كشفت قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي على يد العائلة الملكية السعودية بطريقة همجية في قنصلية هذا البلد في اسطنبول هشاشة الدول رغم ما تعتقد من تمتعها بوزن استراتيجي وكيف فجأة تتحول الى دولة مارقة. وما يجري للسعودية يجب أن يشكل درسا لمعظم الدول ومنها المغرب الذي يشهد ملفات حقوقية سجلت خروقات سواء في الريف أو الاعلام مثل حالة الصحفيين حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين.
في هذا الصدد، ساد الاعتقاد بقوة العربية السعودية وتمتعها بحصانة فولاذية وسط المنتظم الدولي بفضل مخزونها من النفط والصفقات المالية الضخمة التي توقعها أو بالأحرى تغري الدول الكبرى بها لشراء دعمها. وتمادت السعودية في الخروقات الهجمية سواء في وطنها أو خارج حدودها، لكنه وبعد ارتكاب العائلة الملكية الممثلة في الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان جريمة بشعة باغتيال الصحفي خاشقجي وتقطيعه إربا إربا في تمثيلية دبلوماسية، القنصلية السعودية في اسطنبول، استيقظت من سباتها العميق واكتشفت نفسها أنها أصبحت في ظرف أيام قليلة دولة مارقة يتجنبها الجميع وتثير الشفقة.
إن العلاقات الدولية الحالية تحمل الكثير من المفاجآت، وما حدث للعربية السعودية يعد درسا بليغا لمختلف الدول بتجنب إيذاء المواطنين وارتكاب المظالم بحجة حماية الأمن القومي، مما يؤدي الى تعسف خطير في توظيف السلطة، ولاحقا ارتكاب جرائم، وهذه الجرائم هي التي تكون بوابة لضرب الدول مستقبلا.
والمغرب مطالب بالاستفادة من الدرس السعودي والتخلي عن الوهم بأنه دولة ذات أهمية كبيرة في المسرح الدولي وبالتالي يسمح له هذا بارتكاب تجاوزات خطيرة في حق مواطنيه أو شعبه، لأن قضية معينة قد تتحول الى شرارة تحاصر النظام أو أفرادا من النظام، وليس هذا من باب المبالغة، فالعلاقات الدولية تحمل مفاجآت ولا أحد أصبح يتمتع بأهمية خاصة. وهذا لا يعتبر من باب المقارة المجانية المتعمدة بل واقعا جديدا في العلاقات.
لقد شهد المغرب خلال السنة الأخيرة تجاوزات مريعة وفظيعة، لقد جرى تحويل ملف اجتماعي مثل الحراك الشعبي في الريف الى قضية دولة وجرى صبغها بطابع الانفصال وإصدار أحكام وصلت الى عشرين سنة. هذا الملف بدأ يأخذ بعدا دوليا في الاتحاد الأوروبي ولا أحد يعرف المدى الذي سيأخذه مستقبلا لأن إثنية بالكامل تقريبا تشعر بأن الدولة المركزية اعتدت عليها، وهي الإثنية الريفية.
في الوقت ذاته، شهد المغرب مؤخرا حالة الصحفي حميد المهداوي التي ستبقى حالته من أبشع الاتهامات التي تسخر من ذكاء الإنسان، باتهامه بالتستر على إدخال دبابات روسية للمغرب والحكم عليه بثلاث سنوات سجنا. إن ما تعرض له المهداوي يعتبر إعداما لمسيرته وحكما على عائلته بالمعاناة، وكل ما ارتكبه أنه أراد المساهمة في تصحيح وضع فيه خلل ووضع يتميز بالفساد المطلق بما في ذلك الدولة نفسها كما حدث في ممارسات المافيا مثل حالة أراضي خدام الدولة.
وفي ملف آخر، وهو ملف توفيق بوعشرين مؤسس جريدة اليوم الذي عملت أطرافا رسمية على حرمانه من كل حقوق المحاكمة العادلة في الاتهامات التي وجهت له، وهي حرمانه من الاستماع له من طرف قاضي التحقيق، وقيام الاعلام الرسمي بالتشهير به بطريقة وحشية ثم رفض قضاء الدولة المغربية إجراء خبرة على الأشخاص في الأشرطة الجنسية. وليس من باب سوء النية طرح التساؤل التالي: كيف تصرفت الدولة المغربية عندما توصلت باحتجاج قوي من طرف الخارجية السعودية بسبب مقالات بوعشرين حول ولي العهد محمد بن سلمان، وهي المقالات التي نشرها هذا الصحفي المعتقل خلال نوفمبر وديسمبر الماضيين، أي قبل اعتقاله بشهر ونصف. لا يمكن للدبلوماسية المغربية نفي الاحتجاج التي توصلت به، لكن هل تعهدت بترضية الرياض بطريقة ما من الطرق.
تاريخ المغرب لاسيما بعد الاستقلال يبرز لنا مدى الرؤية القصيرة للكثير من المسؤولين، يتخذون قرارات خاصة أمنية يعتقدون بأنها تخدم الأمن القومي والملكية، وفي آخر المطاف تساهم في تفكيك البلاد وخلق التوتر والاحتقان الاجتماعي، وتمعنوا حالتي الصحراء وسبتة ومليلية، أو يتخذون قرارات بدون مراعاة مشاعر الشعب كما حدث في العفو على مغتصب الأطفال دنييل غالفان التي هزت الشعب المغربي ووضغت الملكية في موقف حرج.
في غضون ذلك، تعد قضية خاشقجي درسا للمتوهمين بالتمتع بالقوة المطلقة تحت مبرر الأمني القومي أو فقط الحب في استعراض البطش لاسيما وسط منتظم دولي يحمل مفاجأت، والجميع يرى الآن نظاما ملكيا بلغ أعلى مراتب الوحشية في قتل صحفي ليعرض وطنه وشعبه لعقوبات وخمية وتصبح الدولة فجأة “مارقة”.