“مذكرات أمير مبعد”، هو الكتاب الذي ألفه الأمير المغربي مولاي هشام ابن عم ملك المغرب محمد السادس، حيث يعالج فيه أطروحة مركزية تتجلى في استحالة تقدم حقيقي في المغرب في ظل تعايش سلطة تقليدية تسمى المخزن مع هياكل الدولة الحديثة أو العصرية.
والكتاب نزل الى المكتبات الفرنسية يوم الأربعاء من الأسبوع الجاري عن دار غراسيي ويقع في قرابة 400 صفحة، وخصصت له وسائل الاعلام الفرنسية اهتماما كبيرا، حيث أفردت له مجلة نوفيل أوبسيرفاتور ثلاث صفحات وخصصت له لوموند حوارا وكذلك أجرت فرانس 24 بلغاتها الثلاث الفرنسية والعربية والانجليزية حوارات مع المؤلف.
ويتضمن الكتاب الذي اطلعت عليه ألف بوست فصولا متعددة، يروي فيها الأمير الكثير من تفاصيل المؤسسة الملكية المغربية التي تعتبر الأقدم من نوعها في الوقت الراهن، متجاوزة حتى البريطانية. ويسرد علاقته بأبيه الأمير عبد الله وتأثير والدته الأمير لمياء الصلح في حياته ثم علاقة الإعجاب والتوتر بعمه الملك الحسن الثاني الذي يصفه ب”السياسي الكبير” وكذلك علاقته بالملك الحالي محمد السادس منذ الطفولة المشتركة الى أن فرقتهما التوجهات السياسية. ويؤكد الأمير في هذا الصدد، فضلت “الانسحاب من القصر، وبالتالي تحررت من تقاليده وبهذا أصبحت حرا في التعبير عن افكاري وقناعاتي.
وإذا كان جانب الأسرار التي يكشف عنها الأمير سواء عن الملكية المغربية والملكيات العربية يثير اهتمام القارئ بسبب الستار الذي يحجب دائما هذه الملكيات عن شعوبها، فيبقى الأساسي في الكتاب هو رؤيته للسلطة في المغرب وهل تساهم في تقدم البلاد أم لا.
في هذا الصدد، تقف ألف بوست على الأطروحة الرئيسية في الكتاب وهي المعضلة الكبرى للمغرب التي تتجلى في “تعايش السلطة التقليدية المتمثلة في المخزن والموروثة عن القرون الماضية بكل تقاليدها العتيقة مع السلطة الحديثة المستمدة من الغرب والتي جاء بها الاستعمار سنة 1912 عندما سقط المغرب في سلطة فرنسا واسبانيا.
ويبرز الكتاب في هذا الصدد “استحالة تقدم المغرب في ظل سلطتين متناقضتين في هرم الدولة حيث يجري استعمالهما وفق الظروف ووفق الأهواء”. ويؤكد “رغم وجود هياكل سلطة حديثة إلا أنها في آخر المطاف تخضع وتخدم مؤسسة المخزن، وهذا لن يسمح بتقدم المغرب نهائيا”. ويحاول الكتاب تقديم قراءة أو شرح لكيفية تعامل ملوك المغرب منذ الاستقلال حتى ألان مع هذه المعضلة، ويتعلق الأمر بكل من الملك محمد الخامس وابنه الملك الحسن الثاني ثم الملك الحسن محمد السادس.
ويبرز الأمير في الكتاب أنه بعد الاستقلال سنة 1956، حاول جزء من الحركة الوطنية التي كان لها دور كبير في طرد المستعمر الفرنسي والاسباني الهيمنة التامة على الدولة ومنها السيطرة على المؤسسة الملكية من أجل القضاء على المخزن، إلا أن الملك محمد الخامس استطاع المحافظة على نفوذ المؤسسة. وكان حذرا وحافظ على ثنائية الدولة العتيقة المخزن والدولة الحديثة. ومكنته صفته “أب الوطن” من البقاء فوق الصراع السياسي.
وتعتبر مرحلة الحسن الثاني محورية في الكتاب، ويؤكد أن هذا الملك الذي يصفه بالعبقري سياسيا اجتاز ثلاثة مراحل، وهي: مرحلة البحث عن الذات، وهي مرحلة ممتدة من 1961 الى 1965 حيث أظهر الحسن الثاني ميوله الى الحكم المطلق عل شاكلة ملوك فرنسا في الماضي. ثم المرحلة الثانية وهي الممتدة ما بين 1965، تاريخ أحداث الدار البيضاء المطالبة بالخبز الى سنة 1990، تميزت بالسلطوية المطلقة ويسميها الكثير من المغاربة بسنوات الرصاص. هذه الحقبة شهدت منعطفات مثل المسيرة الخضراء التي زادت من شرعية الملكية، هذه الفترة أيضا هي فترة المغربة التي ساهمت في توسيع قاعدة النظام من خلال إدماج النخبة الاقتصادية والسياسية. هذه الفترة شهدت كذلك بداية جنينية لتعددية الحزبية.
ويتوقف كثيرا عند المرحلة الثالثة وتبدأ من 1990 الى وفاة الملك سنة 1999 بملف حقوق الإنسان الذي شكل تحديا حقيقيا لحكم الحسن الثاني، والتحدي الثاني التغيرات العالمية بسقوط جدار برلين، حيث فقد المغرب أهميته جيواستراتيجية. ولمواجهة هذه التطورات، أقدم الحسن الثاني على مناورة حقيقية بالانفتاح المتحكم فيه والذي يسمى “التناوب السياسي” من خلال إدماج أحزاب المعارضة المنتمية الى الحركة الوطنية، كان تناوبا محدودا وعزز من المؤسسة المخزنية لأن الهياكل الحديثة للدولة كانت في خدمة المخزن.
وحول الحقبة الحالية للملك محمد السادس، يؤكد الأمير تعليق المغاربة الكثير من الآمال على الملك محمد السادس، فقد اعتقدوا أنه قد حانت مرحلة بناء الدولة الحديثة والتخلي عن المخزن. ولكنه مع مرور السنوات تلاشى الحلم وفرضت الإستمرارية نفسها مجددا. هذه الحقبة شهدت منعطفات، تهميش الاختيار الديمقراطي بتنصيب وزير أول تقنوقراطي من دائرة القصر، وهو إدريس جطو سنة 2002.
وبعد العودة الى المنطق الحزبي مع حكومة عباس الفاسي، سجل المغرب هيئات عليا ولجن ملكية تركت الحكومة بدون صلاحيات، وانتقلنا الى الملكية التنفيذية التي رفعت شعارات التنمية، حيث أصبحت الممارسة السياسية أقرب الى المقاولة. ثم كاد الملك أن يطلق رصاصة الرحمة على الحياة الحزبية بعدما أراد إنشاء حزب مقرب من القصر ألصالة والمعاصرة.
لكن المفاجأة غير المنتظرة تمثلت في انفجار الربيع العربي، وتكرر سيناريو التناوب مع العدالة والتنمية ولكن هذه المرة فرضته الظروف السياسية، في هذه الفترة جرت المصادقة على دستور جديد لا يرسخ دولة حديثة ولا يقدم فصلا حقيقيا بين السلط.
ويؤكد الأمير أن المغرب يوجد في مراتب متأخرة اقتصاديا وتنمويا وسياسيا لأن البلاد لم تنجح، بسبب دور الملكية، في جعل السلطة الحديثة فوق السلطة التقليدية “المخزن”، مؤكدا أن التقاليد العتيقة المقدسة أصبحت ضد الإقلاع السياسي والاقتصادي في المغرب.