هل يفقد المغاربة صفة “الشعب الكريم المضياف” مع تعاظم سلوكات عنصرية ضد المهاجرين

تنامي سلوكات العنصرية في المجتمع المغربي ضد المهاجرين

 

المضايقات المستمرة للمهاجرين الأفارقة الذين تقطعت بهم السبل في المغرب، جعلت البعض يحذر من تحول المجتمع المغربي إلى مجتمع عنصري، وهذا ما دفع بعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى المطالبة بقانون يجرم العنصرية.

المغرب، الذي أصبح بلدا لاستقرار المهاجرين القادمين من جنوب صحراء بعد أن تعسر عليهم الوصول إلى الضفة الأوروبية، وجد نفسه أمام وضعية صعبة لا يعرف لحد الآن كيف يتعامل معها، وهو ما أدى في كثير من الأحيان إلى اعتداءات على هؤلاء المهاجرين من طرف بعض المواطنين.

جيتا روجي مواطن سينغالي مستقر في المغرب يحكي بعض تفاصيل هذه السلوكيات العنصرية “أحيانا يقوم بعض المشردين باقتحام بيوتنا ويسرقون ما فيها وعندما نطلب من الشرطة حمايتنا تجيبنا بأننا في بلدهم وعلينا تحملهم وإذا قمنا بالدفاع عن أنفسنا فإننا نتعرض للتعنيف من طرف رجال الشرطة وكذلك من طرف الجيران”.

حادث آخر ترويه خديجة العيناني، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في حديث ل DW عربية، وهو “مقتل أحد المهاجرين الأفارقة بالعاصمة الرباط وجميع المؤشرات تدل على أن جانب العنصرية كان حاضرا بقوة”.

مثل هذه التصرفات أصبحت حدتها تزداد وهذا ما دفع المنظمة الأممية لمناهضة جميع أشكال العنصرية، إلى مطالبة الدولة المغربية باتخاذ إجراءات كفيلة بحماية المهاجرين حتى لا ينزلق المغرب إلى مستنقع العنصرية، وهذا ما أكد عليه النائب البرلماني المهدي بنسعيد في تصريح لـ DWعربية: “يجب أن تتحرك الدولة بسرعة وهيئات المجتمع المدني من أجل سن قانون يجرم العنصرية بكل أشكالها، فإننا سنصبح مجتمعا عنصريا بامتياز”.

قانون لتجريم العنصرية

“يمنع كراء (تأجير) الشقق للطلبة والمهاجرين الأفارقة”، لافتة رفعت على أبواب أحد المحلات المخصصة للكراء في المغرب وأثار غضب قطاع كبير من المجتمع المغربي، لكنها سلطت الضوء على وضعية المهاجرين من جنوب الصحراء الذين وجدوا أنفسهم عالقين في المغرب بعد أن تبدد حلم العبور إلى “الفردوس الأوروبي”.

“المغرب لم يبق فقط بلد عبور، ولكن بلد استقبال. وحتى لا نعيش ما تعيشه أوروبا مع المهاجرين يجب تقوية الترسانة القانونية، ويجب أن نتوفر على نظرة استباقية”، يقول مهدي بنسعيد ل DW عربية،وهو عضو حزب الأصالة والمعاصرة الذي تقدم بمقترح قانون يجرم العنصرية بكافة أشكالها وكيفما كانت الجهة الصادرة عنها تصرفات عنصرية سواء أجهزة الدولة أو المواطنين.

خديجة العيناني عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تقول في تعليقها على هذا القانون: “يجب على هذا القانون أن يحمل عقوبات زاجرة لكل من قام بأي سلوك عنصري ضد المهاجرين لأن المشكل في المغرب هو أنه دائما هناك إفلات من العقاب”،التساهل مع الأشخاص الذين يتورطون في قضايا العنصرية أو الاعتداء على المهاجرين تفسره خديجة العيناني”بغياب ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع، وكذلك غياب الإرادة من طرف الدولة التي توقع على العديد من الاتفاقيات المناهضة للعنصرية ولكن دون تفعيلها”.

التصرفات العنصرية هي مسؤولية مجتمع غابت فيه ثقافة حقوق الإنسان وكذلك غياب إرادة حقيقة لدى الدولة وأجهزتها، وفي هذا الصدد يقول المهدي بنسعيد “نحن نعرف أن الدولة لها أولويات اقتصادية واجتماعية ولكن هذا الملف إذا لم يتم التعامل معه بجدية فسنجد أنفسنا أمام موجة من العنصرية لن نستطيع الوقوف أمامها، كما أن المغرب يتعرض لضغوطات لمنع هؤلاء المهاجرين من العبور إلى أوروبا”.

الضحية يلعب دور الجلاد

“علينا أولا أن نعترف بأن العنصرية موجودة في المغرب وأن نتوقف عن تصوير أنفسنا كشعب كريم ومضياف، لأن بعض التصرفات أصبحت صادمة في حق المهاجرين”، يقول مصطفى الشكدالي اختصاص علم الاجتماع النفسي في لقاء مع DW عربية، ليبرز أن المشكل هو في وعي الناس وليست قضية قانون فقط. ذلك أن صورة الشعب المضياف التي يتقبل الآخر قد خدشت بسبب هذه التصرفات، لذلك فإن مصطفى الشكدالي يفسر هذه الظاهرة بأنها نتيجة “التعصب القبلي والتمركز حول الذات كما أننا نريد إخراج الظلم الذي يحيق بنا من طرف مجتمعات أخرى ونتحول من الضحية إلى الجلاد”.

توتر العلاقة بين المغاربة والمهجرين المغاربة وكثرة الصدامات بين الطرفين فسره الدكتور مصطفى الشكدالي بأنه “صراع للثقافات لأن المهاجر يحضر بثقافته وعاداته ويصبح استفزازا للثقافة المحلية خاصة بعد أن أصبح هؤلاء المهاجرين أقلية مرئية في المجتمع”.

القانون وحده لا يكفي

“إذا أردنا فعلا أن نحمي المهاجرين فعلى الدولة أن تلتزم بالاتفاقيات التي وقعت عليها وأن تقول لرجال السلطة بأن كل من سيقوم بأي تجاوز ضد المهاجرين فسيعاقب”، حسب تعبير خديجة العيناني، مضيفة في نفس السياق “التمادي من طرف بعض المواطنين في حق المهاجرين سببه أنها لا ترى أي صرامة من طرف الدولة في حق المعتدين”.

القانون لا يمكن أن يؤتي أكله مادام أن الدولة غير جادة في حماية المهاجرين ومادام المجتمع يرى في هؤلاء القادمين من جنوب الصحراء خطرا عليهم، فالمجتمع المغربي ـ حسب الدكتور الشكدالي ـ “كان يمارس العنصرية منذ القدم، والآن تفاقمت هذه الظاهرة، ولا يمكن التخلص منها إلا إذا تصالحنا مع هوياتنا ونعترف بأن الإفريقي هو امتداد للشخصية المغربية”.

مجهود كبير أمام الدولة والمجتمع المغربي من أجل استيعاب المهاجرين الأفارقة، وسن قانون لتجريم العنصرية هو الخطوة الأولى التي يجب أن تتبعها إجراءات سياسية ومجتمعية تخرج المغرب من نفق العنصرية المظلم.

Sign In

Reset Your Password