هل يسلم الاسد اسلحته الكيماوية؟ عبد الباري عطوان

عبد الباري عطوان-رئيس تحرير رأي اليوم

جون كيري وزير الخارجية الامريكي مستعد ان يفعل اي شيء من اجل حشد الحلفاء خلف العدوان العسكري الذي تستعد ادارة الرئيس اوباما لشنه ضد سورية بما في ذلك الكذب الصريح، الم يقل ان الجماعات الجهادية غير موجودة في سورية ثم يضطر الى التراجع والاعتراف بأنها تشكل حوالي ربع المعارضة المسلحة للنظام السوري الحاكم في دمشق.

لكن كيري كان صادقا الصدق كله، وعلى غير عادته، عندما قال صباح الاثنين ان سورية قد تجنب نفسها هجوما عسكريا اذا سلم الرئيس السوري بشار الاسد كل اسلحته الكيماوية للمجتمع الدولي خلال الاسبوع المقبل.

اذن مشكلة امريكا مع سورية ليست مقتل مئات السوريين بالاسلحة الكيماوية في غوطة دمشق الشرقية، وانما امتلاكها لاسلحة كيماوية، والخشية من استخدامها ضد اسرائيل في اي حرب قادمة، او في حال تعرضها، اي سورية، لعدوان اسرائيلي.

الرئيس باراك اوباما لم يعتبر مقتل او استشهاد مئتي الف سوري (الرقم الرسمي مئة وعشرون الفا ويستثني المفقودين)، على طرفي خطوط المواجهات، اختراقا لخطوطه الحمراء، ولكنه، وعلى العكس من ذلك يرى ان مقتل المئات من الاطفال بأسلحة كيماوية، يستحق ارسال صواريخ كروز وقنابل طائرات الـ(بي 52) العملاقة لقتل الالآف وربما مئات الالآف من السوريين سلطة ومعارضة على حد سواء.

الوزير كيري قال ان الرئيس الاسد لن يسلم هذه الاسلحة الكيماوية، ويتجنب الضربة العسكرية بالتالي، وهذا الكلام دقيق جدا، وتوقع في مكانه، فلماذا يفعل ذلك وقد شاهد بام عينيه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يصدق هذه الاكاذيب الامريكية، ويقع وهو في كامل وعيه، في مصيدة المفتشين الدوليين ويسلم، ومن ثم يدمر اسلحته الكيماوية والبيولوجية ومشروعه النووي، لينتهي به المطاف معلقا على المقصلة وحبلها ملتف حول عنقه، وبلده تحت الاحتلال الامريكي.

الحرب الامريكية على العراق لم تكن من اجل تصدير الديمقراطية الغربية بكل توابعها للعراقيين، وانما لتخليص اسرائيل من خطر طموحات القوة والكرامة التي كان يتطلع اليها العراق ورئيسه وشعبه ويحقق من خلالها التوازن العسكري الاستراتيجي مع العدوان الاسرائيلي.

الحرب الامريكية الزاحفة على سورية ستكون من اجل الهدف نفسه، اي تدميرها واكمال تفتيشها بالكامل، وتحويلها الى دولة فاشلة، ممزقة، وفق الخطوط والتقسيمات الطائفية والعرقية حتى ينام الاسرائيليون قريري العين.

ومثلما صفق بعض العرب لتدمير العراق كمقدمة لاحتلاله، ودفعوا ثمن هذا التدمير نقدا مع الزيادات، فانهم الآن يكررون السيناريو نفسه، ويحرضون على الضربة الامريكية الجديدة لسورية غير عابئين بالنتائج الكارثية التي ستترتب على ذلك من حرق للمنطقة وابادة الملايين من ابنائها.

تجنب الضربة الامريكية لسورية ممكن اذا ما تخلت امريكا عن عدائيتها للعرب والمسلمين، وتوقفت عن شن الحروب في بلدانهم، واستمعت ادارتها لشعبها الذي يعارض هذه الحروب والنزعات العدوانية، ويريد ان تلتفت حكومته لمواجهة ازماته الداخلية، والاقتصادية منها على وجه الخصوص.

الادارة الامريكية، لم تتوقف عن اجراء مناورات “الاسد المتأهب” في  الاردن بمشاركة ثلاثة آلاف من جنودها، وجيوش 17 دولة عربية واوروبية اخرى، من اجل تدمير او الاستيلاء على مخازن الاسلحة الكيماوية السورية، اي قبل مجزرة الغوطة الشرقية بأكثر من عام ونصف العام، مما يؤكد ان خطط عدوانها ليست وليدة الساعة، وانما محدودة باليوم والساعة.

نحن لا نصدق تقارير المخابرات الامريكية والاوروبية، بعد ان اكتوينا باكاذيبها ودفعنا ثمنا باهظا بسببها في العراق، ولا يمكن بل لا يجب ان نصدقها في سورية، او اي مكان آخر في العالم، ولا يمكن، بل ولا يجب ان نلدغ من الجحر نفسه مرتين.

السير ريتشارد ديرلوف قائد المخابرات البريطانية السابق قال في حديث صحافي نشر مؤخرا، انه عندما زار نظيره الامريكي جورج تينيت في 20 تموز (يوليو) عام 2002 لمناقشة الوضع في العراق، قال له نظيره الامريكي تينيت ان الرئيس جورج بوش الابن قرر اطاحة الرئيس العراقي صدام حسين بالقوة العسكرية، وهذه الخطوط لا يمكن ان تتأتى الا بذريعتين: الاولى تهمة الارهاب والثانية وجود اسلحة دمار شامل، ويجب على اجهزة الاستخبارات توفير الذرائع في هذا الخصوص.

روبرت غيت وزير الدفاع السابق استقال من منصبه احتجاجا على اقامة حظر جوي فوق ليبيا تحت عنوان الدواعي الانسانية الكاذبة، لانه كان يرى ان مناطق الحظر هذه غير قانونية، وستؤدي الى تغيير النظام في نهاية المطاف، فعندما يبدأ العمل العسكري لا يتوقف حتى تغيير النظام، وقد صدق الرجل، واكدت اوضاع ليبيا الآن ذلك.

ولا ننسى رواية العراقي رافد الجنابي (وليس الجبوري) الذي فبرك رواية المعامل الكيماوية العراقية المتنقلة واستخدامها كولن باول وزير الخارجية الامريكي في 25 فبراير عام 2003 كمبرر للعدوان على العراق اثناء مخاطبته لمجلس الامن الدولي، وليضطر لاحقا الى الاعتذار والاعتراف بأن مخابرات بلاده خدعته وضللته، وليضطر الجنابي نفسه للوقوف امام كاميرا برنامج بانوراما (BBC) ويعترف انه مارس الفبركة من اجل لجوء سياسي في المانيا وطمعا في المال حتى لو ادى ذلك الى ترميل مليون امرأة وتيتيم اربعة ملايين طفل عراقي.

ادارة بوش غزت العراق واحتلته دون ان تنتظر تقرير المفتشين الدوليين عن اسلحة الدمار الشامل برئاسة السويدي الشريف هانز بليكس لانها تعرف خلو العراق من هذه الاسلحة، وها هي تستعد للعدوان على الامم المتحدة لانها ايضا تعرف جيدا من استخدم هذه الاسلحة في الغوطة الدمشقية الشرقية.

الرئيس الاسد يجب ان يسلم جميع مخزون بلاده من الاسلحة الكيماوية فعلا وفي خلال اسبوع مثلما طالبه كيري شريطة ان تفعل اسرائيل الشيء نفسه وتتخلى عن احتلالها للارضي العربية، وهذا غير ممكن ايضا، اما اذا قرر تسليمها وبناء على وعود امريكية، فعليه ان يعيد قراءة السيناريو العراقي جيدا، وبعناية فائقة، قبل الاقدام على هذه الخطوة المصيرية.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password