هل يتجه المغرب إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لتجاوز الأزمة الراهنة؟

رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران

 

هل يتجه المغرب إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لتجاوز الأزمة الراهنة؟ مبعث السؤال أن الوضع غير الطبيعي لحكومة عبد الإله بن كيران يميل إلى الاستمرار، ما لم تحدث مفاجأة تعيد شركاء الائتلاف إلى طاولة المفاوضات. وبعد أن أصبح التحكيم الملكي مستبعداً، استناداً إلى كون أزمة الحكومة سياسية وليست دستورية، لم يبد الفرقاء المعنيون بتداعيات المأزق قدراً من المرونة، يساعد في احتواء التصدع القائم. أقله أن لا زعامة الاستقلال ولا رئيس الحكومة في وارد قطع الخطوة الأولى إلى منتصف الطريق.

تبدو الأزمة في عناصرها التركيبية مختلفة عن أوضاع بلدان ما يعرف بـ «الربيع العربي»، اذ ان صناديق الاقتراع قادت الحزب الإسلامي «العدالة والتنمية» إلى تولي زمام القاطرة الحكومية، بعد حيازته مركز الصدارة في الاستحقاقات الاشتراعية لخريف 2011. كما ان الصدام الذي يميز الصراع داخل المشهد السياسي حافظ على تراتبية المواجهة داخل المؤسسات وليس خارجها. وفيما كان ينتظر الجميع أن يتفاعل الاحتدام بين الأغلبية والمعارضة، اختار الاستقلال التلويح بمغادرة السفينة قبل ارتطامها بالموج العاتي. والأرجح أنه لم ينفذ قراره الذي يعني انهيار التحالف الحكومي للإبقاء على شعرة معاوية. فقد كان يكفيه أن يعلن الانضمام إلى المعارضة وطلب سحب الثقة لإطاحة حكومة بن كيران، لكنه لم يفعل لاعتبارات، قد لا تكون تتوخى إسقاط الحكومة بقدر ما تروم إحراجها ودفعها إلى معاودة استقراء الحسابات السياسية. ما يعني أن المطلوب في نطاق سياسة لي الذراع، ليس إطاحة الحكومة، وإنما إبراز محدودية ممارستها. أقله أنها لم تفلح بعد مرور أكثر من شهر على تسوية خلافات البث الداخلي.

قد يكون الهدف البعيد المدى إبراز أن الحكومة التي يقودها «العدالة والتنمية» عجزت عن تدبير خلافات الأغلبية، أي أن ثمة خللا يعتري التجربة. ولأنها من حيث المرجعية انبثقت من صناديق الاقتراع فإن استمراريتها تتطلب وجود غالبية مساندة. ولعل الأهم في تلويحات بعض فصائل المعارضة أن الخروج من النفق، يمكن أن يجد طريقه عبر تكريس وئام سياسي. من جهة لأن هناك تحديات أكبر تطاول تدبير ملف نزاع الصحراء الذي تلتقي عنده كل فاعليات المعارضة والغالبية على حد سواء، ومن جهة ثانية لأن استحقاقات التقويم الاقتصادي والمالي، في ظل تصاعد ضغوطات صندوق النقد الدولي، تحتم خلق أجواء وفاقية. فأكثر ما يخشاه الشركاء السياسيون أن تدفع بعض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية إلى الانفلات. وفي حال كهذه لن تكون الحكومة وحدها مسؤولة. لذلك يجري تداول وصفات الاستقرار كهاجس مشترك بين الموالاة والمعارضة.

لم يكن اختيار الاستقلال الذهاب إلى الصحراء لتنظيم مهرجان خطابي حاشد عفوياً. فهو أشبه برسائل تصب في خانة واحدة، تؤكد استمرار دعم الحزب للتوجهات الحكومية في التعاطي وملف الإجماع الذي لا يحيد عنه أي طرف، وفي ذات الوقت تحفل بانتقاد أداء الجهاز التنفيذي في إدارة إشكالات اقتصادية واجتماعية. وفي المعنى نفسه لم يكن حديث المعارضة عن الأزمة الخانقة في مواجهة مؤسسات النقد الدولية، بعيداً عن الدعوة إلى وفاق وطني أشمل.

وإذا كان يصعب على حكومة بن كيران، في ظل التحديات الراهنة، الإقدام على إصلاحات «مؤلمة» تشير إلى الكلفة الاجتماعية الباهظة، فإن حيازة دعم واسع من طرف المعارضة، في حال تشكيل حكومة وحدة وطنية قد يخفف من الأعباء الإضافية. ويشكل طوق نجاة لتجربة، يكاد الاتفاق على محدوديتها يصبح من البديهيات. كما يكاد الإقرار بالضرورات التي حتمتها، على خلفية حراك الشارع يكون بدوره من المسلمات. وما يميز التجربة المغربية أنها انفردت في هدوئها ومرجعيتها الإصلاحية، بقدر أقل من الخسائر. لكن أثر الإصلاحات السياسية مهما كان قوياً في إقرار آليات فصل السلطات ووضع دستور متقدم المضامين تتطلب مواكبة باقي الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تعتبر محك اختيار البنيات والقدرات.

ثمة اعتقاد بأن المشي في حقل ألغام، يتطلب بوصلة عصرية لدرء الانزلاق ووضع الأقدام على الجراح القابلة للانفجار. ومن هذا المنطلق يتعايش المغاربة في الموالاة والمعارضة مع وضع غير طبيعي. وعلى رغم أن منافسي وخصوم الحكومة يتمنون كبوتها عند أول منعطف، فثمة إحساس بأن التجربة لا تحتمل أي مغامرة. أكان ذلك من خلال إطلاق يد الحكومة وحدها في مباشرة ما تعتبره إصلاحات مؤلمة، أو على صعيد استمرار حال الانتظار التي تنعكس سلباً على أداء باقي الشركاء النقابيين والسياسيين ورجال الأعمال.

هل تكون وصفة حكومة وحدة وطنية في متناول اليد قابلة للتحقيق، أم أن الخريطة السياسية في وسعها استيعاب التطورات إلى حين. لعل أقربه العودة إلى احتكام صناديق الاقتراع، في حال تعثرت جهود الوئام. إنه السؤال المحوري

Sign In

Reset Your Password