اختلاف الأجندة السياسية بين الدولة المغربية وجاليتها المهاجرة حول من يحكم في باريس ومدريد

الملك محمد السادس خلال استقباله الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي

تتعارض في بعض الأحيان الأجندة السياسية للجالية المغربية مع أجندة الدولة المغربية بحكم اختلاف الأهداف في بعض الأحيان. ومن ضمن الأمثلة الأخيرة، بينما يفضل القصر الملكي في الرباط وصول الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الى الرئاسة وخصص له استقبالا فخما هذا الأسبوع، يتحفظ جزء من الجالية على هذا السياسي المحافظ  بسبب مواقفه من الهجرة. ويتكرر المشهد نفسه في دولة مثل اسبانيا بينما ينعدم في دول أوروبية أخرى.

وزار ساركوزي المغرب الاثنين من الأسبوع الجاري للترويج  للحزب الذي يرأسه وهو “الجمهوريون” . ويعتبر المغرب المحطة الثالثة ضمن جولة دولية يقوم بها وقادته الى إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وفي المغرب، لقي ترحيبا يليق بمستوى رؤساء الدول الذين يزورون البلاد، حيث استقبله رئيس الحكومة ووزراء الداخلية والعدل والخارجية علاوة على الملك محمد السادس. ولقيت حفاوة الاستقبال تأويلات متعددة في الصحافة المغربية والفرنسية وكذلك الطبقة السياسية في البلدين.

وأبرزت جريدة لوفيغارو الفرنسية الاهتمام المغربي بساركوزي الى مستوى إقامته في القصر الملكي، وأولت الاستقبال برد فعل مغربي في وقت تمر منه العلاقات بين الرباط وباريس في ظل رئاسة الاشتراكي فرانسوا هولند بتوتر وبرودة.

وبهذا الاستقبال، يكون المغرب الرسمي قد صوت لصالح ساركوزي في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في ظرف سنتين. فالرباط ترى فيه أحسن مدافع عن مصالح المغرب في فرنسا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وأساسا ملف الصحراء.

ورغم أن ساركوزي نفى في تصريحات لجريدة لوباريسيان أنه لا يمارس ما يسمى “الدبلوماسية الموازية”، وهي دبلوماسية تعوض الدولة. إلا أن الاستقبال الذي خصه المغرب للرئيس الفرنسي السابق يؤكد هذا الانطباع. بل وتؤكد الصحافة المغربية أنه كان متعمدا للرد على ما يفترض أنه ميل الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولند لصالح الجزائر التي زارها الاثنين من الأسبوع الماضي.

ومقابل الاستقبال الكبير الذي خصصته الدولة المغربية لساركوزي، يعرب كثير من نشطاء الجالية المغربية في فرنسا رفضهم لعودة ساركوزي الى رئاسة البلاد. ويعود هذا الرفض الى سياسة ساركوزي في مجال الهجرة. فخلال الأيام الأخيرة، تسبب في جدل قوي في البلاد عندما وصف الهجرة بمثابة تسرب الماء الذي يحدث الضرر في هوية فرنسا. تصريح لقي تنديدا من سياسيين وحقوقيين وخاصة من طرف الجاليات ومنها الجالية المغربية. ويرى نشطاء مغاربة أن ساركوزي يتبنى لأسباب انتخابية خطابا يكاد يكون عنصريا وقريبا من الجبهة الوطنية المتطرفة بزعامة ماري لوبين.

ويتكرر السيناريو السياسي نفسه في اسبانيا. فأمام التطورات السياسية الهامة التي يشهدها هذا البلد الأوروبي من خلال وصول أحزاب سياسية جديدة مثل “بوديموس” وسيودادانوس” وارتفاع أسهم أحزاب قومية إقليمية مثل اليسار الجمهوري الكتالاني، تفضل الدولة المغربية فوز الأحزاب الكلاسيكية في انتخابات نوفمبر المقبل. ويتعلق الأمر بكل من الحزب الاشتراكي الذي يتزعم المعارضة حاليا والحزب الشعبي الحاكم، وهو يمين محافظ.

ويعود موقف الرباط هذا الى المواقف غير الودية للأحزاب الجديدة في ملفات متعددة ومنها الصحراء وكذلك الصادرات المغربية نحو أسواق الاتحاد الأوروبي والاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.  ومن ضمن الأمثلة، يتزعم حزب بوديموس هذه اليام حملة دعم قوية لأمرأة صحراوية دخلت في إضراب عن الطعام منذ أكثر من شهر أمام قنصلية المغربية في جزر الكناري للمطالبة بتحقيق في وفاة ابنها في مدينة العيون في الصحراء.

ومن ضمن مظاهر التحفظ والقلق، هو إحجام السلطات المغربية على عدم إجراء أي لقاء حتى الآن مع مسؤولي الأحزاب الجديدة. ويحظى حزب بوديموس وكذلك سيودادانوس بنفس الحظوظ تقريبا للوصول الى رئاسة الحكومة مقارنة مع الأحزاب الكلاسيكية، وفق استطلاعات الرأي.

وفي المقابل، نجد الجالية المغربية الأكثر ترحيبا بالأحزاب الجديدة وعلى رأسها حزب بوديموس. ورغم ضعف الصوت الانتخابي المغربي في اسبانيا لأسباب متعددة مقارنة مع الصوت الانتخابي لجاليات مغربية في دول مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا، إلا أن المغاربة يفضلون وصول هذه الأحزاب. ويعود السبب الرئيسي الى تبني أحزاب مثل بوديموس أو الحزب الجمهوري الكتالاني على مستوى كتالونيا مواقف مشرفة للغاية من الهجرة عكس الأحزاب الكلاسيكية ومنها الحزب الشعبي الحاكم.

ولا يعود تناقض مواقف الجالية المغربية مع الدولة المغربية بشأن الحزب الذي سيحكم في مدريد وباريس الى اصطدام على شاكلة المفهوم الكلاسيكي للمعارضة بل فقط الى اختلاف في أجندة المصالح والسياقات لاسيما بالنسبة للجيل الثاني والثالث من المهاجرين.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password