تعلموا من الأفارقة أيها العرب! / توفيق رباحي

الرئيس السابق لإفريقيا الجنوبية جاكوب زوما

بعد أن نجح شعب زيمبابوي في اقتلاع «الزعيم» روبرت موغابي بعد قرابة الأربعة عقود من الحكم الأحادي باسم الثورة على المستعمر البريطاني، نجح قادة المؤتمر الوطني الأفريقي، مدفوعين بضغط شعبي، في «اقتلاع» الرئيس جاكوب زوما من الرئاسة بعد أن اعتقد العالم أن الرجل هو أحد ورثة الزعيم الراحل نيلسون مانديلا. كذلك نجح شباب أثيوبيا في انتزاع حقوق سياسية ومدنية ناضلوا من أجلها طويلا.
اليوم جاء دور شعب جمهورية الكونغو ليقول لا لاستمرار الرئيس جوزيف كابيلا في مقعد ورثه عن والده في غفلة من الجميع.
يبدو أنه ربيع جديد في نسخة أفريقية، وتكرار لأثر الدومينو الذي انتقل من تونس إلى مصر فاليمن في 2011، هذه المرة من زيمبابوي إلى جنوب أفريقيا فجمهورية الكونغو في 2018.
لكن الفرق أن هذه التطورات المهمة في أفريقيا حدثت من دون مآس… لا دماء أُريقت في الشوارع، ولا ممتلكات عامة تعرضت للتخريب، ولا سجون امتلأت بالمحتجين والمطالبين بحقوقهم. بل أعطت هذه الأحداث الانطباع وكأنها لا تعني العالم وتدور بعيدا عن أنظاره وعن الصحافة الغربية التي لا يتردد بعضها في تنصيب نفسه في منصب المنظر. في بعض الأحيان يكون الاهتمام الدولي نقمة، وتعطي الدروس التي يعطيها الآخرون نتيجة غير التي يرغب فيها أصحاب الشأن.
هذه الأحداث المتلاحقة ليست وليدة الصدفة، وليست نابعة من العدم. هي بالأحرى تراكم واستمرار لصيرورة سياسية واقتصادية واجتماعية إيجابية تعيشها القارة السمراء منذ نحو عقد من الزمن، وبدأت تؤتي أُكلها وتكسب احترام وثقة المتابعين لها من خارج القارة.
أفريقيا التي طالما عيّرها العالم، ومعه العرب، بالجوع والأمراض والفشل والديكتاتورية، تنهض ببطء ولكن في الطريق الصحيح لتعطي الآخرين دروسا في النضال السلمي وفي انتزاع الحقوق بالطرق الحضارية على الرغم من كل الظروف السلبية المحيطة بشعوبها والمحبطة لها.
غير بعيد عن القارة الأفريقية تسير منطقة أخرى في الاتجاه المعاكس تماما بعد بصيص أمل وتجربة قصيرة وسريعة، حديثة، شكلت استثناء في تاريخ طويل من المآسي والصراعات. اسمها المنطقة العربية، ويبدو أنها تتجه بثقة نحو إخفاق اقتصادي أكيد، وتدهور سياسي عميق وأزمة حريات وحقوق مزمنة.
ناهيك عن الأزمات الداخلية التي يمكن تسميتها بالعمودية، المنطقة تعيش أزمات إقليمية ونزاعات جوار بينية، يمكن وصفها بالأفقية، لا يوجد في الأفق ما ينذر بأنها سطحية أو عابرة. وحتى لو كانت كذلك وانتهت ستحل محلها أزمات أخرى تشبهها أو أسوأ منها.
من حيث الشكل، تتشابه المنطقتان. الأفارقة شكلوا مستعمرات خصبة للقوى الغربية نهبت خيراتهم وأعادتهم قرونا إلى الوراء. كذلك كانت المنطقة العربية وسكانها فريسة للقوى الاستعمارية طيلة قرون من الزمن. لكن الأفارقة، كما يبدو، يتجهون نحو خلق الفرق بحيث لن يبقى في حضيض الكرة الأرضية إلا أمة العرب.
القارة الأفريقية هي أيضا عبارة عن خزّان ضخم لشباب معبأ بالطاقة ومحبَط في الوقت ذاته. هذا الشباب يمكن اعتباره مستودع بارود جاهزا للانفجار في أي لحظة لكن من الممكن تحويله إلى ثروة تكون سببا في نهضة البلاد. الكل متوقف على طريقة استغلال هذه الطاقة التي يمكن اعتبارها سلاحا ذو حدين.
أحد الأسباب الرئيسية في تفسير الفرق الذي قد يأخذ شكل تناقض بين العرب والأفارقة، يكمن في أن الأفارقة يسكنون منطقة لم تعد تثير اهتمام الغرب بعقليته الاستعمارية. هذه القارة ذاتها لا تغري الغرب كثيرا طالما أن المنطقة العربية موجودة وتوفر لهذا الغرب ما يحتاجه بالشكل الذي يريده ومن دون تأفف أو كلل.
كما أن المنطقة العربية، ولظروف محلية وأخرى دولية، تبدو جاهزة أكثر للصراعات البينية والحروب بكل أشكالها. وتبدو أكثر تقبلا للفتن وتأقلما معها. وتبدو سعيدة بكونها نموذجا للعالم في الخراب والفشل والعقم.
ولعل للثروة والثراء في هذه المنطقة دور في عقمها وفي جلب هذا الاهتمام السلبي وجعل المنطقة ملعونة بدلا من العكس. الثروة الكثيرة أسالت لعاب المهتمين بأمر العرب، من تجار سلاح إلى محترفي بناء ومنشآت مرورا بكل سمسار دولي له سلعة أو خدمة، أيًّا كان نوعها، يريد تصريفها.
ما يجب التوقف عنده في تناول هذه الاستفاقة الأفريقية أن الثورة التي يشهدها العالم في مجال الإعلام الرقمي ووسائط التواصل الاجتماعي، ساهمت في تقريب الناس بعضها من بعض، وفي نقل تجارب هؤلاء إلى أولئك والعكس. ومن الإنصاف عدم الإقرار بأن الشبان الأفارقة استفادوا بشكل من الأشكال من تجارب نظرائهم العرب في 2011. هذه الاستفادة كانت أساسا بفضل وسائط التواصل الاجتماعي ولا شيء غيرها.
الأهم ألاَّ تُلهم الأفارقة الثورات العربية المضادة والردة التي شهدتها المنطقة. والأهم كذلك أن يستفيد العرب من الدروس الأفريقية الحالية.

Sign In

Reset Your Password