ما هي الدول العربية التي ستستفيد من عقيدة الدفاع الجديدة لروسيا؟

صاروخ سارمات الذي تراهن عليه روسيا للحد من نوفذ الولايات المتحدة عسكريا

قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجموعة من الأسلحة الاستراتيجية واصفا إياها بالأكثر تطورا في العالم، التي يصعب اعتراضها، وفي الوقت ذاته، كشف عن توجه جديد في سياسته الخارجية، وهو الرد على كل هجوم يتعرض له حلفاؤه. هذه الأسلحة تعتبر منعطفا حقيقيا للتأكيد بأن هيمنة الولايات المتحدة على العالم انتهت، أحادية القطب، نحو قطبية متعددة بالفعل، إذ أثبتت التجارب أن امتلاك سلاح استراتيجي يؤثر على صناعة القرار الدولي.
واعتاد بوتين الحديث عن الأسلحة بين الحين والآخر، ولكن هذه المرة قام بتقديم أسلحة استراتيجية في خطاب ضخم، يوم الخميس الفاتح من مارس 2018 أمام الجمعية الفيدرالية، مستعرضا الكثير من أنواع هذه الأسلحة، ومشيرا إلى أن الجيش الروسي يتوفر على عتاد جديد منذ سنة 2012.
ومن أبرز ما قدمه مجموعة من الصواريخ البالستية، مثل سارمات البالستي وصاروخ كينجال الاستراتيجي وصاروخ أفانغارد من النوع نفسه، وكلها فائقة السرعة مرات عديدة سرعة الصوت، ولا توجد أنظمة مضادة تعترضها بما فيها الدرع الصاروخية الأمريكية. وخلقت القلق في الغرب، خاصة في القارة الأوروبية. وبرر الرئيس بوتين الرهان على أسلحة جديدة بمثابة رد على النشاط العسكري المكثف للبنتاغون، ابتداء من الدرع الصاروخية لمواجهة روسيا والصين، وانتهاء بنشر صواريخ ومعدات عسكرية في شرق أوروبا. وترى إدارة الكرملين أن روسيا كانت ضحية تعهدات أمريكية في الماضي، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، إذ قامت بحل حلف وارسو، وكانت تنتظر حل الحلف الأطلسي، لكن هذا الأخير استمر وبدأ في منح العضوية لدول كانت في حلف وارسو في الماضي. في الوقت ذاته، اعتبر بوتين دائما تفكك الاتحاد السوفييتي خسارة جيوسياسية كلفت العالم الكثير، ولن يسمح لواشنطن تكرار السيناريو نفسه بمحاصرة روسيا مجددا.
والأسلحة الروسية الجديدة هي ضمن تصور جديد للدفاع والهجوم كذلك، فهذه الصواريخ تدخل ضمن برنامج جرى وضع تصوره «حارق الشمس» في الماضي للرد على حرب النجوم، التي كان قد أعلن عنها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، وتم تغييرها بالدرع الصاروخية. وهذا البرنامج يعتمد فلسفة جديدة في صناعة السلاح. خلال السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفييتي، أدرك السوفييت صعوبة مسايرة الولايات المتحدة في الصناعة العسكرية، ومقابل كل دولار كان ينفقه السوفييت على التسلح، كان البنتاغون يستثمر عشرة دولارات. وبهذا نجح البنتاغون في التوفر على عدد كبير من حاملات الطائرات وسلاح جو متطور علاوة على أسلحة أخرى. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي بقيت برامج التسلح الروسي مجمدة بسبب تقارب الرئيس بوريس يلتسن مع الولايات المتحدة، لكن تولي فلاديمير بوتين رئاسة البلاد، وهو القادم من هيئة الاستخبارات وما تميز العاملين في أجهزة من هذا النوع من وطنية متطرفة، قرر إعادة هيكلة الصناعة الحربية الروسية وركيزتها الأساسية هي تحقيق قفزة نوعية في برنامج «حارق الشمس» يهدف الى إنتاج صواريخ ما بين قصيرة ومتوسطة المدى تستهدف أساسا تدمير حاملات الطائرات وأهداف دقيقة.
ونجحت روسيا خلال العقد الأخير في إنتاج صواريخ تتميز بالسرعة الفائقة، قوة التصويت، عنصر المفاجأة عبر عدم رصد الرادارات للصاروخ حتى الثواني الأخيرة، ما يجعل كل اعتراض له عملية مستحيلة تقريبا وأخيرا القوة التدميرية.
وأين يكمن الفرق بين الصناعة العسكرية الروسية والأمريكية خلال العقد الأخير؟ رغم إشرافها على الصناعة الحربية، تبقى الشركات الأمريكية الخاصة التي تنتج الأسلحة، وبالتالي تتغلب المصلحة التجارية في الكثير من الحالات، كما وقع مع طائرة الجيل الخامس 35 التي تضاعفت ميزانية استثماراتها بشكل مهول وهناك انتقادات لهذه الطائرة لأنها لم تحقق الكثير من التقدم مقارنة مع طائرتي إف 15 وإف 16. في المقابل، تشرف الدولة الروسية على الصناعة الحربية الروسية وهي التي تقرر نوعية الأسلحة ونوعية الاستثمارات تماشيا مع الاحتياجات الحقيقية لسياسة الدفاع. واعتمادا على هذه الفلسفة جرى تحقيق هذه القفزة النوعية في الصواريخ.
وجيوسياسيا، حملت هذه الأسلحة نتيجة جيوسياسية مهمة للغاية، وهي النهاية الحقيقية لأحادية القطب. إذا كان التدخل الروسي في سوريا إيذانا بكبح السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وتأتي هذه الأسلحة المتطورة لتسمح للرئيس بوتين بالتأكيد بكل ثقة في خطابه على ما يلي: ومن واجبي القول إن استعمال السلاح النووي ضد روسيا أو حلفائها، سواء القصيرة أو المتوسطة أو أي مدى، سيتم اعتباره هجوما نوويا ضد هذا البلد (روسيا). وسيكون الرد مباشرة بغض النظر عن النتائج التي ستترتب عنه». تعتبر هذه الفقرة التي جرى تكرارها مرتين في الخطاب بصيغتين مختلفتين بحديثه، الرد حتى إذا كان الهجوم بسلاح كلاسيكي تقليدي من أخطر وأهم القرارات التي اتخذتها روسيا، وبها تستعيد سياسة حلف وارسو السابقة. وبهذا، يتأكد مجددا أن الحصول على سلاح استراتيجي يسمح للدولة التي تمتلكه من تغيير الموازين وفرض قرارات جيوسياسية، كما يجري الآن مع القرارت التي أعلن عنها بوتين الخميس الماضي.
ويبقى السؤال المعلق: من هم حلفاء روسيا الذين ستدافع عنهم بالسلاح إذا ما تمت مهاجمتهم؟ سيستفيد عدد من الدول بالحماية الروسية، وعلى رأسها كوبا وصربيا والصين وبعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا وحتى إيران. ويبقى السؤال معلقا في حالة العالم العربي، سوريا تحولت إلى محمية روسية، والجزائر قد تستفيد مباشرة من التحول الجديد في عقيدة الدفاع لموسكو، وقد ساعدتها سرا إبان الربيع العربي، وقد تتشجع دول عربية أخرى لتوقيع اتفاقيات دفاع مشترك مع روسيا بعدما خذلت واشنطن حلفاء الأمس في العالم العربي.

Sign In

Reset Your Password