افتتاحية: رغم المديونية الخطيرة وموت مئات الشباب في البحر الرأي العام المغربي يهتم بملفات هامشية

يمر المغرب من فترة حساسة للغاية تتميز بتدهور الكثير من الأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية وتراجع الحريات ومحاكمة الصحفيين ونشطاء الحراك في الريف وجرادة، ورغم هذا التدهور انشغل الكثيرون بملفات هامشية للغاية بدل القضايا الجوهرية، وهذا يؤدي الى تساؤل عريض: ما هي الانشغالات الحقيقية لصناع الرأي العام في البلاد وخاصة في شبكات التواصل الاجتماعي؟

في هذا الصدد، شهدت البلاد سنة 2018 وخلال الأيام الأولى من سنة 2019 أحداثا جسيمة منها ارتفاع وثيرة الفساد بشكل مرعب مما يؤثر على مستقبل المغرب وعلى رأسها استمرار تماطل قضاء الدولة المغربية في فتح ملف الفساد في قطاع التعليم، وهو تماطل مثير للتساؤل ينضاف الى صمت الدولة على أم الفضائح وهو استيلاء ما يسمى بخدام الدولة وبطرق قانونية احتيالية على أراضي الشعب المغربي وكأن البلاد تعيش استعمارا جديدا.

في الوقت ذاته، شهد المغرب أكبر عملية هجرة سرية خلال الثلاثين سنة الأخيرة بعدما هاجر ما يفوق 45 ألف شاب وشابة البلاد على متن قوارب الموت التي خلفت كذلك أكثر من 400 غريق في صفوف هؤلاء الشباب. وبلغت هذه الظاهرة مستوى خطيرا وكأنه نزوح نتيجة تعرض البلاد لكارثة طبيعية أو حرب أهلية.

وتستمر المديونية في ارتفاع متسارع متجاوزة 90% من الناتج القومي الخام، وهو رقم لم يسجله المغرب من قبل. والمفارقة الخطيرة هو عدم استفادة البلاد من هذه القروض في تحقيق تنمية بل تسجل مزيدا من تدهور الأوضاع المعيشية.

وارتباطا بالوضع المعيشي، فقد شهدت البلاد سنة 2018 أكبر نسبة من المغاربة الذين أقدموا على إضرام النار في أنفسهم في تاريخ المغرب فقط بل في العالم احتجاجا على حيف الإدارة المغربية أو بسبب الفقر.

وفي ملف آخر، وفي ظل صمت رسمي وبدون رد فعل عملي، تقدم جبهة البوليساريو على إجراء مناورات عسكرية في منطقة تسمى العازلة ولكنها ضمن الخريطة المغربية الرسمية. ويحدث هذا في وقت يردد فيه الجميع بأن الصحراء هي قضية وطنية. وعلى ضوء هذا الصمت: ما معنى الوطنية هنا؟

وعلاوة على كل هذا، توجد مكونات الدولة المغربية ومنها الحكومة في وضع الترقب والشلل التام بدون مبادرة اقتصادية وسياسية تعمل على انتشال البلاد من الوضع الذي توجد فيه.

وسط كل هذه القضايا التي ترهن مستقبل البلاد، ومنها المديونية والتماطل في محاربة ملفات فساد تعود الى سنوات مثل ملف التعليم، والاختلاس بطرق قانونية لممتلكات الشعب والهجرة الجماعية التي أضحت بمثابة انتحار جماعي للهروب من الأوضاع المزرية، لا يهتم صناع الرأي العام في شبكات التوصل الاجتماعي والصحافة بهذه القضايا الحساسة بل يجري التركيز على ملفات ثانوية إن لم تكن هامشية للغاية.

إن اهتمام غالبية نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي بملفات هامشية في ظل التدهور الشامل للبلاد اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا يؤكد هشاشة الرأي العام في كيفية تفاعله مع نوعية القضايا بين المصيرية والهامشية. إنه نفس الرأي العام الذي يشتكي ويشتكي ولكن في العمق ينشغل ب….

حتى الأمس القريب، كان الكثير من المغاربة بشتكون من سيطرة الدولة على وسائل الاعلام العمومية وحجبها للقضايا المصيرية، ووها هي وسائل التواصل الاجتماعي منفلتة عن هذه الرقابة ، ولكن….مع الأسف.

Sign In

Reset Your Password