هل قرأ بن سلمان وبن زايد وآخرون سيرة بن علي؟ د. حسين مجدوبي

صورة مركبة لكل من وبن زايد وبن علي وبن سلمان

التاريخ لا يعد فقط رواية وحكاية نطّلع من خلالها على أحداث الماضي البعيد، أو القريب، لكن التاريخ هو مصدر للتأمل في مسار الأمم السابقة، وتجارب الشعوب، ويشكل البوصلة التي تجعل هذه الشعوب، وبالأخص الحكام يتفادون الأخطاء ويراهنون على الصواب لعدم السقوط في الأسوأ. وعليه، نتساءل، هل قرأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، ومعهم محمد بن زايد وآخرون التاريخ؟ ولا نعني التاريخ البعيد، بل التاريخ الذي وقع منذ سنوات قليلة، ومن عناوينه سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.
في الدول المتقدمة الديمقراطية يحرص القادة السياسيون، لاسيما الذين يتبوأون مراكز عليا مثل، رئاسة البلاد ورئاسة الحكومة، أو الخارجية والجيش والاستخبارات، على الاستفادة من ثلاثة أشياء، أولا، الوضع الجيوسياسي لدولتهم لمعرفة المحيط الأساسي، الذي تتحرك فيه ومصالحها القومية العليا. ثانيا، معرفة لا بأس بها بالقانون، سواء الوطني أو الدولي، لتجنب الوقوع في الأخطاء التي قد تجر بلادهم إلى مطبات قد تعيق تقدمها، ثم قراءة دقيقة للتاريخ، سواء التاريخ المتعلق بوطنهم أو التاريخ الدولي.
وهذا التاريخ هو البوصلة الحقيقية، فهو سجل وذاكرة الوطن في مختلف الأحداث التي مرّ بها بشقيها الإيجابي والسلبي. ونستحضر أمثلة نعيشها في الوقت الراهن، فقد قررت إسبانيا محاكمة الملك الأب خوان كارلوس، على تورطه في الفساد، نتيجة تلقيه عمولات مالية ورشاوى من السعودية، وجهات عربية أخرى. ولا يتعلق الأمر هنا فقط بإقرار مبدأ محاسبة الجميع على أساس أنهم مواطنون يخضعون للقانون فقط، بل لتفادي تكرار الماضي، الذي أدى إلى مآس. فقد تسامحت إسبانيا مع تصرفات ملوك سابقين وكانت الكارثة، مثل حالة ألفونسو الثالث عشر، جد الملك الأب، الذي يعد من أسباب اندلاع الحرب الأهلية، بسبب ما خلفته قراراته من توتر وسط المجتمع. وتعي الطبقة السياسية الأمريكية جيدا تاريخ الشعوب الأخرى، فهي تعمل على محاصرة انفلاتات الرئيس دونالد ترامب في ملفات عديدة، عبر التشريع والقضاء، لمنع ظهور فلاديمير بوتين أمريكي في البلاد. وتبرز التجربة أن التسامح مع الأخطاء يجعل من تراكمها تقليدا وعرفا يسمح لآخرين بتكرارها وتغييب مصالح البلاد.
ويمرّ العالم العربي في فترة مخاض كبيرة، جعلته خلال المئة سنة الأخيرة يعيش أحداثا كبرى، ما زال يتوارثها جيلا عن جيل، وتتجلى في الاستعمار والاستقلال والنضال من أجل الديمقراطية، واندلاع ربيع الحرية والديمقراطية. ويكفي الحاكم إلقاء إطلالة على التاريخ القريب، أو اللجوء لذاكرة المسنين لمعرفة الكثير من التفاصيل، لتكون بوصلة له. وعليه، عاش العالم وأساسا الدول العربية سقوط أصنام عمّرت كثيرا في السلطة مثل، معمر القذافي في ليبيا، وزين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، وعبد الله صالح في اليمن، والبشير في السودان واللائحة ستطول وتصبح أكبر مستقبلا.
لقد جاء سقوط هذه الأصنام نتيجة سخط شعوبها عليها، بعدما تحولت إلى مصدر للفساد والاختلاس والقمع. لقد جاء سقوطها، رغم الخدمات التي قدمتها إلى القوى الكبرى، خاصة الغربية، حيث تحولت إلى خادم مطيع لأجندتها، ولنستحضر جميعا كيف منعت فرنسا طائرة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي من الهبوط في مطاراتها، واضطر إلى الهروب إلى السعودية، في بداية ربيع الحرية. نعم فعلت فرنسا كل هذا، رغم أن بن علي كان بيدقا حقيقيا لمصالح باريس. ساعة الحقيقة، لم تنفع المخابرات، ولا المؤسسة العسكرية، ولا السياسية هؤلاء الديكتاتوريين المارقين، وكان مصيرهم بين السجن والمنفى.

ونتساءل: هل قرأ الديكتاتوريون الجدد سيرة ديكتاتوريي السلف؟ هل اطلع محمد بن زايد الإماراتي ومحمد بن سلمان السعودي، وعبد الفتاح السيسي المصري على تاريخ بن علي والقذافي ومبارك وعمر البشير وولد الطايع و… كل المعطيات تشير إلى غياب الذاكرة التاريخية لهؤلاء وآخرين في العالم العربي. وبدل الاستفادة من التاريخ الحقيقي، يرغبون في تجسيد مستفز لتاريخ وطنهم في مسيرتهم وحياتهم، وكأن الوطن يولد ويموت مع ولادة وموت هؤلاء الأشخاص.
ما يفعله الحكام العرب، وعلى رأسهم هذا الثلاثي، من هدر لموارد الوطن، ومن تمويل للثورات المضادة، والدوس على حرية الشعوب، هو تكرار لما قام به القذافي ومبارك وبن علي وآخرون. وبدأ هؤلاء يؤدون الفاتورة في وقت قصير، لقد فتح القضاء الفرنسي تحقيقا بشأن جرائم محمد بن زايد في اليمن، ولن يكون الملف الأول أو الأخير، ولن ينفعه جيشه الجرار من المستشارين القانونيين في تأمين، ولو زيارة لباريس ابتداء من اليوم. وأصبح بن سلمان مشتبها فيه في أعين العالم، بشهادة الأمم المتحدة في ملف الصحافي جمال خاشقجي، ووقّع السيسي على إفلاس مصر، بعدما تسبب في كارثة سد النهضة الإثيوبي، نتيجة تغليبه ملاحقة المواطنين الأحرار، بدل الاهتمام بهذا الملف المصيري، ونتيجة جهله بالقانون بعدما قبل بوثيقة 2015.
لم تنفع استثمارات البعض في أوروبا والولايات المتحدة طوق نجاة، ولم تشفع الخدمات الاستخباراتية والأمنية التي قدموها إلى الغرب ضد مصالح الشعوب العربية. الحكام العرب لا يقرأون التاريخ، لو قرأوه لما ارتكبوا الأخطاء الفادحة، عفوا، الجرائم في حق شعوبهم وأوطانهم. ونكرر التساؤل: هل قرأ السيسي وبن زياد وبن سلمان سيرة بن علي والقذافي وعمر البشير؟

Sign In

Reset Your Password