مأساة الدبلوماسية الثقافية المغاربية في مهرجان البيرو للشعر/ تحية إلى الفلسطيني مَسْعد أبو شيبة

من ملصقات المهرجان الشعري، ويظهر مزوار الإدريسي في يمين الملصق

هل تخلى العرب عن الشعر، فانتقل إلى سواهم ممن يقدرونه حق قدره؟ هل صارت عنايتهم به نسيا منسيا مقارنة بما أصبحت أُمم أخرى توليه إيَّاه من حدب ورعاية؟ سؤالان ألحّا عليَّ أثناء وبعد احتضان ليما عاصمة البيرو، بين 3 و 7 يوليوز 2013، المهرجانَ الدولي الثاني للشعر، الذي شارك فيه أزيد من 110 شاعرة وشاعر من 30 جنسية، بتنظيم من جمعية فورنيكس  Fórnixورعاية من المجلس البلدي للعاصمة ليما، وبحضور جمهور راقٍ جدا متعطش للشعر فاق عددُه 500 متفرج يَوْمَيِ الافتتاح والختام، وكانت المدرّجات الجامعية تمتلئ به وقاعات المكتبات الكبرى والساحات العمومية التي كانت تحتضن القراءات، والمدهش هو أن هذه الأخيرة كانت تُنجَز في خمس نُقط من العاصمة في الوقت ذاته، التي كانت الحافلات تنطلق إليها من الفندق صباحا ومساء.

وإذ يفرح المرءُ لحال الشعر والثقافة لدى البيروفيَّين والأمريكيين-اللاتينين، فإنه ليتألم حين يقف عيانا على مكانة الشعر والثقافة في مجتمعاتنا عموما، ولدى التمثيليات الديبلوماسية العربية بالخارج على وجه الخصوص. لنستحضر رهانات بعض الدول، وأضرب مثلا دولةَ الشيلي التي كلَّفت الشاعر بابلو نيرودا بتمثيلها سفيرا، وأُوكْتَافْيُو بَاثْ الذي مثَّل بلاده المكسيك سفيرا في الهند، وهو تقليد لا يزال ساريا لدى هذه البلدان، التي تُقاسمنا أوضاعا مشابهة.

أسوق هذا الحديث مستعيدا تجربة شخصية عشناها معا الشاعر الجزائريّ عاشور فِنّي وأنا أثناء تمثيلنا لعالمنا العربي، رفقة الشاعرة الفلسطينية الأصل ناتالي حنضل، في المهرجان الدولي الثاني للشعر 2013 بالبيرو، حيث أثبتنا، نحن الْمغاربِييْن على الأقل، تشبثنا بعروبتنا، بقراءتنا لنصوصنا بالعربية أوَّلا فالإسبانية لاحقا، وعايَنَّا الاحتفاء الذي أولته سفارات العالَم لمُبدعيها المشاركين بدعوتهم إلى مقرَّاتها، واستقبالهم باعتبارهم ممثِّلين نوعيِّين لبلدانهم في تظاهرة تستحق ما تستحقُّه من اهتمام، بعكس ما قامت به سفارتا بلديْنا تجاهنا.

إنَّ حضورنا إلى البيرو لم يُكلِّف سفاراتَيْنا ولو صُولًا واحدا(عملة البيرو)، فقد تكفل المنظمون بسفرنا وإقامتنا خلال أيام انعقاد المهرجان، وأوْلونا عناية فوق العادة. وكانت صُورتانا، إلى جانب الشعراء المشاركين، في ملصقات كُبرى تشغل الشوارع الرئيسة، وكان اسم بلديْنا يظهر عليها بارزا.

غير أن المؤسف هو أني، للمرة الثانية، أكتشف هوانَ الثقافة والإبداع لدى تمثيليتنا الديبلوماسية في الخارج، إذ حدث الشيءُ ذاتُه معي أثناء مشاركتي في الملتقى XIV لشعراء العالم اللاتيني بالمكسيك (أكتوبر 2012)، وكنتُ العربي الوحيد الذي يشارك لأول مرة في هذا الملتقى. إنها المرة الثانية التي أزور فيها القارة الأمريكية مشاركا في مهرجان شعري من الطراز الرفيع، وهي المرة الثانية التي يتأكَّد لي أن لا اعتبار للثقافة لدى ديبلوماسيتنا، ولو أن لديها ملحقا ثقافيًّا لمواكبة الحالة الثقافية في الخارج وللتعريف بمنتوجنا الثقافي الداخلي أيضا، شكليَّا على الأقل، والذي يُفتَرَض فيه أن يكون مواكبا للأحداث الثقافية الكبرى. بل الأدهى، فيما يخص البيرو هو أن لبلدي المغرب سفيرة ذات صفة أكاديمية؛ ما كان لها أن تغفل عن أمر مثل هذا.

المهم هو أن ماء وجه الديبلوماسية أنقذَه رجل الأعمال الفلسطيني مَسعد أبو شيبة، المنحدر من بيت جالا، وصاحب سلسلة مطاعم “إِسْبَري”، المقيم في ليما منذ أربعين سنة، الذي تباهى بنا وااعتبرنا سفيريْن نوعييْن للعالم العربي في البيرو، والذي أجْمَعنا عاشورُ وأنا على اعتباره سفيرا حقيقيّا للعرب هناك، إذ ما أن علم بوجودنا حتى أتى إلينا مرحِّبا، وخصَّنا بعناية وكرم فريديْن، يفوقان ما يمكن تصوُّره، داعيا إيَّانا إلى زيارة النادي الفلسطيني وإلى زيارة المدينة صحبته، مُثبتا مرَّة أخرى أن أواصر نبيلة ومتينة تؤلّف بيننا نحن العرب، وأنَّ الشعوب دائما تتجاوز السياسة والحكومات.

Sign In

Reset Your Password