغرب. ورغم أنها بنود دون خطورة استثناء الصحراء في اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، فهي تبرز تراكم أخطاء الدولة المغربية في هذا الملف، أخطاء بدأت تصبح قاتلة.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password