هل تخطى العالم حاجز المليون مصاب بكورونا فيروس؟ هذا ما يعتقده خبراء ولا يستبعدون قصور الأرقام الرسمية لاسيما في ظل الارتفاع المهول في عدد الإصابات وعدم تسجيل كل الوفيات. لكن رغم كل هذا، من المستبعد تطور كورونا فيروس إلى الأنفلونزا الإسبانية التي تعد أكبر وباء في تاريخ البشرية وخلف مئة مليون قتيل.
وما بين السبت من نهاية الأسبوع الماضي وحتى السبت من الأسبوع الجاري، تضاعف رقم المصابين في العالم بكورونا فيروس من 300 إلى ما يفوق 600 ألف وفق معطيات جامعة هوبكنز الأمريكية. ويحدث هذا رغم أن حالات الحجر الصحي على شعوب في العالم ارتفعت وتشمل تقريبا نصف سكان الكرة الأرضية مع انضمام الهند إلى حظر التجول لما تمثله من ساكنة تقارب مليار و300 مليون نسمة. وما يلفت الانتباه هو أن دولا تعيش حظرا مطلقا مثل إيطاليا وإسبانيا تسجل ارتفاعا مهولا في نسبة الحالات ومنها الوفيات. ويتحدث خبراء الصحة عن الاقتراب من الذروة خلال أيام، أي بدء تراجع الأرقام المسجلة نتيجة فرض الحجر الصحي، لكن في الواقع الذروة المقبلة تعكس حقيقة واقع عدد الإصابات في العالم.
ما بين الأرقام الرسمية والواقعية
وتناولت جريدة “الباييس” معضلة المصابين حقيقة في إسبانيا من خلال مساءلة الأرقام، وهي المساءلة التي يجب امتدادها إلى باقي دول العالم وخاصة التي تشهد ارتفاعا كبيرا في عدد الوفيات والمصابين. وتنقل عن عالم الرياضيات أنتونيو دوران واردنيو من جامعة إشبيلية عدم رصد الأرقام الحالية لواقع كورونا فيروس في إسبانيا. وارتباطا بهذا، يؤكد أنه في غياب الفحص السريع وعلى نطاق واسع في إسبانيا تبقى الأرقام الحالية قاصرة لا تعكس الواقع. ويتحدث عن وجود قرابة نصف مليون مصاب في إسبانيا، أي تسع مرات ما سجلته وزارة الصحة حتى الآن. ولا تحتسب وزارة الصحة المصابين بأعراض خفيفة والذين لا يلجأون إلى المستشفيات ولا يخضعون للفحص، فالمستشفيات الإسبانية تستقبل الحالات الصعبة والمتوسطة فقط. ويبرز أنه في حالة رصد كل المصابين، فهذا يعني وجود نصف مليون وليس 50 ألف أو ستين ألفا. وسيترتب عن الأخذ بعين الاعتبار الأرقام الحقيقية انخفاض معدل الوفيات من 7في المئة إلى ما بين 3 في المئة أو 4 في المئة لأن العملية الحسابية ستتم وفق نصف مليون وليس 60 ألفا، أي الصورة الشاملة لخريطة انتشار الفيروس وسط المجتمع.
ويعتقد بعض الخبراء في إيطاليا في هذا الطرح، ويؤكدون أن نسبة المصابين في إيطاليا تفوق نصف مليون ما بين المصابين بالأعراض القوية الذين تستقبلهم المستشفيات وما بين أصحاب الأعراض الخفيفة الذين لا يحتسبون.
وعمليا، تقدم الصين وكوريا الجنوبية مثالا قويا في هذا الشأن. فقد تفاجأ العالم من سرعة انتشار كورونا فيروس في البلدين، لكن الواقع أن البلدين عمدا إلى تعميم الفحص لرصد النسبة الحقيقية للمصابين. وقدم البلدان الأرقام التي تشمل المصابين بأعراض خفيفة وهم الأغلبية وأولئك الذين تطلب الأمر إسعافهم في المستشفيات وهم الأقلية. ولهذا، فالمعدل العام للوفيات محدود بالنسبة للبلدين، في حالة كوريا الجنوبية 144 من أصل 9478 أي حوالي 1.5في المئة وفي حالة الصين 3301 وفاة من أصل 82279 أي أقل من 4 في المئة. والدولة الأخرى التي نهجت خطة كوريا الجنوبية والصين هي ألمانيا التي تعمم الفحص الجماعي خمس مرات أكثر من فرنسا مثلا، ورصدت قرابة 50 ألف حالة، بينما عدد الوفيات لم يتجاوز 350. وكانت ألمانيا قد أكدت أنها تعتمد منهجية كوريا الجنوبية لرسم صورة حقيقية للفيروس. ولم تعتمد فرنسا وإسبانيا وإيطاليا هذه المنهجية بسبب غياب معدات الفحص، وهي المعدات التي تقتصر فقط على الحالات المتوسطة والصعبة من دون الخفيفة.
وعليه، تختلف الأرقام الحالية من بلد إلى آخر تماشيا مع المنهجية التي تستعملها كل دولة على حدة. وأخذا بعين الاعتبار الآراء التي تأخذ الفرق ما بين الفحص المعمم والمحدود، فالعالم قد تجاوز حاجز مليون مصاب بكثير، إذ ما بين إيطاليا وإسبانيا هناك أكثر من مليون مصاب.
تحت السيطرة
منذ تحول كورونا فيروس إلى وباء عالمي، بدأت الأسئلة تتناسل لدى الخبراء ووسائل الإعلام حول فرضية تحول هذا الوباء إلى ما يشبه فيروس الأنفلونزا الإسبانية الذي ضرب العالم ما بين سنتي 1918-1920. ويعد أخطر وباء في تاريخ البشرية وخلف وفق آخر الدراسات قرابة مئة مليون من الوفيات، وأصاب ما بين 25 في المئة إلى 35 في المئة من البشرية وقتها التي كان يقدر عددها بمليار و800 مليون (القدس العربي 29 فبراير 2020). وعلاقة بكورونا فيروس، وبعد أربعة أشهر من انتشار الفيروس، تفيد الأرقام الرسمية بما يفوق 600 ألف مصاب وقرابة 30 ألفا من الوفيات، بينما غير الرسمية تفيد بما يفوق مليون مصاب.
وبغض النظر عن التكهنات التي قدمتها بعض الحكومات ومنها في بريطانيا وألمانيا، لن يتطور هذا الوباء لكي يصيب نسبة عالية من سكان الكوكب لسببين، الأول وهو سرعة الاحتياطات التي تقوم بها الدول وخلفت وعيا لدى البشرية بمواجهة هذا الوباء ويتجلى في النظافة والحجر الصحي الشامل الذي يمتد إلى نصف ساكنة الكرة الأرضية. ويتمثل السبب الثاني في وقف السفر من خلال وقف حركة الطيران والبر مع استثناءات للضرورة. وتأتي هذه الإجراءات الصارمة في الشهور الأولى لبدء انتشار الوباء وهو ما يجعله تحت السيطرة ولم ينفلت، بينما إبان اندلاع الأنفلونزا الإسبانية تسترت الدول الغربية عليه بسبب الحرب العالمية الأولى ولم تتخذ إجراءات وبالتالي انتقل إلى العالم، وكانت إسبانيا هي الوحيدة التي تحدث عن الوباء سنة 1918.