مصير بن سلمان بين الصهيونية المسيحية والإستبلشمنت الغربي / د.حسين مجدوبي

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجد صعوبة في إنقاذ ولي العهد محمد بن سلمان

رغم تراجع سخونة التعاطي الإعلامي في ملف اغتيال جمال خاشقجي خلال خلال الأسبوع الأخير، يستمر عمليا حاضرا في أجندة الدول الغربية أساسا ويستمر معه مستقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان معلقا بين يدي القوى الغربية الكبرى. ويتراوح مصير هذا الشاب المفرط في طموحه السياسي فوق العادة بين موقف الصهيونية المسيحية العالمية التي ترغب في بقائه واستمراره وبين والمؤسسات العميقة في الغرب ومنها في الولايات المتحدة التي ترفض استمراره وتوليه العرش السعودي مستقبلا بسبب المخاطر التي قد ترتب عن وصوله الى السلطة المطلقة.

وبعد مرور 40 يوما على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول من طرف كوماندو ويفترض بأوامر مباشرة من ولي العهد محمد بن سلمان، ووفق مختلف تحليل مراكز الدراسات الاستراتيجية والتعاطي الإعلامي وموقف الهيئات السياسية والأمنية يستمر الترقب في البث النهائي في مصير ولي العهد محمد بن سلمان، وهذا يعني أن القضية لم تحال على الحفظ.  وهذا البث سيحدث بطريقة غير مباشرة بحكم عدم امتلاك الدول الغربية السلطة التنفيذية المباشرة لطرده من هذا المنصب فهذا شأن من اختصاص هيئة البيعة السعودية، لكن تملك أدوات أخرى منها الضغط والمقاطعة والتهديد بالمحاكمة الدولية.

في هذا الصدد، يتراوح مصير بن سلمان بين فريقين، الأول وهو الصهيونية المسيحية العالمية والمجموعات الإنجيلية التي تشارك في صناعة القرار في الولايات المتحدة، والفريق الثاني يتجلى فيما يصطلح عليه الإستبلشمنت الغربي وهي الهيئات والشخصيات التي تشكل ما يعرف بالدولة العميقة التي تحافظ على توازن البلاد واستمرارها من المخاطر الداخلية والخارجية.

وترغب الصهيونية-المسيحية العالمية في استمرار ولي العهد محمد بن سلمان في منصبه وتوليه عرش السعودية مستقبلا، وهو ما يفسر لماذا استقبل ولي العهد مجموعة إنجيلية متطرفة في تأييدها لإسرائيل الشهر الماضي، وبرر ذلك باسم التسامح الديني. لكن الحقيقة هو إدراكه ومساعديه للدعم الذي سيحصل عليه من طرف هؤلاء الإنجيليين لكي يقنعوا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضرورة استمرار بن سلمان في المنصب.  وهنا لا يحضر فقط العامل السياسي في اللقاء وأهدافه بل العامل الديني بحكم اعتقاد الإنجيليين في روايات دينية قد تحدث في الشرق الأوسط لديها علاقة بعودة المسيح وأن تعزيز نفوذ إسرائيل وهيمنتها ضروري، وبالتالي دعم كل من يقف الى جانب إسرائيل ولو من الديانات الإسلامية.

ويلتقي هذا الفريق مع رغبة بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات العربية والبحرين التي ترى في محمد بن سلمان شخصية محورية لمشاريعها في الشرق الأوسط. كما يلتقي هذا الفريق مع رغبات إسرائيل التي كتب منظروها في السياسية وبعض قيادييها أن بن سلمان هو الرجل الذين ينتظرونه في العالم العربي منذ خمسين سنة.

وفي الجانب الآخر، يوجد عدد من قادة الدول الغربية وخاصة المؤسسات التي تشكل ركيزة الدولة والشخصيات التي تعتبر محورية في صنع القرار، وهذه الهيئات أو الإستبلشمنتت لا ترغب في رؤية بن سلمان في ولاية العهد وكرسي الملك مستقبلا بسبب طيشه وتهوره السياسي. ولا يهتم هذا الفريق بمحمد بن سلمان، فهو في آخر المطاف شخص واحد ويمكن الاستغناء عنه، ولكن ما يهم الاستبلشمنت الغربي هو استمرار آل سعود في حكم السعودية حتى لا يسقط بلد غني بالنفط في الفلك الروسي-الصيني في حالة وقع تغيير جذري بنهاية الملكية.

ويشمل هذا الفريق قادة من البنتاغون والاستخبارات الأمريكية والفرنسية والبريطانية وقادة سياسيين من مجالس النواب والشيوخ. وهناك أصوات تعبّر عن مواقف هؤلاء رغم عدم تحملها المسؤولية الإدارية أو السياسية المباشرة، ولكنها تكون دالة في تصريحاتها وخرجت إلى الإعلام لتكشف مواقف هذا الإستبلشمنت. ومن ضمن الأمثلة المعبرة في هذا الصدد، مدير الاستخبارات البريطانية السابق، جون ساورز وهو وجه من وجوه الإستبلشمنت يشير إلى مسؤولية ولي العهد في اغتيال جمال خاشقجي. وبدوره يشير المدير السابق للمخابرات الأمريكية سي إي إيه جون برينان إلى ولي العهد كفاعل رئيسي في عملية الاغتيال. كما أن المخابرات الأمريكية هي التي دفعت الرئيس الى التخلي عن فكرة الدعم الكامل لولي العهد بعدما استمعت مديرة هذا الجهاز جينا هاسبل الى أشرطة صوتية حول الجريمة نقلتها الى الرئيس دونالد ترامب وجعلته يتراجع عن أي تأييد لولي العهد.

ويتفوق الفريق الثاني على الأول بل يتراجع الأول أمام هيمنة الثاني في هذا الملف، وهو ما يجعل مستقبل ولي العهد على كفة عفريت ولاسيما في ظل الإصرار التركي على اتهام غير مباشر حتى الآن لولي العهد عبر تصريحات الرئيس طيب رجب أردوغان بقوله “مسؤول كبير يقف وراء إعطاء الأوامر بتقل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول وأستثني الملك”. في الوقت ذاته، تفيد مختلف التحاليل أن زوال محمد بن سلمان لا يعني تغيير السعودية للغرب حليفا وشريكا سياسيا واقتصاديا لأن الشخص لا وزن له في العلاقات الدولية مهما كان شأنه وجبروته داخل وطنه عكس ما يعتقد المحللون العرب الذين يضفون القدسية والأبدية على الحاكم ويتهيبون من الحديث عن مصيره. ومن ضمن الأمثلة، عندما قرر الغرب التخلص من الرئيس العراقي صدام حسين أو الرئيس الليبي معمر القذافي لم يتردد رغم الفوضى اللاحقة، ولن يجد حرجا في التخلص من ولي العهد لكن بتجنيب آل سعود مصيرا دراميا بل المحافظة على العائلة. وهذه المهمة تتطلب التريث وليس التطبيق السريع.

Sign In

Reset Your Password