أصبح ملف الحراك الشعبي في الريف يحظى باهتمام الإعلام الدولي ويجر إلى تساؤلات مقلقة حول التطورات المقبلة، خاصة بعدما بدأ ينتقل إلى باقي مناطق المغرب، وبعدما كان ملفا عاديا مقتصرا على مطالب اجتماعية إقليمية (محلية) وهي الحق في التعليم والصحة والشغل. ويعود تدويل الملف سياسيا وإعلاميا إلى الطريقة الخاطئة التي تعاطت بها الدولة المغربية مع الحراك منذ البدء وشكلت الفتيل لتأجيج الوضع.
وأخطاء الدولة المغربية في معالجة هذا الملف كثيرة، ويمكن إجمالها في أربعة أخطاء، وترفض الدولة المغربية الاعتراف بها شأنها شأن الدول غير الديمقراطية، التي تعتقد أن المحافظة على هيبة الدولة ينطلق أساسا من عدم التنازل للشعب، وبالأحرى الاعتراف بالأخطاء. والأخطاء الرئيسية معظمها متعمدة بهدف ضرب مشروعية الحراك ومطالبه الشعبية المتجلية في الصحة والتعليم والشغل، وإضفاء طابع سياسي ذي طابع إجرامي، وهذه الأخطاء هي:
1ـ وصم الحراك بالانفصال:
مثل معظم الدول التي تغيب فيها الديمقراطية، فإن المغرب يجعل من الوطنية والوحدة الترابية، عندما يعجز عن الحل في بعض الأحيان، سيف دومقليس لمواجهة أي حركة سياسية أو اجتماعية، خاصة إذا كانت حركة لا تشارك في اللعبة السياسية من برلمان وبلديات وباقي المؤسسات. يحدث هذا على الرغم من مواقفه المتناقضة مثل، سكوته عن سبتة ومليلية المحتلتين منذ سنوات، أو الصمت المطبق حول ملف لكويرة. وبادرت الدولة المغربية عبر عدد من الأحزاب السياسية، إلى اتهام الريف بالعمل وفق أجندة خارجية تهدف إلى الانفصال. وأثارت حفيظة الريفيين الذين تاريخيا حموا المغرب من الاستعمار الأوروبي منذ أواخر القرن الخامس عشر، ونابوا عن السلطة المركزية في فترات تاريخية معينة. ونتساءل: كيف ستكون نفسية الريفي وهو يتعرض لاتهامات، تبخس دوره التاريخي في حماية البلاد بل تجعل منه خائنا؟
2- توظيف الدين كسلاح سياسي:
يبقى العامل الذي فجّر الحراك بعد سبعة أشهر من التظاهرات الهادئة، هو توظيف الدولة عبر وزارة الأوقاف لخطبة الجمعة خلال الأسبوع ما قبل الماضي، بوصفها ما يجري في الريف من حراك اجتماعي «بزرع الفتنة» في المغرب. يضاف إلى هذا ترويج فرضية ارتباط ناشطي الريف بالشيعة في أوروبا، من أجل إقامة إمارة شيعية في هذا الجزء من المغرب. ويحذر أئمة وأقلام مقربة من السلطة من تكرار سيناريو سوريا وليبيا في المغرب. وهذا الخطاب يعتبر بائسا للغاية، نظرا للاختلاف السياسي والعسكري بين أزمات ليبيا وسوريا واليمن وحالة المغرب.
3-توظيف البلطجية والشبيحة:
خلال مناسبات، توظف الدولة مواطنين للتعبير عن وطنيتهم، ويقوم البعض عن اقتناع والآخرون بدافع المال. ويطلق الناشطون على هذا النوع من المواطنين في المغرب تسمية تبخيسية وهي «العياشة»، وهي كلمة مستوحاة من «عاش الملك». وكان «العياشة» يقومون بتظاهرات مضادة، لكن خلال حراك الريف، فقد تكلفوا وبطلب من الدولة المغربية، وفق الكثير من المعطيات والتصريحات، بالاعتداء على المتظاهرين في مدن مثل تطوان وطنجة وفاس وغيرها. وأظهرت أشرطة كيف يقوم مسؤول، معزز بالعياشة، في الريف بتهديد الناس إن هم تظاهروا. وتصمت الدولة عن هذه الممارسات، وهذا سيحمل نتائج خطيرة مستقبلا. في هذا الصدد، ممارسات من هذا النوع تحيل المواطن المغربي إلى ممارسات شبيهة لكتائب في دول أخرى تحمل أسماء قدحية مثل البلطجية والشبيحة. كما أن هذه الممارسات تزيد من الاحتقان وسط جزء مهم من الرأي العام المغربي الذي يتساءل: هل دولة مثل المغرب لديها أجهزة أمنية تلجأ إلى ممارسات منتشرة في دول فيها فوضى؟ وأخيرا، هذه الممارسات تسيء إلى مختلف مؤسسات الدولة، خاصة تلك التي يفترض أنها بموجب التعاقد والدستور يجب أن تكون في خدمة الشعب ومن ضمن ذلك توفير الأمن.
4- الفشل في التكهن:
هذا هو الخطأ الوحيد غير المتعمد عكس الثلاثة السابقة. إذ لم تكن الدولة المغربية بمختلف إداراتها وأجهزتها الاستخباراتية، ومراكز البحوث التابعة لها، ومنذ انفجار الحراك تتكهن بالتطورات التي سيتخذها حراك الريف. فقد تعاملت مع هذه التطورات بمفاهيم تعود إلى سنوات خلت، ويتبين أنها لا تمتلك نهائيا ترمومترا واقعيا لقياس درجة الاحتقان وسط الشعب المغربي، جراء ممارسات النهب الممنهج لممتلكات البلاد، ومستوى اليأس وسط الشباب بسبب غياب فرص الشغل، وسخط طبقات واسعة جراء انهيار الطبقة الوسطى وغلاء المعيشة، مع تدهور ملحوظ في قطاعات استراتيجية مثل التعليم والطب والتشغيل. وكل هذا يختله المغاربة في «كفى حكرة»، أي وقف احتقار الشعب.
هذه النقطة الأخيرة هي الجوهر، فقد فشلت الدولة في التكهن بتطورات الحراك، لأنها تفتقد لآليات علمية لقراءة المجتمع المغربي، رؤيتها قديمة، أمنية وبوليسية محضة، ولهذا فالحراك يمتد إلى مدن أخرى والى المجال القروي. في الوقت ذاته، لا تعي الدولة مدى تأثير اعتقال كل من طالب بحقوق اجتماعية أو سياسية على نفسية المواطن المغربي والرأي العام عموما، كما حدث مع زعيم الحراك ناصر الزفزافي ورفاقه، في وقت لا تولي اهتماما حقيقيا لمحاربة الفساد والمفسدين، بل إن بعض من يتولون الحكم والتسيير غارقين في الفساد.