وساطة إفريقيا بين روسيا وأوكرانيا/ د. حسين مجدوبي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستقبلا رئيس الاتحاد الإفريقي السينغالي سالي ماكالي خلال السنة الماضية

تطغى أخبار الحرب ومختلف أنواع السلاح في المشهد الحربي الأوكراني -الروسي، غير أنه في العمق تجري مجهودات لإنهاء هذه الحرب، وقد تكون عبر مجموعة من الدول الإفريقية أو الاتحاد الإفريقي، وهو ما تحبذه روسيا والصين كذلك في ظل تحفظ صامت من الغرب أو دعم جد محتشم خاصة من طرف واشنطن.
في هذا الصدد، يعلو صوت الحرب على مساعي السلام، وتنقل مختلف وسائل الإعلام الدولية المخططات الحربية وأنواع العتاد العسكري التي ستدخل الحرب مثل مقاتلات أف 16 الأمريكية أو الدفع بصواريخ جديدة من هيمارس، أو تتبع فعالية الصواريخ فرط صوتية الروسية من نوع كينجال. وبهذا يسيطر منظرو الحروب على شاشات التلفزيون وفي القنوات الخاصة لليوتيوب.
وفي المقابل، لا تجد مساعي السلام حيزا في الإعلام العالمي، وإن جرى الحديث عن العمل من أجل هدنة لا تلوح في الأفق يكون حديثا مصحوبا بشروط معلنة وكأنها إذلال للخصم كما حدث مع قرارات مجموعة السبع الكبرى في اليابان الأسبوع الماضي، أو كما يصدر عن قادة الكرملين بين الحين والآخر. ويبدو أن صنّاع القرار الدولي يهتمون بنوع من الاحتشام بمساعي القادة الأفارقة التي لم تلفت حتى الآن الأضواء، ولم تلق الاهتمام الكافي بحكم أن أجندة الإعلام الغربي وتوابعها ومنها الإعلام العربي مازال يرى في القارة السمراء مجرد فضاء للتنافس بين القوى الكبرى، وكذلك مجرد كومبارس لا يتعدى دورها تأثيث المشهد الجيوسياسي عالميا.

ونتساءل: ماذا لو لعبت إفريقيا دورها في الحرب الروسية في أوكرانيا؟ في هذا الصدد، يمكن أن تتوجه بعثة مكونة من ستة رؤساء دول إفريقية الى موسكو وكييف للبحث عن حل سلمي للحرب. ولم يعد الأمر مجرد تخمينات، بل بدأ يتحول إلى واقع بعدما قام رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، بإضفاء الطابع الرسمي على الخبر الأسبوع الماضي باحتمال إيفاد هذه البعثة الى البلدين، والتي ينبغي أن تشمل، بالإضافة إلى بلاده، السنغال وزامبيا، والكونغو، وأوغندا، ومصر. وأعلن رئيس جنوب إفريقيا في ندوة صحافية عن قبول كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استقبال البعثة الإفريقية لاختبار مساعي السلام والمقترحات الإفريقية.
عمليا، لم يتم تحديد زمن للبعثة الإفريقية ولا مضمون الأجندة، وإن كان عنوانها هو البحث عن السلام. ويبقى قبول كييف وموسكو استقبال هذه البعثة مؤشرا كبيرا على نجاح مساعيها مسبقا. وقد تحقق البعثة الإفريقية نجاحا نسبيا في مساعيها الأولى، وتوجد عناصر واضحة قد تسفر عن إرساء أرضية لتفاهم حول للسلام وهي:
في المقام الأول، لم تتورط معظم الدول الإفريقية في دعم الحرب أو الانخراط ضدها، بل اقتصرت على التنديد بالغزو الروسي تماشيا مع القانون الدولي في الأمم المتحدة أو أحجمت عن إدانة روسيا.
في المقام الثاني، تعتبر الدول الإفريقية وخاصة الاتحاد الإفريقي هو المؤهل للقيام بوساطة بحكم أن باقي الأطراف الدولية مثل الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة وعدد من الدول الآسيوية متورطة في الحرب بطريقة أو أخرى سواء بالدعم المباشر مثل الأوروبيين وواشنطن أو الدعم غير المباشر مثل الصين.
في المقام الثالث، يدرس الأفارقة هذه المبادرة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبعد مرور نصف سنة، يبدو أنها تبلورت واكتمل تصور العمل.
ويجمع الكثير من المراقبين على اعتبار الحرب الروسية – الأوكرانية عنوان منعطف تاريخي في العلاقات الدولية نحو بلورة خريطة جيوسياسية جديدة للعالم. وفضل معظم دول القارة الإفريقية التريث وعدم الانخراط أو الاستقطاب بشدة في هذه الحرب. وهذا ربما يحدث لأول مرة في تاريخ القارة السمراء منذ استقلال معظم دولها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. فقد راعى الاتحاد الإفريقي مصالحه بالدرجة الأولى لاسيما وأن شعوب القارة تأثرت بارتفاع أسعار الطاقة وأسعار المواد الغذائية. واستقلت القارة في الكثير من القرارات عن الغرب. ومن ضمن اللحظات المعبرة عن بدء هذه الاستقلالية زيارة رئيس الاتحاد الإفريقي السينغالي ماكي سال خلال يونيو/حزيران الماضي الى روسيا وعقد لقاء مع فلاديمير بوتين لبحث مصالح القارة السمراء. وقال وقتها المحلل السياسي السنغالي بامبا غاي إن الحرب الروسية ضد أوكرانيا تعيد صياغة العلاقات الغربية مع باقي العالم ومنها القارة الإفريقية، مضيفا أن القارة السمراء ترغب في نهج سياسة مستقلة تخدم مصالحها بالدرجة الأولى دون الانحياز لهذا الطرف أو ذاك ومن ضمن هذه المصالح تأمين أمنها الغذائي، حيث تعد روسيا مصدرا هاما للحبوب. وشدد على استقلالية استراتيجية القارة السمراء في التعاطي مع مصالحها في عالم يسير نحو تعدد القطبية.
ويتابع الغرب بقلق تطور مواقف الاتحاد الإفريقي وكيف ستكون مستقبلا. فمن جهة، فقد خزانا من الأصوات التي كانت مطاعة في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومن جهة أخرى، يرى في التوجه الجديد للأفارقة نوعا من الانتقام من الماضي الاستعماري. وارتباطا بهذه النقطة الأخيرة، يتبنى الأفارقة خطاب تصفية بقايا الاستعمار الغربي والتركيز على مبدأ التعويض. وتعد فرنسا أكثر المتضررين من هذا الخطاب، وبدل الاستماع للأفارقة، تروج للتأثير الروسي والتركي على عدد من دول القارة السمراء. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارات له لإفريقيا السنة الماضية والجارية قد وجه اتهامات مباشرة لكل من موسكو وأنقرة بتأجيج القارة السمراء ضد الغرب وبالخصوص المصالح الفرنسية.
في المقابل، يوجد ترحيب روسي وصيني أكثر من الغرب بهذه المبادرة الإفريقية، إذ تلتقي مع تصورات بكين وموسكو نحو عالم متعدد الأقطاب، وذلك يمنح الاتحادات الإقليمية أو القارية دورا في إرساء السلام وصنع القرار الدولي.

Sign In

Reset Your Password