بين دور الناخب اللاتيني في الانتخابات الأمريكية والمغاربي في الأوروبية

ملصق لاتنيني لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن

لعبت أصوات الأمريكيين من أصل لاتيني، دورا رئيسيا في فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، سواء عبر تقوية الحضور الديمقراطي في بعض الولايات، أو منحه ولايات كانت محسوبة تاريخيا على الجمهوريين مثل، أريزونا وجورجيا، بينما تستمر ولاية فلوريدا في الاستثناء. وهذا التطور يحيل على دور الجالية المغاربية في بعض الدول ومنها فرنسا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ومن خلال المعطيات الرقمية الخاصة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي جرت يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فقد صوت ما يفوق 74 مليون مواطن لصالح بايدن، بينما صوت 71 مليونا لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب. وهذا الفارق الذي يتجاوز ثلاثة ملايين صوت، لا يمكن تفسيره بحدوث تغيير سياسي كبير في تصويت المواطن الأمريكي، خاصة الأبيض لاسيما وأن الأمريكي الأبيض يميل للجمهوريين، بل يجب البحث عن الفارق لدى باقي الإثنيات الأمريكية، وأساسا صوت الأمريكيين من أصل افريقي وصوت الأمريكيين من أصل لاتيني.
وارتفعت نسبة اللاتينيين في هذه الانتخابات وتجاوزت أصوات الأمريكيين السود لتصبح ما يفوق 13% من الكتلة الناخبة، وهو ما يعادل 32 مليونا. وينقسم الصوت اللاتيني إلى قسمين، ويصوت أكثر من الثلثين لصالح الحزب الديمقراطي، والثلث يصوت لصالح الحزب الجمهوري. ويضمن الحزب الديمقراطي فوزا ساحقا في كاليفورنيا على الحزب الجمهوري في كل الانتخابات بفضل استقرار الصوت اللاتيني، أي الهجرة المكسيكية التاريخية المستقرة هناك. ويحدث العكس في ولاية تكساس، إذ تتواجد فيها نسبة كبيرة من اللاتينيين، ولكنهم لا يتوفرون على الجنسية الأمريكية للتصويت، وقد يتغير الوضع في ظرف عشر سنوات، خاصة أن هذه الانتخابات أكدت تقدم الحزب الديمقراطي بفضل اللاتينيين المجنسين مؤخرا. وتبرز الأرقام أنه كلما تمركز اللاتينيون في ولاية معينة ويحصلون على الجنسية الأمريكية، ترتفع حظوظ الحزب الديمقراطي، وهو ما وقع مثلا في أريزونا ونيفادا وجورجيا. ومن ضمن الأمثلة، كانت نيفادا جمهورية على شاكلة تكساس وأريزونا، ولكن شهدت ارتفاعا للاتينيين الذين حصلوا على الجنسية منتصف العقد الأول من القرن العشرين، وجرت ترجمة هذا التطور الديمغرافي الإثني عبر تحقيق باراك أوباما الفوز في نيفادا، وتحويلها الى ولاية ديمقراطية منذ تلك السنة. ويتكرر السيناريو مع أريزونا، وسيكون مع تكساس.
وتشكل ولاية فلوريدا حالة خاصة، فهذه الولاية مثل كاليفورنيا تضم نسبة مئوية كبيرة من اللاتينيين تتجاوز 30%، لكن اللاتينيين في هذه الولاية مختلفون عن باقي الولايات. يتعلق الأمر باللاجئين من كوبا ومؤخرا فنزويلا وكولومبيا وبوليفيا، وهؤلاء يؤمنون باليمين، ونسبة مهمة منهم من الأغنياء. ويعتقدون في خطاب الحزب الجمهوري المناهض للأنظمة اليسارية، وبالتالي يرغبون في إنهاء حكم الحزب الشيوعي في كوبا والاشتراكي في فنزويلا. ويرون أن الحزب الجمهوري هو القادر على تنفيذ هذه المهمة، ويتهمون الحزب الديمقراطي بمحاباة الأنظمة اليسارية، لاسيما عندما زار الرئيس باراك أوباما كوبا، وعندما حصل تقارب محتشم بين فنزويلا وواشنطن إبان حكم هوغو تشافيز وأوباما.

وتعد هذه الانتخابات الرئاسية المنعطف التاريخي، ليس بسبب هزيمة رئيس شعبوي، بل بسبب الوزن الذي اكتسبه الناخب اللاتيني في مختلف الانتخابات الرئاسية في الكثير من الولايات الكبرى، باستثناء ولايات الوسط وشمال الوسط، مثل إيداهو ونبراسكا ومونتانا، حيث الهجرة ضعيفة. وكان الحزب الجمهوري يتخوف من هذا السيناريو، كما يحذر منه مفكرو أمريكا البيضاء مثل صامويل هنتنغتون، الذي يعتبرها خطرا على الأمن القومي الأمريكي. وكان ترامب يدرك كثيرا هذا المعطى الذي سيؤثر كثيرا على الحزب في كل الانتخابات المقبلة. ولهذا كان قد بدأ حملته سنة 2015، التي قادته الى رئاسة الولايات المتحدة في انتخابات 2016 بالتهجم البغيض على اللاتينيين، خاصة المكسيكيين ووصفهم بشتى الاتهامات مثل، الجريمة المنظمة والاغتصاب. وبلغت الاتهامات مستويات من العنصرية لم تشهدها البلاد خلال العقود الأخيرة. (وكنت قد ركزت على هذه النقطة في مقال في جريدة «القدس العربي» بتاريخ 7 أغسطس/آب 2015 عندما لم يكن ترامب يثير اهتمام أحد، وكان عنوان المقال «المرشح الرئاسي للبيت الأبيض دونالد ترامب ينقل خطاب الجبهة الوطنية الفرنسية في الهجرة ويجعل من اللاتينيين مغاربيي أمريكا»). وقد شن ترامب حملة ضد العنصر الجديد في الهوية الأمريكية، ويقصد اللاتينيين، وكان قد نقل خطاب الجبهة الفرنسية ضد مغاربيي الدول الأوروبية، وإذا كان قد نجح سنة 2016 فقد انهزم في رئاسيات 2020 التي جرت الأسبوع الماضي. وبدأت أصوات جمهورية ترتفع منتقدة تسامح الحزب مع هجمات ترامب بشأن مكون يكتسب قوة مع مرور الوقت في المشهد السياسي الأمريكي. وبدون شك ستحدث مراجعة ليتخلى الجمهوريون عن خطاباتهم القريبة من العنصرية. ورغم الفارق النسبي لكن مع وجود سياقات سياسية وتاريخية متشابهة، هذا يجرنا إلى تساؤل عريض: هل يمكن لمغاربيي أوروبا تكرار السيناريو بالتحول إلى كتلة سياسية في الانتخابات في دول مثل فرنسا؟ الجواب قد يكون صعبا بحكم تشتت الصوت المغاربي – الأوروبي عبر الأحزاب الليبرالية واليسارية، وسيادة تأويل يعمل ضد تجمع الصوت الإثني. وفي ظل التشتت يبقى المغاربيون هدفا سياسيا، بمعنى كبش الفداء في كل الأزمات، ومنها الأزمة الأخيرة التي تشهدها فرنسا على خلفية الرسوم المسيئة للدين.

Sign In

Reset Your Password