في مقال جديد له في الشهرية الفكرية لوموند ديبلوماتيك في عدد ديسمبر الجاري بعنوان ” هبوب رياح الربيع العربي” يرصد الأمير المغربي هشام التحديات التي يواجهها العالم العربي بعد اندلاع الثورات المنادية بالديمقراطية والتنمية.
ويقول في مقدمة المقال، “العالم العربي يواجه تحديات تبدو صعبة التجاوز، ولكنه مطالب بتجاوزها إذا أراد إرساء مستقبل ديمقراطي ومستقر. ويجعل هذه التحديات في ما هو مضاد للثورات بدعم كبير من الأنظمة السلطوية، وكذلك في التردد الذي يطبع المسلسل الثوري وأخيرا في الرهانات جيوسياسية والعقائديةالتي برزت مع تنظيم داعش.
ويستعين بالتاريخ في وصف بعض الأنظمة العربية بنعتها بالمماليك الجديدة أو الحديثة وعلى رأسها مصر وسوريا، حيث أنظمة عسكرية لا ترغب في التنازل عن الدولة للحركات السياسية والاجتماعية، وتوظف العنف الرهيب من أجل هذا الهدف، مستشهدا في هذا الصدد بالملاحقة الأمنية للنظام المصري ضد حركة الإخوان المسلمين بشكل لم تشهده مصر طيلة الستة عقود الأخيرة. في الوقت ذاته، يبزر رهان هذه الأنظمة على توظيف الورقة الكلاسيكية بملاحقة المتطرفين مقابل صمت الخارج بما في ذلك ملاحقتهم للديمقراطيين.
ويرى الأمير في التوترات جيوسياسية ومنها دور إيران الشيعية خير مساعد لمثل هذه الأنظمة وأخرى لحبس أنفاس الربيع العربي باسم “الأمن القومي للبلاد”. ويرصد المفارقات في عدد من الدول الناتجة عن التوتر جيوسياسي في بعده العقائدي من خلال البحرين، حيث تتهم الدولة المعارضة بأنها دمية في يد إيران وخدمة للمشروع الإيراني، ومن خلال سوريا، حيث يتهم بشار الأسد الولايات المتحدة بالرغبة في إقامة نظام سني متطرف. وهناك مستوى آخر يتجلى في حالة ليبيا، حيث قوات الجنرال حفتر تترك داعش تسيطر على سرت وتفضل قتال حكومة طرابلس.
وينتهي الى خلاصة رئيسية، حيث يكتب “معظم الأنظمة العربية، وعكس ما تدعين، لا يهمها الاندثار السريع للتهديد الجهادي، بل هذا التهيد يوفر لها ذريعة لوقف مسلسل الديمقراطية”.
وينتقد المحللين في الغرب الذين يقولون بموت الربيع العربي استنادا الى المعطيات الحالية باستثناء تونس التي تصارع من أجل ديمقراطيتها المهددة من أطراف متعددة، يعتمد الأمير على الدورة السياسية بين الخمود والانتفاضة من جديد لتفسير استمرار كل العوامل التي فجرت الربيع العربي سنة 2011 في الوقت الراهن بل وتفاقمت ومنها ارتفاع البطالة وانعدام الأفق والتضييق على حرية التعبير وسياسة الفوارق المرتبطة بالولاء للنظام وغياب فرص الرقي الاجتماعي بسبب أنظمة التلعيم المهترئة وثنائية السلطة والثروة التي لا تسمح فقط بالتحكم في مؤسسات البلاد بل في مواردها الاقتصادية.
ويضع الأمير الأنظمة العربية بين خيارين، إصلاحات سياسية فورية أو عودة الربيع العربي. ولا يستبعد حدوث تغيير في النسيج الاجتماعي والثقافي في العالم العربي في حالة تفاقم المشاكل الهيكلية التي تعاني منها الدول مثل ضعف التعليم والفساد والتضييق على حرية التعبير والحرمان من العيش الكريم. وسيترتب عن غياب الاصلاح اندثار خوف المواطن من السلطة الحاكمة، ولكن يقول بحضور مصدر خوف جديد وهو انهيار أسس الدولة مثلما يحدث في سوريا وخطر التهديد الجهادي.
يقول الأمير في هذا الصدد، أصبح الخوف من انتشار تنظيم الدولة الإسلامية و من الجهاد، والخوف أيضا من امصير دول مثل سوريا واليمن. هذا الخوف الجديد، الحاضر في كل زمان ومكان، يفسر لماذا لم يعد المواطنون يؤمنون بإمكانية الإصلاح الديمقراطي، مستدلين بفشل الثورات العربية في مصر وليبيا، دون الحديث عن المغرب و الأردن، حيث اصطدمت هاته الثورات بأبواب القصر الملكي، على حد تعبير الأمير المغربي.
العبرة التي يتوجب استخلاصها من “الربيع العربي”، حسب تحليل الأمير المغربي، هي أن التحول السياسي والاجتماعي يتطلب تعبئة منضبطة وحثيثة، فرغم إسقاط الطاغية، فإن قوى المعارضة مطالبة باعتماد وتبني قدرات تنظيمية، وكفاءات سياسية، بالإضافة إلى تصور مؤسساتي متين، منسجم ودائم، وهذا ما كانت تفتقده المعارضة المصرية، بعد انتصارها الوجيز والمحدود في 2011، إذ أن عجزهم هذا دفع إلى عودة الجيش، وكرس في عقول المواطنين فكرة “نهاية الربيع العربي”.
ويسجل المقال في النهاية قادة المعارضة في كل الدول، تقريبا، المعنية بالربيع العربي، ارتكبوا مجموعة من الأخطاء، قبل أن يتساءل: لكن هل سيتمكنون من الاستفادة منها واستخلاص الدروس؟ وهل سيكونون جاهزين إذا ما انبعث الربيع العربي؟