النظام يتابع تقليم أظافر البيجيدي رغم إضعافه / المعطي منجب

الأمين العام السابق للبيجيدي عبد الإله ابن كيران والحالي سعد الدين العثماني

  أكد الحبيب الشوباني رئيس مجلس درعة تافيلالت وهي جهة شاسعة وفقيرة جنوب شرق المغرب أن وزارة الداخلية تدخلت مؤخرا في ميزانية الجهة وأن هذا يشكل «حالة شرود» لا قانونية. كما صرح الشوباني لجريدة المساء أن قرار الداخلية لا يتعلق بخطأ في التقدير بل هو «قرار ذو بعد سياسي». وفعلا إذا رجعنا للقانون التنظيمي للجهات فإنه لا يعطي الحق لوزارة الداخلية في التدخل لتوجيه أو تغيير ميزانية الجهات. كل ما يمكن أن تفعله الداخلية هو عدم التأشير على هاته الأخيرة حتى يعاد التداول فيها من قبل المجلس.
ماذا حدث بالضبط إذن وما هو المغزى السياسي لقرار الداخلية؟ إن أجهزة وزارة الداخلية خرقت القانون بالتأشير على الميزانية بعد أن حذفت الفقرة المتعلقة بمنحة قرر مجلس الجهة المعنية توفيرها للطلبة الجامعيين. يبدو أن المستهدف من قرار الداخلية هو الأغلبية السياسية لمجلس الجهة والتي تنتمي للعدالة والتنمية، كما أن الشوباني وهو قيادي بارز في الحزب الإسلامي يدافع عن أطروحة الاستقلالية التامة لهذا الأخير تجاه النظام رغم مشاركته في الحكومة. والشوباني له تاريخ طويل في الصراع مع السلطة. فقد تعرض منذ بضع سنوات، وكان آنذاك وزيرا للعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، لحملة إعلامية تشهيرية استمرت لشهور وتتعلق بحياته الخاصة، مما اضطره لمغادرة الحكومة لينتخب بعد ذلك رئيسا لجهة درعة تافيلالت التي ينحدر منها.
يبدو أن قرار الداخلية بحذف الإثني عشر مليونا من ميزانية الجهة، المخصصة لمساعدة الطلبة المنتمين لأسر فقيرة على متابعة دراستهم، قرار يستهدف ما يسميه أهل النظام بشعبوية البيجيدي. وهم يدخلون في ذلك كل المبادرات والسياسات التي قد تقوي الحزب على الصعيد الانتخابي والسياسي. ودليلنا في ذلك أن جهة طنجة كانت قد خصصت كذلك مساعدة للطلبة من عدة ملايين إلا أن الداخلية لم تحرك ساكنا. وإذ يظهر السبب يبطل العجب، فالجهة الأخيرة يترأسها حزب الأصالة والمعاصرة المقرب من القصر.
نفس الموقف نهجه النظام تجاه الدعم المالي المباشر على المستوى الوطني للأسر المعوزة والذي دافع عنه في الانتخابات الأخيرة والتي قبلها، البيجيدي وجزء من اليسار. فبعد أن اعترضت عليه لمدة طويلة الأحزاب المقربة من القصر ومنها التجمع الوطني للأحرار المشارك في الحكومة، تم قبوله أخيرا وتحت الضغط الشعبي ولكن تم وضع تدبيره بين أيدي الداخلية التي تسترجع شيئا فشيئا قوتها كأم للوزارات. هكذا كانت تسمى الداخلية على عهد الراحلين ادريس البصري والحسن الثاني.
نفس الشيء حدث مع صندوق التنمية القروية فقد انتزع قانون المالية لسنة 2016 صلاحية الآمر بالصرف من بين يدي رئيس الحكومة ليقدمها هدية لعزيز أخنوش وزير الفلاحة والصديق المقرب من الملك. لماذا 2016 ؟ لأن الانتخابات التشريعية كانت على الأبواب ولأن العدالة والتنمية كان قد أحرز نجاحا كبيرا في الانتخابات البلدية للسنة التي قبلها. الغريب في الأمر أن ميزانية الصندوق المعني تم الرفع منها بشكل كبير لتصل إلى خمسة وخمسين مليار درهم أي ما ينيف على ستة ملايين دولار. ميزانية بهذه الضخامة كان لابد أن تصرف تحت مراقبة رئيس الحكومة ولكن احتجاجات بنكيران ذهبت سدى واضطر في الأخير ليطأطئ الرأس أمام إلحاح رجال لقصر. حاولت قيادة البيجيدي الجديدة، معتقدة أن المياه مع القصر قد رجعت إلى مجاريها بعد التخلص من بنكيران، أقول حاولت إرجاع صندوق التنمية القروية لرئاسة الحكومة وذلك بتوصية تقدمت بها الأغلبية عبر اللجنة البرلمانية لمراقبة المالية، إلا أن حزب أخنوش المكون السياسي الثاني في الأغلبية الحاكمة تصدى للمبادرة متحالفا في هذا مع الأصالة والمعاصرة المعارض.
تقليم أظافر الحزب الإسلامي لا يتوقف عند القضايا المالية التي لها وقع على حياة أغلبية المواطنين. إنه يمتد إلى كل مناحي الحياة العامة ومنها الإعلام. فالمنتقدون للسلطة من بين قيادييه شبه ممنوعين من المرور على قنوات الإعلام العمومي. ويمكن أن نذكر من بين هؤلاء عبد الإله بنكيران نفسه رغم شعبيته الكبيرة. كما أن سياسة المجافاة هذه لا تقتصر على أعضاء البيجيدي وحده بل تمس كل الشخصيات المستقلة التي عينت في مناصب حساسة تحت ضغط الحراك الديمقراطي لسنتي2011 ـ 2012. فالسيدة سليمة بناني وهي شخصية مشهود لها بالكفاءة والاستقلالية لن يجدد لها هذه السنة على رأس صندوق المقاصة الذي كانت في السابق تذهب أكثر أمواله لشركات المحروقات، وهاته الأخيرة تمثل أحد أقوى اللوبيات الاقتصادية المغربية المستفيدة من ريع الدولة. سليمة بناني عبرت عن استقلاليتها لما أكدت في تقرير للبرلمان أن صندوق المقاصة يؤدي مستحقات مالية ضخمة للشركات البترولية والغازية دون أن تدلي هذه بأية فواتير بل أن الصندوق لا يتوفر على الإمكانيات البشرية والقانونية للتحقق من كمية المحروقات التي تدعي الشركات المعنية أنها تستردها من الخارج. كان تقرير السيدة بناني قد أثار في وقته موجة عارمة من الانتقادات التي وجهت لسياسة الريع والمحاباة وإهدار المال العام. في نفس الوقت كانت المرأة الشجاعة قد وضعت – ربما دون دراية منها- مفتاح الصندوق تحت بساط الباب.

Sign In

Reset Your Password