دفعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى توجيه اهتمامها العسكري إلى الشرق الأوسط ومحاولة تهدئة الجبهة الأوكرانية- الروسية لاسيما بعدما تراجع إرسال المعدات الحربية الى هذا البلد الأوروبي. الأمر الذي يبرز مدى استعداد خسارة أوكرانيا والحيلولة دون انهزام إسرائيل.
ومنذ فبراير/ شباط 2022، تاريخ اندلاع الحرب الأوكرانية- الروسية، خصص الغرب دعما عسكريا وسياسيا لأوكرانيا تجلى في انخراط حلف شمال الأطلسي وكذلك الدول وأساسا الولايات المتحدة وبريطانيا في تأمين العتاد العسكري الذي يحتاجه الجيش الأوكراني من مضادات للصواريخ مثل باتريوت وأوروسام ودبابات مثل ليوبارد وصواريخ قاذفة مثل هيمارس. علاوة على الدعم الاستخباراتي، حيث وضع الغرب رهن إشارة أوكرانيا كل المعطيات التي تحصل عليها الأقمار الاصطناعية والهيئات الاستخباراتية لضرب القوات الروسية.
وسياسيا ودبلوماسيا، سعى الغرب إلى تجييش العالم ضد روسيا من جهة، والدفاع عن هدنة وقف إطلاق النار من جهة أخرى. وفجأة تغير كل شيء، وقد أعرب الرئيس الأوكراني فلاديميرو زيلنسكي في أكثر من مناسبة عن قلقه من تراجع الدعم الغربي لبلاده بعد 7 أكتوبر، وتناسلت المقالات التحليلية في صحافة هذا البلد الذي يشعر أنه يأتي في الدرجة الثانية في أجندة الغرب مقارنة مع إسرائيل.
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية، جمّد الغرب كل الدعم العسكري لأوكرانيا، إذ لم يعد الجيش الأوكراني يتوصل بأنظمة الدفاع الجوي المتطورة، وتراجع الدعم الاستخباراتي بشكل واضح، ولم يعد الغرب يقوم بمبادرات دبلوماسية لصالح كييف. وأصبح الشاغل الرئيسي للغرب هو كيفية دعم إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
ورغم أن إدارة البيت الأبيض خصصت أكثر من مئة مليار دولار كمساعدات عسكرية لكل من أوكرانيا وإسرائيل، غير أن خبراء التسليح في الولايات المتحدة يعتقدون أن العائق الأكبر يتجلى في تراجع مخزون الأسلحة وخاصة قذائف عيار 155 ملم وكذلك أنظمة الدفاع الجوي. ويقول الأدميرال روب بوير الذي يعمل في حلف الأطلسي “المخزن الغربي من السلاح يقترب من قاع البرميل”، أي التراجع الشديد. والمثير أنه خلال يناير الماضي، أرسل البنتاغون نصف مخزونه من القذائف التي كانت مخزّنة في إسرائيل إلى أوكرانيا، والآن يريد تعويض المخزون.
وكان الناطق باسم البنتاغون شارلي دييز واضحا في تصرح مؤخرا “الأولوية الرئيسية للولايات المتحدة الآن هي ضمان حصول إسرائيل على كل الموارد التي تحتاجها في الوقت الراهن”. وتفيد تقارير عسكرية، ومنها ما نشرته نيويورك تايمز مؤخرا، إرسال الولايات المتحدة في الجسر الجوي الأول ألف قنبلة دقيقة، تزن كل واحدة 250 كلغ إلى إسرائيل، ولم تحصل أوكرانيا على هذا النوع من القنابل بل على قنابل غير دقيقة. كما نشر الموقع المتخصص في الدفاع العسكري “أنفو دفنسا” مؤخرا كيف أن البنتاغون أرسل الى إسرائيل قذائف من عيار 155 ملم كانت مبرمجة لكي ترسل إلى أوكرانيا.
وكان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قد صرح يوم 13 أكتوبر الماضي خلال زيارته تل أبيب أن “البنتاغون في استطاعته تقديم الدعم العسكري لكل من أوكرانيا وإسرائيل في الوقت نفسه”. غير أن الواقع يبرز كيف تلتزم واشنطن بدعم إسرائيل أولا وتراجع الاهتمام باحتياجات أوكرانيا، علما أن أوكرانيا تواجه قوة عسكرية عالمية وهي روسيا بينما تواجه إسرائيل حركات مقاومة.
واستعرضت “القدس العربي”، هذا الأسبوع، الدعم العسكري الكبير للغرب المعلن مثل الولايات المتحدة وغير المعلن الذي تتوصل به إسرائيل منذ 7 أكتوبر، بما في ذلك تواجد قوات نخبة غربية في قطاع غزة وإسرائيل وأساطيل حربية للردع. وهو دعم يفوق بكثير ما تقدمه لأوكرانيا، بل إن الغرب يؤكد ويلح ويشدد أنه لن يتورط مباشرة في الحرب في مواجهة روسيا، بينما يعلن استعداده المباشر التدخل في الحرب إذا دخل حزب الله على الجبهة.