قناة «الجزيرة» أخلفت موعدها مع الشعوب الناطقة بالإسبانية/ د. حسين مجدوبي

تعتبر «الجزيرة» بمختلف فروعها، خاصة القناة الإخبارية والموقع الرقمي، من وسائل الإعلام ذات التأثير الكبير في العالم في الوقت الراهن. ويتعاظم هذا التأثير نسبيا بالرهان على لغات أخرى مثل الصينية، لكن الجزيرة لم تكن في الموعد مع العالم الناطق بالإسبانية، وأساسا أمريكا اللاتينية التي تعتبر من المناطق التي يتعاظم دورها في العلاقات الدولية.
وتعتبر «الجزيرة» من وسائل الإعلام التي تلعب دورا مهما في الصراع الإعلامي في العالم، أو ما يطلق عليه بعض الباحثين «بجيوبولتيك الإعلام»، الى جانب قنوات ومجموعات إعلامية مثل «بي بي سي» و»سي إن إن» و»فرانس 24» و»سبوتنيك» و»روسيا اليوم». ودور وسائل الإعلام هذه تجاوز تأثير جرائد ذات تاريخ كبير مثل «لوموند» و»نيويورك تايمز»، لأن الأولى لديها أجندة إعلامية مسطرة للغاية، وبالتالي تسعى إلى التأثير السياسي، بينما الثانية تمارس الإعلام بمفهومه الكلاسيكي.
وعلاقة بـ»الجزيرة»، قد تكون، كما ذهبنا في بحث نشرناه في مجلة في جامعة مالقا منذ سنوات «أنفو أمريكا» وخصصنا لها فصلا في كتاب «ثورة الكرامة في العالم العربي، من اليأس الى النهضة» حول الربيع العربي أن «الجزيرة» من وسائل الإعلام القليلة في تاريخ الصحافة التي استطاعت في وقت وجيز بناء رأي عام صلب في رقعة جغرافية شاسعة، تتميز بطغيان الأمية وضعف المعرفة، مثل العالم العربي، وساهمت لاحقا في تحريك هذا الرأي العام من أجل تغيير الأوضاع السياسية، الربيع العربي. ووعيا بدورها، انتقلت «الجزيرة» الى ما يعرف بالعالمية، أي إصدار نسخ بلغات أخرى، وهي الانكليزية، سواء القناة أو الموقع الرقمي. ولا توجد أرقام دقيقة حول نسبة المشاهدة ونسبة زوار الموقع، وهل تحولت الى مصدر لوسائل الإعلام الأنكلوسكسونية، ومدى تأثيرها في الناطقين بالإنكليزية. ولكن هذا لا يمنع من اعتبار «الجزيرة»، رغم هفواتها الأيديولوجية، علامة في تاريخ الصحافة العالمية، وشخصيا أعتبرها علامة مميزة في صنع الرأي العام والتأثير فيه، لأن تقييم وسيلة الإعلام يكون أساسا عبر جودة الأخبار والبرامج، ثم ما يترتب عنها من تأثير لاحقا. والتأثير لا يرتبط أساسا بالجودة، فالأجندة الإعلامية لـ»الجزيرة» مقارنة مع إمكانياتها المالية والبشرية، لا ترقى الى جودة كبيرة، لكن بعض برامجها مثل «الاتجاه المعاكس» خاصة حلقات السنوات الماضية تبقى مرجعا في كيفية صناعة الرأي في تاريخ الإعلام.
وبعد الانكليزية، تراهن «الجزيرة» على الصينية تماشيا مع تحول الصين إلى قوة عالمية، واحتمال تحولها خلال العقدين المقبلين إلى القوة الأولى عالميا، مزيحة الولايات المتحدة عن صدارة القوة الأولى. جميل الرهان على الصين، لكن الرأي العام الصيني لا تأثير له في العلاقات الدولية، بحكم تولي الحزب الشيوعي الحسم في كل القضايا، لأن الديمقراطية تغيب في هذا البلد العملاق اقتصاديا وبشريا.
والاستثمار الإعلامي لصناعة الرأي العام والتأثير، وجلب التعاطف مع القضايا العربية، بل بناء جسر للتفاهم السياسي كان يستحسن من طرف «الجزيرة» اختيار منطقة حيوية اقتصاديا وسياسيا، خاصة في القضايا الدولية، وهي العالم الناطق باللغة الإسبانية، خاصة أمريكا اللاتينية، تتخاطب معه عبر جريدة رقمية وليس بالضرورة قناة تلفزيونية، أي النسخة الإسبانية لـ»الجزيرة». وتعتبر دول أمريكا اللاتينية من مناطق العالم المهمة، حيث للساكنة دور مهم في التأثير في القرارات الحكومية والسياسة الدولية، لأنها تعيش رغم بعض التعثرات ديمقراطية حقيقية، للشعب كلمة في صناعة القرار الوطني والدولي. وتبقى هذه أهم نقطة، لأن مخاطبة الرأي العام الأمريكي اللاتيني هو استثمار حقيقي لقضايا الشعوب العربية على المدى القريب والمتوسط والبعيد. في الوقت ذاته، تعتبر المنطقة الأكثر تعاطفا مع قضايا العالم العربي، وكان هناك اهتمام وتأييد كبيران مع الربيع العربي، لأن شعوب المنطقة كانت ضحية أنظمة ديكتاتورية وتمنت للشعوب العربية الديمقراطية.
وسجل قادة دول مثل هوغو تشافيز والإكوادوري رافائيل كوريا والبوليفي إيفو موراليس مواقف خالدة في دعم القضية الفلسطينية مثلا. ومن خلال جرد بسيط لأغلب الأخبار التي تتوصل بها شعوب المنطقة عن القضايا العربية مصدرها وكالات أنباء غربية مثل، رويترز وفرانس برس وإيفي. ولا تجد هذه الشعوب ووسائل الإعلام التقدمية وسيلة إعلام عربية ناطقة بالإسبانية، يشرف عليها خبراء عرب في تسيير الأجندة الإعلامية، سواء اختيار الأخبار أو صياغتها وفق منطلقات تأخذ بعين الاعتبار عددا من الاعتبارات المشتركة أو الأهداف المرجو تحقيقها. وكل ما يعثرون عليه هو القسم الإسباني لبعض الوكالات العربية ذات المضمون الرسمي الذي لا يثير أي اهتمام.
ومن جانب آخر، كانت العلاقات بين العالم العربي وأمريكا اللاتينية، قد بدأت تتبلور في نهاية العقد الماضي، باحتضان البرازيل أول قمة بين الطرفين، وإن كانت قد توقفت بسبب الربيع العربي، وبسبب خضوع بعض أنظمة الخليج لضغط من عواصم غربية للحد من هذه العلاقة، ولم يصاحب انطلاقتها عملية إعلامية من طرف وسائل الاعلام العربية ومنها «الجزيرة» باستثناء قيام هذه الأخيرة ببعض الحوارات مع قادة مثل هوغو تشافيز. لقد كان لـ»الجزيرة» الريادة في تحقيق قفزة نوعية في الإعلام العربي والانفتاح على الآخر، ولكنها في هذا الانفتاح أخلفت موعدها مع الشعوب الناطقة باللغة الإسبانية.

Sign In

Reset Your Password