بعد إقصاء الرئيس المصري محمد مرسي من السلطة، يواجه إسلاميو مصر مصيراً يعوزه اليقين. لكنهم ليسوا وحدهم على هذا الصعيد. ذلك أن التطورات في مصر تشكل راهناً مشكلة صعبة بشكل خاص لمجموعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لها صلة بجماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر أقدم حركة إسلامية في العالم.
هل أصبحت التجربة الإسلامية في المشاركة السياسية فاشلة؟ إذا كانت حواراتي مع الإسلاميين في المغرب في الأسبوعين الماضيين لتشي بأي تلميح، فإن الجواب يبدو واضحاً، على الأقل في المغرب. بالنسبة إليهم، لا يبدو الأمر وأن الحكم الديمقراطي متعثر، وإنما يتعلق بالكيفية التي مارس فيها مرسي نفسه السياسة بطريقة تكشف عن مشاكل. وبدلاً من ربط مصيرهم بمرسي —على آمال تعزيز صورة الرئيس المصري السابق، وبالتالي صورتهم— استمعت بدلاً من ذلك إلى إسلاميين مغاربة وهم يذهبون مسافات كبيرة وهم يحاولون التفريق بين أنفسهم وبين تجربة الإخوان المسلمين.
سألت بالعربية: “ما رأيكم بالحالة مع إخوانكم في مصر؟” لكنني قبل أن أنهي سؤالي قاطعني زعيم في حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب، قائلاً بحزم: “إنهم في مصر ليسوا إخواننا”. لكنه اعترف: “لقد استلهمنا منهم بعض أفكارهم، ولا ننكر أننا جزء من الحركة الإسلامية”. لكنه امتعض من قولي أن المجموعتين متشابهتان، مختاراً بدلاً من ذلك تصوير حزب العدالة والتنمية على أنه الأكثر تعلماً وتأسيساً وخبرة نسبياً. وقال: “لقد نمونا إلى حزب سياسي ناضج، وقد تعلمنا الكثير جداً”.
خطأ البعض الإسلاميين في مصر لعدم أخذهم وقتاً للتعلم أكثر عن نظامهم السياسي قبل الدخول فيه. وغالباً ما استمعت، على سبيل المثال، إلى تبجح أعضاء في حزب العدالة والتنمية بالسنوات الأربع عشرة التي أمضوها في السياسة، في المعارضة —قبل أن يبدأوا الحكم في نهاية المطاف في العام 2011. وعلى العكس من مرسي، قالوا: “إننا لم نذهب مباشرة ليكون منّا رئيس”. وأشار أحد الأعضاء إلى أن مرسي كان سيحسن التصرف لو أنه كان قد قرأ “ما كتبه صمويل هنتينغتون عن حالات الانتقال الديمقراطي”.
وتناول البعض الطريقة التي سعى مرسي من خلالها إلى الاستئثار بالسلطة، مشيرين إلى أن حزب العدالة والتنمية في المغرب “لا يحكم وحده”. وبعد اكتساحه الانتخابات التشريعية في المغرب في العام 2011، اختار حزب العدالة والتنمية تشكيل ائتلاف مع ثلاثة أحزاب (من خلفيات أيديولوجية مختلفة). ولاحظ أحدهم مقرعاً مرسي بعقلانية: “عليك أن تدعو الآخرين إلى المشاركة معك”. كما أشار أيضاً إلى ما هو واضح، وقال: “نحن في المغرب نتقاسم السلطة مع ملك أيضاً”.
وأخيراً استمعت إلى نقاشات عن كيف أن النظامين السياسيين في المغرب ومصر فريدان في حد ذاتهما. وقال أحد الأعضاء مبدياً امتعاضه من اقتراح التشابه بين النظامين: “إننا لا نستطيع مقارنة أنفسنا بمصر. نعم، لقد كانت لدينا انتهاكات لحقوق الإنسان في الماضي، لكننا خطونا خطوات كبيرة في موضوع حقوق الإنسان هنا”. وأشار البعض إلى “التاريخ الطويل للمنافسة السياسية متعددة الأحزاب في المغرب”، أو “تقاليدها في التنوع” التي “تجلب معاً أناساً من خلفيات إثنية ودينية وأيديولوجية مختلفة”.
للإنصاف، أقول أنني كنت قد سمعت عن بعض (وليس كل) هذه الفروقات من قبل، لكن ذلك نادراً ما كان بهذه القوة من الإجماع. وقد بدا كل عضو من حزب العدالة والتنمية ممن تحدثت معهم —من القمة إلى القاعدة- وأنه يشترك في هذه الأحاسيس العامة.
لكن جهود حزب العدالة والتنمية للزعم، كما قال لي أحد الأعضاء، بأنه لا يوجد “أي علاقة مع الإخوان المسلمين في مصر” تواجه تعقيدات معينة. فبينما يظلون غير تابعين للإخوان المسلمين (مثل الأحزاب الإسلامية في الأردن أو الكويت على سبيل المثال) فإنهم يعرضون مع ذلك ما كان الخبير في الإخوان المسلمين، كاري ويكهام، قد وصفه بأنه “تشابه عائلي”. ويسري هذا على تواريخهم وتنظيمهم، وحتى أيديولوجيتهم.
على سبيل المثال، يدعو حزب العدالة والتنمية المغربي، بشكل روتيني، الإسلاميين من مصر لحضور مناسباته، متطلعاً إليهم في الغالب من أجل الإلهام. وكنت مثلاً قد تابعت الشيخ يوسف القرضاوي، الزعيم الروحي وصاحب النفوذ الفكري للإخوان، وهو يخاطب جمهوراً متحمساً من الناشطين الشباب في حزب العدالة والتنمية المغربي في مناسبة رسمية قبل عدة أعوام. والأهم من كل ذلك، وسواء راق لهم أم لم يرق، فإن معظم المواطنين والحكومات —في الشرق الأوسط والغرب على حد سواء— غالباً ما توحد بين المجموعتين. وكانت صحيفة في المغرب قد صدرت مؤخراً وهي تحمل صورة لرئيس الوزراء المغربي وزعيم حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، وهو يصافح الرئيس مرسي بحرارة. وقال شرح الصورة في جزء منه: “انتهت اللعبة”. وقد تنبأ الخصم غير الإسلامي لحزب العدالة والتنمية، وهو حزب الاستقلال، بأن يواجه بنكيران نفس المصير الذي واجهه مرسي.
من جهتهم، يبدو أن أعضاء الحركة الإسلامية الرئيسية الأخرى، العدل والإحسان، يستخدمون حالة مرسي لتعزيز أطروحتهم بخصوص السياسة المحلية —والاستفادة من منافسهم حزب العدالة والتنمية. وقال لي أحد الأعضاء أن عمل مرسي أثبت مرة أخرى كيف أن مؤسسهم الراحل ومرشدهم الروحي، عبد السلام ياسين، كان محقاً. وقال لي أيضاً: “لقد كتب قبل عقود إن العسكريين سيشكلون أكبر تحد للمجموعات التي مثلنا”. واستخدم عضو آخر في “العدل والإحسان” تجربة مرسي لانتقاد الكيفية التي يعمل من خلالها حزب العدالة والتنمية مع الملك ويدعمه. وقال لي: ” إن مشكلة مرسي تكمن في أنه احتفظ بالكثير من السلطة لنفسه”. والمعنى أن الكثير جداً من السلطة في يد شخص واحد لا تكون بناءة أبداً.
بالمضي قدماً، سيأتي التحدي الأكبر لحزب العدالة والتنمية على الأرجح ليس من الشعور بأنه مشابه للإخوان المسلمين، وإنما من الوقائع على أرض الواقع: ما إذا كان سيصبح أكثر فعالية في التغلب على التحديات التي عصفت بمرسي. وقد سألت ناشطي حزب العدالة والتنمية، على سبيل المثال، عما إذا كانوا على الأقل قد شعروا بأن حزبهم قد واجه نفس العوائق مثل مرسي، الذي حاول (دون ان ينجح في نهاية المطاف) طرد المسؤولين من نظام حسني مبارك الذين سعوا لتقويضه —أولئك الذين ينعتهم المصريون بالفلول.
في المغرب، يقر بنكيران بمشاكل مماثلة، لكنه اختار تعبيرات –وطرقاً- مختلفة. ومستخدماً طبعته الرافضة والشعبوية المعروفة عنه، وصل إلى وصف أولئك الأكثرمقاومة للتغيير بأنهم –من الساسة الفاسدين وقوى المال والأعمال المتخندقة- بأنهم “أشباح” أو “تماسيح”. إنهم أشباح أو “أرواح شريرة” لأنهم في كل مكان تقريباً، ويصعب تمييزهم، وحتى أكثر تعذراً على المحو. أما استعارة “التمساح”، فأكثر إزعاجاً بعض الشيء: فالتماسيح، كما يشير التفسير الشعبي، أسهل على التعامل معها عندما تكون صغيرة، لكنه يصبح من المستحيل السيطرة عليها إذا كبرت. وهذا، كما تشي الاستعارة، هو حال الفساد اليوم في المغرب —بعد وصوله إلى نقطة أصبح لجمه فيها يشكل تحدياً خطيراً.
اعترف أحد قادة حزب العدالة والتنمية الذين قابلتهم بأن هناك أناسا في البلد ينطوون على ما أسماه “مصالح”. لكنه ادعى بأن المرء لا يستطيع أن يجتثهم مباشرة، أو حتى يبغضهم. ومرة أخرى فضل استخدام طريقة تدريجية وتصالحية: عليك أن تتعامل معهم “ببطء”، كما قال، وأضاف: “إننا لم نقل أبداً إننا سنجردهم من مصالحهم. كما أننا لا نستطيع محاكمة الناس الفاسدين”. واستخدم مثلاً مغربياً لإبراز نقطته قائلاً: “عفا الله عما سلف”. وقال إن حزبه الذي يتطلع إلى المستقبل غير مستعد للتخلي عن الديمقراطية في أعقاب أفول مرسي، وإنما هو ملتزم بتحسينها— لجلب “الحوكمة الجيدة وحكم القانون والأمانة والأخلاق في السياسة”.
لكن السؤال الذي يبقى هو: هل سيكون الشعب المغربي —أو حتى اولئك الذين ينطوون على مصالح متعارضة مع الإسلاميين— راغبا في منح حزب العدالة والتنمية الوقت لاختبار السياسة التي يرغب بها؟
ثمة القليل من المغاربة المحتجين في الشوارع الآن، ويظل بنكيران شخصيا يتمتع بالشعبية. أما على المدى البعيد، فلم يكن أحد الأساتذة الجامعيين المغاربة واثقاً. وقال لي: “لقد انتخبناهم —الإسلاميين— لاجتثاث الفساد. وإذا كانوا يعرفون أين توجد الأشباح والتماسيح فعليهم أن يبلغونا عنها وعليهم أن يتخلصوا منها. لا يكفي أن يقولوا إنها هناك”. وأضاف بلهجة أكثر تطيراً: “إذا لم توقفها، فإن الأشباح ستسكنك دائما”.
*أستاذ مساعد في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة سان دياغو، ويعكف راهناً على استكمال كتاب عن الجيل التالي من الإسلام السياسي.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: The fate of Morocco’s Islamists