هاجر الريسوني: في اليدء اعتقدت الشرطة عصابة إجرامية والقضاء أسس حكمه على محضر مواجهة لا وجود له

في حوار مع جريدة أخبار اليوم، تبرز الصحفية هاجر الريسوني المعاناة التي عانتها خلال الاعتقال من طرف الشرطة والنيابة العامة علاوة على صحافة التشهير. معطيات مثيرة للغاية تجعل كل مغربي مؤمن بالكرامة ويتطلع الى دولة الحق والقانون يتساءل عن ضمير المتورطين في هذا الملف من أمن وقضاء وكذلك الأطباء. أحداث ستبقى نقطة سوداء في سجل المتورطين فيها خلاف ما يعتقدون أنهم يقدمون خدمات للوطن. وجاء العفو الملكي بتعابيره الدقيقة ليبرأ هاجر ويصفع المتورطين، علما أن ملفات أخرى ملفقة مازالت تنتظر الإنصاف.

نص الحوار:

متى وكيف تلقيت خبر الإفراج عنك؟

تلقيت خبر الإفراج عني في تمام الساعة الخامسة والنصف من يوم الأربعاء 16 أكتوبر الجاري، كنت مستلقية في الحيز المخصص لنومي في الزنزانة رقم 2، (للمصادفة أن زنزانة رِفعت الأمين في حي آخر كان رقمها 2)، أقرأ في كتاب كعادتي، فسمعت السجينات يهتفن باسمي ويبشرنني بالإفراج، وهو ما تأكد لي -بعد شك في الخبر-  من خلال التلفاز. الخبر في البداية كان غير متوقع من حيث التوقيت. نعم، كان لدي رهان دائما على تدخل الملك، فقط التوقيت لم يكن متوقعا بالنسبة إليّ. بالتأكيد سعدت كثيرا.

كيف تنظرين إلى قرار العفو الملكي عنك؟

كما قلت سابقا، كنا جميعا نراهن على تدخل الملك لتصحيح مسار المحاكمة ولإنقاذ صورة البلاد مما لحقها من تشويه بسبب الطريقة التي دُبّر وأُدير بها الملف. بكل تأكيد هو قرار حكيم، وأيضا، اشتمل على كثير من نقاط البراءة التي كنا نسعى وهيئة دفاعنا على تأكيدها في المحكمة، حيث اعترف بعلاقة الخطبة التي تربطني برفعت، وبأننا كنا نعتزم تكوين أسرة طبقا للشرع والقانون، كما أنه أكد على قرينة البراءة التي لم تحترمها النيابة العامة من خلال ما ورد في بلاغ العفو “رغم الخطأ الذي يمكن أن يكونا قد ارتكباه”، بمعنى أن البلاغ اعتبر أن “جريمة الإجهاض” غير ثابتة، فضلا عن استخدامه عبارة خطأ، عوض “الفعل الجرمي الخطير” على النحو الذي ظلت

احك لنا بتفصيل عن يوم اعتقالك؟

كنا في الشارع العام، وكنت في حالة صحية جيدة بعد التدخل الطبي للدكتور جمال بلقزيز، الذي أوقف النزيف الحاد الذي كنت أعاني منه. فجأة، وجدت نفسي وسط دائرة شكلت بصورة مفاجئة من طرف 12 شخصا، اثنان منهم يصوران بكاميرتي فيديو، وأربعة بكامرات التقاط صور ثابتة. في البداية اعتقدت أنهم “عصابة إجرامية” بالنظر إلى الطريقة التي أحطانا بها والطريقة التي كانوا يعاملوننا بها ويسحبونا سحبا لإرجاعنا من الشارع إلى العيادة. لقد اتسمت معاملتهم بالعنف والعدوانية، ولم يشرحوا لنا شيئا ولم يوجهوا لنا تهمة بشكل واضح، ولم يسألوننا عن هويتنا.

كانت أول جملة قيلت لنا “درتي الإجهاض”، كانت الكلمة مفاجِئة ومضحكة في الوقت عينه، وبصراحة لم آخذها مأخذ الجد، كنت أعتقد أن هناك خطأ، حاولوا إيهامي بأنني متعبة من خلال عبارات “أجي شمي الهواء .. راك عيانة.. راك جهضتي”… ضحكت في بادئ الأمر وقلت لأحدهم بشكل حاسم: “لست متعبة.. حيد يدك”، ثم قال لهم رِفعت بأنني كنت بصدد مراجعة طبيبي للقيام بإجراء عادي، وليس هنالك سبب لتوجيه تهمة الإجهاض لنا.

بعدها أرغمونا على الصعود إلى العيادة من جديد وبدأ مسلسل العنف والمعاملة السيئة بشكل أقل معي، وبشكل صارخ مع كاتبة الطبيب. حين وصلنا إلى العيادة طلبوا مني أن أقرع الجرس ففعلت، بينما اختبؤوا هم جميعا حتى لا يظهرون للكاتبة قبل فتح الباب، حينها كان الطبيب قد غادر العيادة بحوالي نصف ساعة. قاموا بإجراء تفتيش وحجز بعض الأشياء قبل وصول الطبيب، الذي ربطوا الاتصال به بعد الحجز والتفتيش المخالف للقانون. في جميع المراحل، كانت الكاميرات موجهة نحوي بصورة مزعجة وشعرت أنهم كانوا يستخدمونها كوسيلة من وسائل التعذيب النفسي، خصوصا بعد احتجاجي المتواصل والواضح لرئيس الفرقة بأن هذا الأمر زائد عن حده ولا أفهم سببه، حيث أخبرني أن التصوير إجراء إداري داخلي وضروري ليتبين لي لاحقا أنه كان بغرض التشهير بي.

خلال وجودنا في العيادة حاولوا استنطاقي هناك، فرفضت الكلام أو حتى الإدلاء باسمي، إذ كانوا يطرحون عليّ أسئلة من قبيل “شحال خلصتي؟”. كانوا يحدثونني بعنف وعنجهية وبمكر أحيانا. والغريب والمضحك في الوقت عينه أنهم كانوا يريدون إقناعي بأنني قمت بالإجهاض.

 

اعتبر محاموك أن ما تعرضت خلال عرضك من طرف الشرطة على أطباء مستشفى ابن سينا بالرباط، بأن ما خضعت له هو تعذيب، وهو ما رد عليه ممثل النيابة العامة بقوله: “لأول مرة أسمع أن الطبيب يمارس التعذيب”. ما تعليقك على هذا؟

نعم، كان الإجراء أشبه بتجربة طبية على “فأر” مسلوب الإرادة، كما كان إجراءً مهينا ومؤلما للغاية، واستمر لأكثر من نصف ساعة، كنت حينها أشعر بألم نفسي وجسدي وحزن عميق، مازال مستمرا إلى حدود الساعة.

أما عن حديث وكيل الملك، فقد كان مدهشا حقا لم أملك حياله سوى “الضحك” داخل قاعة المحكمة، كان حديثا غريبا حقا، ولا أفهم كيف يضع البعض ضميره في “ثلاجة” بهذه البساطة.

 

كثيرون اعتبروا صمت ممثل النيابة العامة بعد مرافعات المحامين، وإدلاء محامية الطبيب بما يؤكد، بالوثائق العلمية والطبية، عدم وجود أي حمل أو إجهاض، بأن النطق بالحكم سيكون بالبراءة. هل توقعت بدورك هذا؟

كنت أنتظر تعليق النيابة العامة على المرافعات، وأن يدلي بما يدحض ما قدم من طرف هيئة الدفاع، لكن صمته كان دليلا على ضعف موقفه وأسانيده من ناحية، وعلى قوة الحجج والأدلة التي أدلى بها الدفاع، من ناحية أخرى.

وفي الواقع، فإن جميع تصريحات النيابة العامة كانت عبارة عن خطب إنشائية مجافية للوقائع، وفيها حرص شديد على تبييض “الاختلالات والانتهاكات التي ارتكبت من قبل الشرطة، بما في ذلك لجوء وكيل الملك في تبريره للمعاينة الطبية التي أجريت عليّ بدون رغبتي، وبمخالفة القانون بلجوئه إلى المادة 57 التي تتحدث عن “الأشياء”، تخيلوا نيابة عامة تضعني موضع الأشياء.

بالنسبة إلى الإجهاض، فأنا ورِفعت والطبيب أكدنا ونؤكد بأنها واقعة منعدمة الوجود تماما، أما بالنسبة إلى الحكم، فإنني، وأمام ما قُدم من مرافعات كنت متيقنة من البراءة.

 

ما حقيقة ما قيل عن أن كثيرا مما ورد في محضر الشرطة، خصوصا في الشق المتعلق بمواجهتك بمساعدة الطبيب، مناف لما أدليت به من تصريحات؟

محاضر الشرطة بشكل عام اشتملت على العديد من النقاط المنافية تماما للحقيقة، أما بالنسبة إلى محضر المواجهة، فلم يتم عرضه عليّ أبدا، ولم أعلم أن هناك محضرا للمواجهة إلا في المحكمة. نعم، تم إحضار كاتبة الطبيب وقاموا بمواجهتي بها، لكن فقط حول موضوع المبلغ المالي الذي أديته للطبيب. لكني كنت حينها قد قررت التزام الصمت، خصوصا بعد رفض تلبية طلب تمكيني من مقابلة محام. وأنا لم أرفض التوقيع عليه كما قيل، ولم أكن أعرف أصلا بأن هنالك محضرا للمواجهة. ومن الغريب أن المحكمة أسست حكمها على هذا المحضر، وعلى محضر آخر لمساعد الطبيب الذي لا يفهم “العربية”، ولم يقرأ المحضر عليه بصيغة يفهمها وأُجبر على التوقيع.

 

صرح أفراد من عائلتك بأنك قلت لهم، في أولى زيارتهم لك بسجن “العرجات”: “أنا الآن في الجنة، بالمقارنة مع ما كنت عليه في مخفر الشرطة”. هل فعلا مررت بتجربة سيئة لدى البوليس؟

بالتأكيد كان السجن رغم كثير من الملاحظات جنة، مقارنة بما عشته خلال 48 ساعة رهن الحراسة النظرية، بالنظر إلى المعاملة القاسية التي تعرضت لها، سواء تعلق الأمر بمحاولة الإيذاء النفسي المتكررة والمتعمدة تصريحا وتلميحا، من قبل المحققين أو تعلق الأمر بالتحرش الذي كنت أتعرض له من قبل الموقوفين تحت أنظار الشرطة. كان المرحاض مشتركا بين النساء والرجال الذين كان أغلبهم في حالة سكر طافح أو تخدير تام، سمعت ألفاظا لم أسمعها من قبل ورأيت تصرفات لم يسبق لي أن رأيتها. حياتي كانت معرضة للخطر، خصوصا وأن قاعة الاحتجاز كانت متسخة للغاية، فضلا عن تعمدهم تأخير الدواء عليّ لأكثر من 8 ساعات، وتعمد تجويعنا ووضعنا تحت ظروف قاسية. الظروف التي كنت فيها وكأنهم كانوا يريدون قتلي، حيث إنني كنت أنزف في الصباح وأخبرني الطبيب قبل التدخل أن النزيف فيه خطر على حياتي إذا استمر لـ20 دقيقة أخرى، كما نصحني بعد التدخل الطبي بضرورة الراحة 48 ساعة على الأقل، لكن بعد الإجراءات الطبية التي أجريت على جسدي بأمر من الشرطة عاد النزيف من جديد وبشكل حاد، مما اضطر الفريق الذي أجرى المعاينة الطبية ليطلب من الشرطة بأن يتركوني في المستشفى لأن وضعي سيكون خطيرا في “الكوميسريا”، وهو ما رفضه البوليس بصرامة مبالغ فيها. المضحك أنهم قالوا له “غنجبوها لك يوم الاثنين”. لقد كانوا يريدون إثبات فرضية الإجهاض حتى لو كان ثمن ذلك حياتي أو صحتي. وإلى الآن، لازالت أعاني آلاما حادة على مستوى الحوض والظهر جراء ما أجري عليّ، وإن كنت لم أفهم بالضبط ما الذي قاموا به.

 

تحدثت خلال كلمتك أمام القاضي عما تعرضت له من تشهير من طرف نوع من الصحافة، وعن فتح التلفزيون العمومي في وجه ممثل النيابة العامة للحديث عن قضيتك. لماذا في نظرك حدث هذا معك؟

قلت لرِفعت منذ اللحظة الأولى إنهم يريدون التشهير بي، كنت أعرف أنهم سينشرون الصور والمحاضر الملفقة وغيرها من الوثائق المفتعلة. والغريب أن النيابة العامة لم تنشر الخبرة التي أجريت عليّ والموقع عليها من طرف الطاقم الطبي بأكمله، والتي تؤكد عدم صحة فرضية الإجهاض، وأن جميع المعاينات التي اتخذت من طرف هذا الطاقم الطبي تؤكد أنني لم أخضع لأي إجهاض، بينما نشرت تقريرا لطبيب اسمه سمير بركاش، لم أره مطلقا ولم أصرح له بأي شيء. ثم أنني أستغرب من طبيب يترك المعاينات والتحاليل وغيرها من الإجراءات الطبيبة ليكتب تقريرا يقول فيه: لقد صرحت لي المعنية. هذا أمر مضحك ومبك في الآن عينه، ويوضح مستوى الانحطاط الأخلاقي الذي وصلنا إليه. أما بالنسبة إلى أسباب التشهير بي، فهي واضحة ولا تحتاج إلى تفسير. أولا، للتشهير بي وبعائلتي، بعمي سليمان وعمي أحمد وابن عمتي يوسف الريسوني، الكاتب العام للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وبالمؤسسة الإعلامية التي أعمل بها، والتي مازالت تقاوم رغم التضييقات التي تتعرض لها.

 

كيف كانت تجربتك في السجن، وكيف كنت تقضين يومك، وكيف كانت علاقاتك برفيقات الزنزانة؟

تجربة السجن لا أتمناها لأحد.. الحرمان من الحرية بشكل عام فيه انتقاص من كرامة الإنسان، كنت في داخلي أشعر بأنني حرة، بل كاملة الحرية وصنعت لنفسي عالما خاصا بي من خلال القراءة والتأمل. كان أغلب وقتي مخصصا للقراءة والتفكير في محن الصحافيين الذين سبقوني للتجربة، والذين كنت أستمد صبري من صبرهم ومعاناتهم، بالإضافة إلى قيامي بالواجبات المنوطة بي والمرتبطة بأشغال نظافة الزنزانة حينما يحين دوري. رفيقات الزنزانة كن لطيفات متضامنات متعاونات معي، ولكني كنت أشعر أن هنالك ما يخيف البعض عند تواصلهن معي. شعرت كأن هنالك تضييق عليّ في كثير من الأحايين ومحاولات لمنعي من الاحتكاك مع محيطي داخل السجن، مما دفعني للتقوقع على نفسي وعدم الخروج من الزنزانة إلا لمقابلة المحاميين والمحاميات، حتى لا أتسبب للسجينات الأخريات في المتاعب.

 

Sign In

Reset Your Password