ماذا لو خضع الحكام العرب للتكوين الديمقراطي في الغرب؟

مطالب ديمقراطية

السياسة فن الممكن وفن المستحيل، ومسرح لإنتاج نظريات وأطروحات للحكم، أحيانا تكون واقعية وقاسية مثل، المكيافيلية وأحيانا غارقة في الطوباوية مثل المدينة الفاضلة. وهنا نقدم اقتراحا بقدر ما هو واقعي بقدر ما هو سيريالي في آن، ولا يعتمد نظرية فكرية بقدر ما يعتمد إجراء تجربة وهي: هل يمكن إخضاع الملوك والرؤساء العرب لدورة تدريبية عند نظرائهم الغربيين، وبالأخص الأوروبيين ليصبحوا ديمقراطيين يحترمون شعوبهم؟
في هذا الصدد، من الأمور المألوفة في العالم العربي، إرسال وفد علمي أو تربوي أو اقتصادي أو عسكري أو رياضي لدورة تكوينية في الخارج، لاكتساب خبرات أكبر وصقل الموهبة، حتى يستفيد أفراد البعثة ويفيدون الوطن لاحقا. ومنذ القرن التاسع عشر، ودول العالم العربي ترسل وفودا إلى أوروبا، وهناك حكايات كثيرة حول هذا الموضوع في مشرق ومغرب العالم العربي بشأن استقبال هذه الوفود بين مرحب بها ومن اعتبرها ناقلة لممارسات «النصارى» المناقضة للدين.
ويوجد الكثير من الناس من يعتقدون في أهمية هذه الوفود، لاسيما في ظل التأخر والتخلف الذي تعيشه الدول العربية في شتى المجالات، ولم يعد الأمر يقتصر على التكوين في الخارج، بل إلى جلب خبراء لتسيير بعض مناحي الحياة، بعدما كان الأمر مقتصرا فقط على جلب مدربي كرة القدم، التي يعتبرها الديكتاتور العربي واجهته المفضلة لزرع الروح الوطنية المغشوشة.
وتخيلوا لو امتد إرسال البعثات، إلى إرسال الحكام العرب إلى الغرب للحصول على دورات تدريبية في الدول الأوروبية، وهكذا، سيتم إرسال الملوك العرب ضيوفا للتدريب لدى نظرائهم الأوروبيين في عواصم ملكية مثل، مدريد ولندن وبروكسل وأوسلو وكوبنهاغن، ضمن ملكيات أخرى. ويتم الأمر نفسه مع الرؤساء الذين سيحلون على عواصم جمهورية مثل، باريس وبرلين وروما ولشبونة و… يحصلون على التدريب ويعودون لبلدانهم لتطبيق ما استفادوا منه نظريا وعمليا. وستكون فرصة للحاكم العربي لتعلم أصول التسيير الديمقراطي. وسيقتبس الملك العربي، أو الرئيس من نظيره الأوروبي أن خيرات البلاد هي مسخرة لخدمة الشعب وأبناء الوطن، وأنه لا يمكنه الاستمرار في نهج سياسة التبذير والاستيلاء عليها خدمة لنزواته وأقربائه والمتملقين له، أو وضع الأموال المنهوبة في حسابات سرية في الخارج. وسيكتشف الحاكم العربي قوة القضاء الأوروبي في مساءلة الحاكم. وسيرى كيف أجبر القضاء البلجيكي ملك بلجيكا السابق على الاعتراف بأبوته للمواطنة التي رفعت دعوى ضده لإثبات الأبوة البيولوجية. كما سيقف على قوة القضاء الإسباني في التحقيق في ثروات الملك السابق خوان كارلوس، بتبييض الأموال في حسابات سرية في سويسرا، لم تعد الآن سرية، وكيف لم يستطع ابنه الملك الحالي فيلبي السادس، التدخل لإعطاء أوامر للجهاز القضائي بإغلاق الملف. وسيدرك الحاكم العربي ما معنى دور المخابرات في بلاد الغرب، فهي مسخرة لخدمة الأمن القومي للبلاد، والحفاظ على ثروات الوطن من التدخل الخارجي، أو تلاعب دول ثالثة بصناعة القرار الاستراتيجي، وأنها ليست مسخرة لقمع المعارضين وتسريب الأخبار الكاذبة ضدهم، ووضع استراتيجية لخدمة حكم وصورة الحاكم، ثم وضعها في خدمة القوى الخارجية تحت يافطة محاربة الإرهاب، ومظاهر أخرى تجعل من هذه المخابرات عميلة للآخر، أكثر منها وطنية، ولهذا فهي منبوذة في أعين مواطنيها، ومرحب بها ترحيبا بائسا في الغرب، على شاكلة حكاية نابوليون من الخائن الذي باع بلده.
وبدون شك، سيتعلم الحاكم العربي من نظيره الأوروبي، ضرورة إشراك جميع الهيئات المعنية دستوريا وقانونيا في صناعة القرار السياسي والاقتصادي، لاسيما إذا كان الأمر متعلقا بقرارات استراتيجية، وسيعي جيدا كيف أن صناعة القرار لا تكون بشكل أحادي، أو نتيجة رد فعل أو نزوات عابرة أو ضغط من عاصمة ما. وإشراك هذه الهيئات، خاصة المنتخبة بطريقة ديمقراطية، يعني إشراك الشعب في المسؤولية. وفي الوقت ذاته، سيتعلم الحاكم العربي من نظيره الأوروبي وضع أجندة الأولويات، وهي ضرورة توفير التعليم والصحة والشغل، لأفراد الشعب الذي ائتمن عليهم بدل أجندة النهب وخرق حقوق الإنسان. وسيتعلم الحاكم العربي إنتاج استيراد برامج التعليم والتكوين، لفائدة الأطر بدل استيراد أجهزة التعذيب وبرامج التجسس، مثل برنامج بيغاسوس، الذي استورده حكام عرب من إسرائيل لملاحقة الأحرار المنددين بفساد الأنظمة.

رغبت في معرفة رأي صديق لي عليم بالأنظمة العربية ومنها الملكية حول مقترح الدورة التكوينية للملوك والرؤساء العرب في الغرب، وهو بالمناسبة يقيم في الغرب. وكان جوابه مثل العالم الرياضي الذي يتعامل مع الأرقام، التي لا تترك مجالا للشك «استغفر ربك يا صديقي، ومن سيضمن لنا أن الحكام العرب غير قادرين على نقل وباء الديكتاتورية الى نظرائهم الأوروبيين». ولكي يقنعني أكثر استدل بمجموعة من الأمثلة «ساركوزي تصاحب مع القذافي فقام الأخير بتمويل حملته الرئاسية سنة 2007، والآن هو مهدد بالسجن. والملك خوان كارلوس ترافق مع الملوك العرب، وقبض من السعودية عمولات، وهو عرضة الآن لتحقيق بشأن تبييضه الأموال. واستطرد «تصاحب الرئيس الأمريكي ترامب مع ولي العهد محمد بن سلمان وولي عهد الإمارات، وتأثر بأساليبهم في الاستهتار بالقانون». وتابع بنبرة من الاحتجاج والتحذير «تخيل لو أن الحكام العرب خضعوا للدورة التدريبية وكانت نتائجها معاكسة، وقتها أول ما سيفعله الديكتاتوريون الجدد في أوروبا هو ملاحقتنا نحن الذين لجأنا إلى أوطانهم، وقتها أين سنذهب؟». واختتم كلامه قائلا «احتفظ بمقترحاتك حتى يصبح كوكب المريخ قابلا للحياة، حينئذ اقترح ما شئت، فسيكون باستطاعتنا الهرب من كوكب الديكتاتوريين إذا نجح الملوك والرؤساء العرب في نقل عدواهم للغرب الى كوكب آخر».

Sign In

Reset Your Password