لماذا يجب الاهتمام باتهامات إيطاليا لفرنسا بشأن ليبيا/د. حسين مجدوبي

صورة شهيرة للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي سيقف وراء اغتيال الرئيس الليبي معمر القذافي


اتهمت الحكومة الإيطالية فرنسا بالعمل على إبقاء الوضع عما عليه في ليبيا كما اتهمتها بتفقير القارة الإفريقية بسبب استغلال ثرواتها منذ عقود طويلة، تصريح لم يحرك الباحثين وما يفترض أنه صناع الرأي في القارة الإفريقية والعالم العربي مع استثناءات، علما أنها ليست ادعاءات واهية بل قائمة على معطيات صحيحة.

واعتادت دول الغرب حل المشاكل عبر الحوار الهادئ دون توجيه اتهامات لبعضها البعض عكس ما تفعل الدول العربية، لكن خلال السنتين الأخيرتين غابت هذه الميزة وبدأت بعض الدول تتراشق بالاتهامات. وكانت دائرة الاتهامات محصورة بين الولايات المتحدة الأمريكية بعد مجيئ دونالد ترامب الى الرئاسة وأوروبا، لكن الآن بين أعضاء العائلة الأوروبية ومنها فرنسا وإيطاليا.

في هذا الصدد، تعددت الاتهامات التي وجهتها إيطاليا الى فرنسا بشأن مواضيع متعددة ومختلفة كالهجرة وقضايا البحر الأبيض التوسط. وقال نائب رئيس الحكومة الإيطالية وزير الداخلية ماتيو سالفيني في تصريحات للقناة الخامسة لبلاد “فرنسا لا ترغب في استقرار الأوضاع في ليبيا، ربما لأن مصالحها متضاربة مع إيطاليا”. ولم يتردد عضو آخر في الحكومة الإيطالية وهو لويجي دي مايو في اتهام فرنسا بتفقير القارة الإفريقية نتيجة سياسة الجشع والاستغلال التي مارستها ضد خيرات المنطقة منذ عمليات الاستعمار الكبرى الى يومنا هذا.

يمكن انتقاد سالفيني بتصريحاته المتطرفة في الهجرة وهي نابعة من مواقف مسيحية ترفض وجود أجناس أخرى وخاصة المسلمين في البلد الذي يحتضن الفاتيكان، لكن في الحالة الفرنسية فهو يلقي الضوء على موضوع سبق لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الحديث عنه بطريقة غير مباشرة عندما سربت ويكليكس مضمون بريدها الإلكتروني.

إبان الثورات من أجل الديمقراطية التي تعرف الآن “بالربيع العربي”، استغلت بريطانيا وفرنسا الأوضاع في ليبيا لا من أجل إرساء الديمقراطية بل خدمة لمصالحهما الاستراتيجية في مجال الطاقة. وعمليا، بينما كان جزء من الطبقة السياسية والمثقفة والمجتمع المدني الفرنسية والبريطانية يؤيد إقامة الديمقراطية في العالم العربي ومنها ليبيا ، كانت الدولة العميقة في البلدين تضعان خطة لتغيير الخريطة الليبية، أي التسبب في تقسيم البلاد.  وهذا ليس بجديد على ثقافة باريس ولندن في العلاقات الدولية، فقد سبق لهما تقسيم العالم العربي في اتفاقية سايس بيكو. وجاء في مضمون بريد إلكتروني لهيلاري كلينتون استغرابها من شكوك حول مخطط فرنسي-بريطاني تقسيم ليبيا الى قسمين للتحكم في النفط، واعتمدت باريس ولندن على دول عربية في هذا المخطط وعلى رأسها الإمارات العربية بحكم أن هذا البلد ينخرط في المغامرات السياسية والعسكرية في ظل غياب مؤسسات الرقابة، بينما الدولة العميقة في الغرب تخاف من رقابة المؤسسات وتتحرك في سرية تامة، ولا تعرف مثل هذه المخططات سوى بعد مرور فترة زمنية قد تكون طويلة أو قصيرة حسب التسريب، وقتها تغيب المحاسبة تحت مبرر متطلبات الأمن القومي.

وكان المخطط الفرنسي-البريطاني يرمي الى ضمان النفط الليبي للعقود المقبلة من خلال تقسيم البلاد الى قسمين، ليبيا الغربية وليبيا الشرقية، ووسط كل هذا يجهل لماذا تورطت الإمارات في المخطط الفرنسي-البريطاني بتقسيم ليبيا. هل فعلت ذلك وفق رؤيتها الاستراتيجية للعالم العربي أو فقط من باب الاحتياط لمنع وصول حركات إسلامية الى السلطة.

  ونصحت الإدارة الأمريكية الإمارات العربية بعدم التورط في المخطط الفرنسي-البريطاني بسبب خطورته وكذلك بسبب عدم تطابقه مع رؤية واشنطن التي ساهمت في إسقاط نظام القذافي لصالح قيام أنظمة موالية لها ولا تدور في فلك موسكو وليس التقسيم من أجل التقسيم علاوة على عدم اعتماد الولايات المتحدة على النفط الليبي أو العربي برمته في الوقت الراهن.

ويحدث في أنه في بعض الأحيان تطغى الأحكام المسبقة لدى الباحث الأكاديمي والصحفي وحتى القارئ عن شخصية معينة، خاصة إذا كانت شعبوية، فتضيع تصريحاته رغم أهميتها الكبرى. وارتباطا بهذا، لا تعتبر تصريحات سالفيني جديدة، فقط سبقه رئيس الحكومة السابق سيلفيو بيرلوسكوني باتهامه علانية الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالتدخل في ليبيا خدمة لمصالح فرنسا في قطاع الطاقة وللتغطية على التمويل المالي معمر القذافي للحملة التي أوصلت ساركوزي الى رئاسة البلاد سنة 2007.

وتاريخيا، يوجد صراع كبير بين فرنسا وإيطاليا حول النفط الليبي لجودته والقرب الجغرافي، وتفاقم هذا الصراع خلال العقدين الأخيرين بعدما ارتفعت أهمية الطاقة كسلاح استراتيجي توظفه الدول الكبرى ضد بعضها البعض. لكن هذا الصراع يبقى حبيس المخططات السرية حتى تنفجر في وقت من الأوقات، وهو ما يحصل في الوقت الراهن.

إيطاليا التي تعد عضوا في منظومة الغرب وخاضت الكثير من الحروب التي دخل فيها خلال العقود الأخيرة بزعامة الولايات المتحدة، تتهم فرنسا بضرب ليبيا وإفقار القارة السمراء. تصريح ذو رمزية تاريخية كبيرة لكن لم يلقي الكثير من الاهتمام في العالم العربي وخاصة قنواته التلفزيونية الأكثر انتشارا، ربما ينتظرون حديث نيويورك تايمز أو الغادريان عنه وحينئذ سيتم تناوله بالتحليل والتأويل، من يدري؟

إشكالية المثقفين والإعلاميين في العالم العربي هو عجز أغلبيتهم على المساهمة في بلورة خطاب ينهل من ضرورة الانصاف التاريخي للشعوب التي ينتمون إليها، وانتظار الكثير منهم قيام “الآخر” بهذه المهمة حتى يستنسخوا أطروحته.

Sign In

Reset Your Password