هل سيعرض السيسي الجيش المصري للاستنزاف في ليبيا؟

عبد الفتاح السيسي

لوّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا في حالة تجاوز قوات حكومة الوفاق، بدعم من تركيا، الخطوط الحمر التي رسمها في منطقة سرت. والقوات المصرية قادرة على التقدم في الأراضي الليبية، لكنها قد تجد نفسها في حرب استنزاف، لا طاقة لها بها بحكم معاناة الجيوش الكلاسيكية في أي مواجهات مع حرب العصابات.
وجاءت تصريحات السيسي يوم السبت من الأسبوع الماضي، في منطقة عسكرية مكلفة بمراقبة الحدود الغربية مع ليبيا في إشارة الى جدية التهديد. وأحدثت تصريحاته ضجة إعلامية، بحكم تسارع التطورات في ليبيا، لاسيما بعد التدخل التركي، الذي فرض واقعا جيوسياسيا جديدا لا أحد يعرف كيف سينتهي في آخر المطاف. ومزج السيسي في تصريحاته بين موضوعين يهمان كثيرا الأمن القومي المصري وهما: سد النهضة من جهة، وما يجري من مواجهات عسكرية في ليبيا من جهة أخرى. ورغم خطورة ملف سد النهضة الإثيوبي، الذي يحمل انعكاسات خطيرة على الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي لمصر، فقد ألحّ السيسي على الحل الدبلوماسي، علما بأنه في الماضي كان يشدد على الحل العسكري. وفي المقابل، نجد الآن إثيوبيا تعلن استعدادها لأي مواجهة عسكرية. وشدد السيسي على الحل العسكري لمواجهة الأزمة الليبية، حيث قال «الجيش المصري هو من أقوى جيوش المنطقة، ولكنه جيش رشيد يحمي ولا يهدد»، مبرزا أن منطقة سرت وقاعدة الجفرة في ليبيا هما خطان أحمران، يجب عدم تجاوزهما. وأكد استعداد بلاده لتدريب أبناء شباب القبائل الليبية وتجهيزهم بالسلاح. ويستحضر السيسي التدخل العسكري بطريقة مبهمة للغاية، رغم أن تأثيرات الأزمة الليبية محدودة على الأمن القومي المصري في الوقت الراهن، فهي مست اليد العاملة أساسا التي كانت تعمل في هذا البلد، ولم تسجل هجمات على مصر من ليبيا. والأوضاع مرشحة الى التفاقم بشكل خطير في حالة التدخل العسكري.

ويعد الجيش المصري من الجيوش القوية في المنطقة، وهو قادر على تحقيق تقدم بري قد يكون سريعا في الأراضي الليبية، بسبب توفره على دبابات ومدرعات وغطاء جوي، لكنه قد يتعرض لحرب استنزاف خطيرة، لأن مفهوم قوة الجيش في الوقت الراهن تكمن في الحرب الجوية والضرب بالصواريخ، وليس في التواجد البري، لأنه مكلف كما حدث للولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. وبدورها، تجنبت دول «عاصفة الحزم» في اليمن الحرب البرية بسبب تكلفتها العالية. ورغم قوته، فالجيش المصري هو جيش تقليدي سيواجه قوات حكومة الوفاق التي تجمع بين الجيش التنظيمي وقوات العصابات، التي تراهن على حرب العصابات. في الوقت ذاته، قد ينتج عن التدخل العسكري في ليبيا تحول هذا البلد الى قبلة لمقاتلين من مختلف التوجهات، سواء المرتزقة أو الإرهابيين، مما سيحيي الإرهاب في منطقة الساحل الافريقي، وهو ما يقلق كثيرا الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي تعتقد في قضائها بشكل كبير على الإرهاب في هذه المنطقة، ولن تتساهل مع مستجدات تعيد عقارب الساعة إلى الصفر، في مكافحة الإرهاب.
وعكس ما يجري في سيناء من مواجهة مسلحين، يمتلكون البنادق والمتفجرات التقليدية، فقد يصطدم الجيش المصري في ليبيا بمسلحين لهم أسلحة نوعية قد تزودهم بها تركيا، الراغبة في إضعاف الجيش المصري، بعدما أصبح أداة غير مباشرة في مخططات الإمارات العربية والسعودية، وهي المخططات التي تمتد الى تركيا نفسها. ولا يمكن إغفال دور ما لإسرائيل في استغلال الوضع كالعادة وتعمل وراء الستار، فهي تتمنى رؤية مصر ضعيفة عسكريا. ومن ضمن الأمثلة، رغم ما يفترض عن متانة العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، فهذه الأخيرة هي التي وفرت مضادات الطيران لإثيوبيا لمواجهة أي مغامرة عسكرية مصرية ضد سد النهضة. علاوة على كل هذا، إذا كان الجيش المصري في سيناء يواجه من يعتبرهم خارجين عن القانون وإرهابيي الداخل، فالوضع يختلف في ليبيا حيث سيتم اعتبار الجيش المصري قوة احتلال بحكم السند الأممي لحكومة الوفاق، وهذا سيجعله يعيش تجربة جديدة، مثل تلك المشينة خلال تدخله في اليمن في بداية الستينيات، والتي كانت مكلفة بشريا وسياسيا. وتبنى الجيش المصري عقيدة الدفاع عن الوطن والأمة العربية، وسيجد نفسه في حالة التورط في ليبيا أداة احتلال، والأسوأ لخدمة مخططات خليجية.
والتلويح بالحرب يبقى في عدد من المناسبات، مجرد تصريحات للاستهلاك السياسي، تقوم وسائل الإعلام بتضخيمها. فقد هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فنزويلا في مناسبات متعددة، ولم يقدم على الحرب، كما هدد إيران ولم يقدم على الحرب. في المقابل، الدول أو القادة الذين يقدمون على التدخل العسكري عادة ما يلتزمون الصمت، وينتقلون إلى التنفيذ المباغت، وهو ما حصل مع الرئيس الروسي بوتين، في تعامله مع جورجيا وشبه جزيرة القرم، أو مع الرئيس التركي طيب رجب أردوغان في الملف السوري والليبي حاليا. ويتميز الرئيس المصري السيسي بكثرة التصريحات الحربية، والشعارات العسكرية التهديدية دون الانتقال الى الفعل باستثناء توظيف الجيش في مواجهة مسلحي الداخل. ولا يمكن للتدخل العسكري المصري حسم ما يجري في ليبيا، فقد قدمت القاهرة الدعم السياسي والعسكري للجنرال حفتر لسنوات ولم ينجح في تحقيق وحدة البلاد. وكل ما يمكن أن تفعله القاهرة هو أنه، في حالة تقدم قوات الوفاق ومسلحين نحو الغرب، ستقوم بتقدم في الأراضي الليبية لمسافة لا تتعدى 30 كلم كمراكز مراقبة متقدمة لحماية الحدود المصرية من التسلل، وهي عملية لن تؤثر كثيرا على مجرى الأحداث. وفي حالة العكس، سيعرض السيسي الجيش المصري لحرب استنزاف لا طاقة له بها.

Sign In

Reset Your Password