“لماذا تفشل الدول” كتاب أمريكي ينسب الفشل الى نوعية المؤسسات ويفيد في فهم تخلف المغرب

صورة تعبر عن فقر المغرب

ارتفعت وتيرة الكتب التي تصدر حول التنمية وأسباب التخلف وخاصة في الغرب بحكم الاهتمام المتواصل للباحثين بهذا الموضوع. ولا ينحصر الاهتمام به فقط في معرفة أسباب تخلف دول وتقدم أخرى بل الانعكاسات السلبية التي يحملها على التماسك الاجتماعي وسط دولة معينة والنزاعات التي يخلفها في العلاقات الدولية مثل حالة الهجرة غير النظامية.

وهذا هو ما يعالجه الكتاب الأمريكي “لماذا تفشل الدول: جذور السلطة والرفاهية والفقر” لمؤلفيه دارون أسيموغلو (معهد ماساسوشيتث للتكنولوجيا) وجيمس روبنسون (من جامعة هارفارد) الصادر سنة 2012 وترجم الى لغات متعددة منها الفرنسية والألمانية والإسبانية. وحصل الكتاب على ثناء عدد كبير من الفائزين بنوبل للاقتصاد من أجيال مختلفة وترشحه أن يكون من الكتب الكلاسيكي مستقبلا لفهم التخلف والتقدم. ويكتب عنه جنيت أروو الحاصل على نوبل سنة 1972 “الكتاب مساهمة فعالة في الجدل القائم حول لماذا دول متشابهة تشهد تقدما اقتصاديا وسياسيا مختلفا”. أما روبير سولو الحاصل على نوبل للاقتصاد سنة 1987 “الكتاب يدفع الى التفكير بحماس حول الظاهرة”.

وينطلق الكتاب من تساؤل عريض حاضر لدى الباحثين والمؤرخين والرأي العام الواعي، ويتجلى في: ماذا تفعل بعض الدول لكي تتقدم وتنمو بينما الأخرى تبقى غارقة في التخلف والفقر؟ ويوجد الجواب لدى الباحثين عن الحضارة عند حديثهم عن الدورة الحضارية التي تزدهر وتسقط لاحقا، وهو تصور موجود لدى مؤرخي الاغريق كما يوجد لدى مؤرخي وعلماء الاجتماع العرب مثل ابن خلدون وخلال مائتي سنة لدى مؤرخين مثل أرنولد تونبي أو شبنغلر. WhyNationsFail

إلا أن هذا الكتاب يختلف عن مؤرخي الحضارات بكونه يقدم، ودون إغفال السرد التاريخي، قاربة اقتصادية ودراسة للعالم قائمة على رصد أكبر معطيات سوسيواقتصادية بشأن التطور والتخلف ونوعية المؤسسات في الدولة الواحدة وعبر تاريخها والدور الذي لعبته هذه المؤسسات. في الوقت ذاته، يقف عند بعض الأحداث التاريخية الكبرى التي تصبح ثورات، ويرى كيف تتعامل معها المجتمعات، هل تشكل حافزا نحو التقدم أو تزيد من الجمود. ويقدم في هذا الصدد أمثلة منها تاثير موجة الطاعن التي أصابت جزءا كبيرا من العالم، وكيف تجاوزتها مجتمعات مثل البريطانية نحو الثورة الصناعية وكيف ساهمت في جمود أخرى مثل مجتمعات أوروبا الشرقية.

والجميل في الكتاب هو البرغماتية التي ينهجها، يترك الجانب النظري جانبا إلا لماما لشرح بعض المنعطفات التاريخية الكبرى ويركز كثيرا على الأرقام والمعطيات لتقديم فهم أكبر لتطور وتخلف المجتمعات. في الوقت ذاته، ينتقل الكتاب من منطقة جغرافية الى أخرى لرصد تعامل المجتمعات مع التقدم والتخلف. ولا يعتبر الكتاب الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية كافية للحكم على التخلف أو التقدم في بلد ما بل يركز على نوعية المؤسسات والنخب وكيف تعاملت مع الثورات.

وهذا هو التصور الذي يعتمده في الفصل الأول، حيث يتناول حالة مدينة نوغاليس، الواقعة في الحدود الفاصلة بين ولاية أريزونا الأمريكية وولاية سونورا المكسيكية، وكانت في السابق نقطة جمارك وتحولت الى مدينة تفصلها الحدود فقط. ويتساءل الكتاب لماذا تقدم الشطر الأمريكي ويتوفر على الرفاهية والدخل المرتفع بينما تأخر الشطر المكسيكي ويغرق في الجريمة المنظمة والفقر. ويطبق التصور نفسه على دول حدودية مثل كوريا الجنوبية الغنية وكوريا الشمالية الفقيرة أو حالة المانيا الغربية والشرقية في الماضي قبل الوحدة وانهيار سور برلين وينتقل الى الشرخ القائم بين الشمال والجنوب ومنها في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

ولا يمنح الكتاب دورا رئيسيا للقيم والثقافة السائدة في المجتمعات في شرح التقدم والتخلف كما يذهب الى ذلك بعض المحللين وأحيانا بشكل عنصري خاص في ربطه بالدين. ودون نفي دور هذه القيم والثقافة، يركز الكتاب على مدى صلابة ونوعية المؤسسات التي يقوم عليها المجتمع سواء تقليدية أو حداثية أو تجمع بينهما، ومدى التنسيق بين مؤسسات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية في وضع هيكل عام للخروج من التخلف نحو التطور وضمان استمراريته.

ويتحدث الكتاب عن نوعين من المؤسسات تشهدهما المجتمعات خلال القرون الأخيرة، تلك الحاضنة والاقصائية. ويقدم نموذجين تاريخيين من هذه المؤسسات وامتدادهما الى وقتنا الراهن. ويعتبر الإمبراطورية الإسبانية بعد غزو جنوب القارة الأمريكية أقامت مؤسسات حولت السكان الأصليين والمستوطنين الى شبه عبيد يعملون لصالح ميتروبوليس في مدريد من خلال نقل كل الغنى وفرض ضرائب. ويقدم في المقابل، مثالا متعارضا وهو تجربة المستوطنين الأمريكيين حيث قام الاقتصاد على منح أراض شاسعة لكل مستوطن لتسييرها رفقة عائلات بطريقة عادلة، وترتب عن هذه المنهجية المثابرة في العمل وخلق الغنى وبدء وضع أسس الديمقراطية الأمريكية. ويعتبر هذا التصور هو المؤسسة الحاضنة.

ويوضح الكتاب أن اسبانيا نقلت مؤسساتها التقليدية التي حالت دون التطور الى جنوب أمريكا وساهمت في تخلفه، بينما نقلت بريطانيا مفهوم مؤسساتها الى شمال أمريكا وساهمت في التطور.

ويستمر في عرض الأمثلة من باب المقارنة واسخلاص العبر، مثل الثورة البريطانية سنة 1688 والفرنسية سنة 1789 التي قادت الى تعميم السلطة وسط الشعب من خلال مؤسسات أشركت الأغلبية. ويقول أن دول العالم شهدت ثورات مثل أمريكا اللاتينية في الخمسينات بعضها تقدم وبعضها سقط في إنتاج نفس السلطة وإن كان بإديولوجية مختلفة. ومن العالم العربي، يتوقف الكتاب عند تجربة ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر التي لم تشرك الشعب في السلطة عبر مؤسسات جماعية وأنتجت في آخر المطاف نموذج فاسد مثل حسني مبارك.

ويوجه الكتاب انتقادات قوية للغرب بسبب فشله في نقل مفهوم مؤسساته الى باقي العالم ومنها المستعمرات. ويستخلص الكتاب من العرض التاريخي للمؤسسات قيام الكولونيالية الأوروبية بتطبيق مفهوم المؤسسات الاقصائية في مستعمراتها في إفريقيا وآسيا وحكمت على الكثير من الدول بالتخلف الطويل، ولم تساهم في بناء مؤسسات حاضنة.

ويطبق الكتاب هذا المفهوم أو النظرية على أنظمة من العقود الأخيرة دون ربطها بإديولوجية معينة. وينتقد دولا اشتراكية مثل كوبا تقوم على استبعاد مواطنيها من المؤسسات وتركهم في العيش في فقر مستمر. كما ينتقد دول رأسمالية في إفريقيا تحكمها ديكتاتوريات تعمل على استبعاد المواطن من المؤسسات ومن الاستفادة من ثروات البلاد، ويقوم بالأمر نفسه مع دول الشرق الأوسط.

كما يثير الانتباه الى ظاهرة الردة الديمقراطية التي تضرب ديمقراطية المؤسسات عبر وصول سياسيين الى السلطة عبر الديمقراطية ثم يعملون على تهميشها مثلما حدث في البيرو مع نظام ألبرتو فوجيموري في التسعينات الذي خنق الحريات وسيطر على وسائل الاعلام. ويجعل من حالة البيرو رئيسية في الصفحات الأخيرة من الكتاب موضوعا رئيسيا للتحذير من الردة الديمقراطية. وينتهي عند حالة الصين بحكم وزنها الدولي اقتصاديا وسياسيا وكيف تتوفر على مؤسسات إقصائية لمعظم مكونات الشعب الصيني بسبب هيمنة الحزب الواحد.

وعلى ضوء مفهوم المؤسسات يعالج إشكالية النخبة، ويطرح في هذا الشأن، كيف تعمل نخب معينة على بناء مؤسسات تقوم على دينامية التغيير والتناوب وفتح الآفاق بدون عراقيل سياسية، في المقابل تقوم نخب أخرى على بناء مؤسسات جامدة تجعل هذه النخبة تحتفظ بالامتيازات والسلطة لفترات طويلة للغاية، وتتحول الى مؤسسات إقصائية تنتج الفقر والتخلف وتكون جوهرية لمعرفة “لماذا تفشل الدول؟”

ورغم عد تخصيصه لفصل خاص بالعالم العربي، وهي ملاحظة تغيب في الكثير من الكتب الحالية حول العلاقات الدولية وكذلك التنمية، إلا أن الكتاب يبدأ التمهيد بالربيع العربي وما كان يحدث في ساحة التحرير في القاهرة. ويؤكد أنه مهما كانت التفسيرات للربيع العربي، فهو في العمق صرخة ضد مؤسسات تنتج الفقر والفساد عبر نخبة متحكمة في مصير شعب بكامله. وطرح الكتاب الذي يعود الى 2012 تساؤلات حول الثورة الأخيرة في مصر هل ستقود الى مؤسسات جديدة أم ستكون مثلها مثل باقي الثورات التي شهدتها البلاد وأنتجت الفقرة (الكتاب لا يعالج فترة السيسي التي تعني إعادة إنتاج نخب جامدة).

الكتاب يشدد على روح إصلاح المؤسسات بشكل مستمر وتجديد النخب ويبرز دور سائل الاعلام في لعب دور الجسر للتعريف بالمطالب وتحجيم السلط، ولهذا يخصص لها فصلا كاملا كعامل من العوامل الحاسمة لبناء مؤسسات نزيهة.

الكتاب مثل معظم الكتب السياسية والاقتصادية التي تعالج تأخر وتقدم المجتمعات غني بالمقاربات خاصة وأنه يعالج مجتمعات متعددة مثل بوليفيا وروسيا والنمسا وكوريا الشمالية وبريطانيا وزيمبابوي ضمن أخرى، لكنه يهم القارئ المغربي. فهو يجر الى التساؤل عن نوعية المؤسسات الموجودة في المغرب وكذلك العالم العربي (يجيب الكتاب في حالة مصر) وهل تستوحي عملها من الحداثة والانفتاح والشراكة وتكون مؤسسات حاضنة، أم مؤسسات تقوم فيها النخب العسكرية والحزبية والملكية بالعمل على إقرار وضع الريع السياسي والاقتصادي. في الوقت ذاته، تساهم مفاهيم الكتاب في فهم أكبر لدور النخب في العالم العربي وكيف يتم صناعة نخب تتميز بالجمود لتكون النتيجة “التخلف التاريخي للمغرب والعالم العالم العربي”.

 

اسم الكتاب: Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity, and Poverty

تأليف: Daron Acemoglu  James Robinson,

دار النشر وتاريخ الإصدار: Crown Publishers, 2012

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password