مثل إيران التدخل العسكري الأمريكي ضد فنزويلا لن يحدث/د. حسين مجدوبي

القيادة العسكرية الفنزويلية

بعد أوكرانيا وسوريا، تحولت فنزويلا إلى حلقة أخرى للحرب الباردة في نسختها الجديدة في القرن الواحد والعشرين، بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. ويجري الحديث بقوة عن احتمال تدخل عسكري أمريكي في فنزويلا ضد نظام الرئيس نيكولا مادورو، بما في ذلك الترخيص لشركة بلاك ووتر تنفيذ هذا التدخل، مما سيعد سابقة في العلاقات الدولية. لكن التدخل العسكري ضد فنزويلا سيكون مثل التدخل ضد إيران، الذي لم ولن يحصل.
وتعيش فنزويلا وضعا سياسيا استثنائيا نتيجة صراع قطبين، الأول وهو القوي ويتجلى في قطب الرئيس نيكولا مادورو المنتخب في صناديق الاقتراع، والثاني لم يجد بوصلته السياسية وهو قطب خوان غوايدو رئيس البرلمان الفنزويلي، الذي أعلن نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، بدعم ورعاية من البيت الأبيض. ويحاول القطب الثاني تنفيذ عملية تغيير بكل الوسائل بما فيها الانقلاب، كما حدث مع الانقلاب الفاشل بداية الأسبوع الماضي، ويعود الفشل إلى عاملين، وحدة الجيش الفنزويلي في رفضه التدخلات الخارجية، ثم وجود قاعدة شعبية يرتكز عليها الرئيس نيكولا مادورو وسط المجتمع.
وبعد فشل الانقلاب، تناسلت تصريحات المسؤولين الأمريكيين، باحتمال تدخل عسكري في فنزويلا. وجاءت التأكيدات على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، ثم وزير الدفاع المؤقت، علاوة على مستشار الأمن القومي جون بولتون. يضاف إلى كل هذا مستجد ما صرح به الرئيس المؤقت خوان غوايدو باحتمال مصادقة البرلمان الفنزويلي على تدخل عسكري أمريكي، لإنهاء نظام مادورو. ووسط كل هذه التطورات، تنشر الصحافة الدولية معطيات حول احتمال لجوء البنتاغون إلى شركة بلاك ووتر للتدخل العسكري في فنزويلا، وهي الشركة المكونة من مرتزقة ارتكبوا جرائم في العراق، بعدما استعملهم الجيش الأمريكي، لكن تحت إمرته وبأوامر منه. في هذا الصدد، وإن كان مستبعدا، ستعد فرضية لجوء البيت الأبيض إلى شركة من المرتزقة، سابقة في تاريخ العلاقات الدولية، وإذا رخصت واشنطن هذا الإجراء ستكون وقتها قد أسبغت طابع آل كابوني (مجرم شيكاغو الشهير)  على العلاقات الدولية. وقتها ستجد معظم دول الغرب ضدها، ابتداء من الجارة كندا إلى أوروبا مثل فرنسا وألمانيا، علاوة على رفض قوي من طرف باقي دول العالم والأمم المتحدة.

في غضون ذلك، هل ستقدم الولايات المتحدة على غزو عسكري لفنزويلا، لإنهاء نظام مادورو، الذي يعتبر وريث هوغو تشافيز، وإقامة نظام موال لها يمثله خوان غوايدو؟ الجواب قد يكون نعم، إذا اعتمدنا على تاريخ التدخل العسكري الأمريكي في القارة الأمريكية منذ إرساء عقيدة «مونرو» سنة 1822 التي تنص على أن أمريكا للأمريكيين، وبموجبها تدخلت واشنطن طيلة القرن التاسع عشر والعشرين في مختلف دول المنطقة. فقد شنت حروبا ضد المكسيك خلال القرن التاسع عشر، أسفرت عن حرمان المكسيك من أراضيها الشاسعة، وضمها إلى الولايات المتحدة وهي كاليفورنيا ونيفادا ونيو مكسيكو وتكساس. ثم قادت حروبا ضد أمريكا الوسطى ما بين 1898 إلى 1935 تعرف بحروب الموز، ومن هنا جاء مصطلح جمهوريات الموز. ودفعت بمؤسسات عسكرية إلى انقلابات مثل تشيلي لكن التدخل العسكري المباشر سيعود سنة 1983 ضد جزيرة غريناد وضد بنما سنة 1989. وعليه، عقيدة التدخل العسكري الأمريكي المباشر موجودة في الفكر العسكري والسياسي الأمريكي، لكن لا يكفي التهديد باللجوء إليها حتى يتم الاقتناع بتنفيذ التدخل. ولا يمكن للبنتاغون التدخل في فنزويلا للأسباب التالية:
*استراتيجيا، عندما تشن الولايات المتحدة الحرب ضد دولة، تطغى تصريحات بعض الجنرالات بسبب خبرتهم، لكن في حالة فنزويلا لم يقدم أي جنرال على الإدلاء بأي تصريح لصالح الحرب، باستثناء الأدميرال غرايغ فالر، الذي قال يجب انتظار نهاية السنة. هذا الصمت يعني وجود رفض وسط طبقة العسكريين للحرب. في الوقت ذاته، رغم صلاحيات الرئيس شن حرب باستخدام قوات المارينز، التي يتحكم فيها مباشرة، بينما لا يتحكم في القوات الكلاسيكية مباشرة، محللو البنتاغون يرفضون شن حرب ضد فنزويلا، لأن خسائرها ستكون أكثر من الأرباح، فهم يؤمنون بالتغيير السياسي التدريجي، بدل شن حرب قد تخلق فوضى في المنطقة وإذا فشلت يعني تحويل فنزويلا إلى مقاطعة روسية- صينية. ويصنف مستشار الأمن القومي جون بولتون خبراء البنتاغون الذي ينجزون تقارير تقييم المخاطر، أكبر الأعداء، لأن لهم وزنا قويا في صنع القرار ويعاكسون رغبة بعض الرؤساء. وكان قد شن عليهم حملة قوية سنة 2006 عندما كان سفيرا لواشنطن لدى الأمم المتحدة، وعاد ليشن الحرب نفسها بعد تقارير تفيد بمعارضة الجيش التدخل العسكري.
*تاريخيا، شنت الولايات المتحدة حروبا على دول ضعيفة عسكريا، لم تشكل أي مقاومة تذكر مثل ليبيا والعراق المنهك بالحروب وغرينادا وبنما، بينما أخطأت التقدير في حالة فيتنام. لم يسبق للبنتاغون شن أي حرب على دولة متوسطة القوة العسكرية. وتدخل فنزويلا في خانة الدولة المتوسطة القوة. وعلاقة بهذا، تتوفر فنزويلا على جيش مدرب، ويمتلك أسلحة متطورة منها صواريخ إس 300 القادرة على إسقاط المقاتلات الأمريكية، وعلى بحرية قادرة على مواجهة أي إنزال للمارينز وجعل مهمتها صعبة. وإذا حدث التدخل، فسيتطلب جيشا كبيرا للغاية، الأمر الذي سيعارضه جنرالات البنتاغون. في الوقت ذاته، يوجد خبراء روس بكثرة في فنزويلا، وسيساهمون في توجيه القوات الفنزويلية لإلحاق الضرر بالسلاح الأمريكي.
*سياسيا، يرفض الشعب الفنزويلي في غالبيته أي تدخل عسكري في البلاد، الأمر الذي سيجعل أي تدخل أمريكي صعبا بحكم تسليح نظام نيكولا مادورو لعدد كبير من أتباعه والمواطنين. وتاريخيا، يمكن هزم الجيوش لكن السيطرة على الشعوب المسلحة مهمة صعبة.
*قاريا، قد يؤدي التدخل العسكري الأمريكي إلى إيقاظ الحركات اليسارية التي تؤمن بالعنف المسلح في دول مثل البرازيل وكولومبيا والبيرو، ما سيجعل المنطقة تدخل في فوضى سياسية ستكون صورة مصغرة للشرق الأوسط بعد التدخل الأمريكي في العراق سنة 2003.
عوامل متعددة تجعل التدخل العسكري ضد فنزويلا مجرد تصريحات سياسية مناسباتية مثل التصريحات بشأن التدخل العسكري  الأمريكي ضد إيران منذ 2003 إلى يومنا هذا، ولم يحدث. يمكن العودة إلى أرشيف الصحافة للوقوف على مئات التصريحات والتقارير حول الحرب ضد إيران التي بقيت في مهب الريح، والآن يتكرر السيناريو مع فنزويلا.

Sign In

Reset Your Password