اتهمت جريدة الواشنطن بوست التي تعتبر من أهم الجرائد في العالم في افتتاحيتها الرئيسية اليوم الأربعاء الملك محمد السادس بالتراجع عن الاصلاحات السياسية بعدما اعتقل الصحفي علي أنوزلا مدير النسخة العربية للجريدة الرقمية لكم، واعتبرت أنه يفتقد للمصداقية بهذا الاعتقال.
وتعتبر جريدة الواشنطن بوست أن ما قام به علي أنوزلا ليس دعما ولا إشادة بالإرهاب بنشره مقالا حول تنظيم القاعدة ورابطا عن جريدة الباييس لشريط القاعدة بل ممارسة مهنية متعارف عليها.
وتشكل هذه الافتتاحية بعنوان “الملك محمد السادس يتراجع عن الإصلاحات” منعطفا حقيقيا في ملف علي أنوزلا لأن إقدام جريدة الواشنطن بوست على تخصيص افتتاحية للاعتقال يعتبر تدويلا حقيقيا للملف بحكم الوزن الذي تتوفر عليه الجريدة في الولايات المتحدة والعالم.
وكانت عدد من الأصوات في المغرب تشير الى أن قرار اعتقال علي أنوزلا هو قرار سياسي يحمل خلفية انتقامية واضحة وسينعكس على صورة الملك محمد السادس سلبا أمام المنتظم الدولي.
نص الافتتاحية: ترجمة سعيد السالمي
عندما اندلعت الثورات العربية في تونس و مصر سنة 2011، تجاوب الملك محمد السادس في المغرب بتبني إصلاحات سياسية. تمت مراجعة الدستور بسرعة، وأجريت انتخابات ديموقراطية للبرلمان سنة 2012. ولما فاز حزب إسلامي معتدل بالمرتبة الأولى، كلف بتشكيل الحكومة. وبات المعجبون الغربيون بالمغرب ينظرون إليه كنموذج مهم لممالك عربية أخرى، مثل الأردن ودول الخليج العربي.
رغم ذلك فإن الملك محمد السادس لم يتخل أبدا عن دوره كسلطة مركزية في المغرب، كما احتفظ بسيطرته على القوات المسلحة والقضاء. ومثلما تراجعت مصر الى الوراء في اتجاه السلطوية عقب انقلاب عسكري على حكومتها الإسلامية المنتخبة، فإن نظام الملك محمد السادس بات يظهر مؤشرات على العودة إلى الممارسات السلطوية. وأولى هذه المؤشرات هي اعتقال أحد الصحفيين البارزين المعروفين بنقدهم اللاذع للملك بتهمة الإرهاب.
لقد تم اعتقال الصحفي علي إنوزلا من منزله في الرباط يوم 17 سبتمبر، بعد فترة وجيزة من نشر الموقع الالكتروني الذي يديره مقالا حول شريط فيديو لتنظيم القاعدة يهاجم الملك محمد ويصفه بحاكم “مملكة الفساد والاستبداد”. السيد أنوزلا، المعروف بتوجهاته الليبرالية، وصف الفيديو بـ”الدعاية” ولم ينشره، ولم ينشر رابطه. بل أكثر من ذلك، نشر رابطا لمقال على الموقع الإلكتروني لصحيفة البايس الاسبانية، والتي بدورها نشرت رابطا للفيديو. وعلى هذه الأسس، وجهت له النيابة العامة اتهمات بـ”التحريض على الإرهاب” و “تقديم دعم مادي للإرهاب”، وهي جرائم يمكن أن تؤدي إلى السجن النافذ لمدة قد تصل إلى ست سنوات.
السلطات المغربية تعرف جيدا أن السيد أنوزلا، الذي رفع سقف حرية الصحافة والتعبير طيلة عقد من الزمن، ليس صديقا لتنظيم “القاعدة”. وباعتقاله على خلفية تقريره حول الفيديو ـ وهي ممارسة مشروعة تماما في الصحافة ـ يستطيعون معاقبته على تقاريره الشجاعة واللاذعة عن الملك محمد السادس. السيد أنوزلا كسره الطابوهات في تعاطيه للمواضيع التي تخص الملك، وبذلك جلب المشاكل على نفسه وعائلته طيلة سنوات، كانت أول مرة في صحيفة ورقية ساهم في تأسيسها، والآن في موقع “لكم” الرقمي. هذه السنة، طرح مسألة أسفار الملك الطويلة إلى الخارج؛ وفي غشت، أثار قضية عفو الملك عن اسباني سجين اعتقل في المغرب بتهمة اغتصاب الأطفال مما أدى إلى مظاهرات في الشوارع غير مسبوقة ضد النظام الملكي.
ربما ظنّ الملك أن الانفتاح السياسي الذي دشنه في مارس 2011، عندما كان العالم العربي على أعتاب ثورة ديمقراطية، لم يعد ضروريا في منطقة تشهد صعود جنرالات العسكر والجهاديين. لكن الأنظمة الملكية العربية لا يمكن أن تتفادى التغيير: إنها محكومة بالتغيير ما لم تتمكن من استكمال الانتقال إلى الحكم الديمقراطي. وهذا يعني التعايش مع الصحفيين مثل السيد أنوزلا. وإذا كان الملك محمد السادس يريد الحفاظ على مصداقيته كمصلح، فسوف يعطي أمره بالافراج عن منتقده.